اسرائيل وايران وتركيا في الملعب العربي.
أثبتت التحولات السياسية الأخيرة التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط أن ما يسمى عادة ب"الصراع العربي الاسرائيلي " لم يعد له معنى. فقد ظهر على الساحة طرفان جديدان وجديران بالاهتمام أيضا. ويتعلق الأمر بكل من ايران وتركيا. اذ لا يمكن تجاوزهاتين الدولتين باعتبارهما قوتين اقليميتين فاعلتين في المنطقة. لذلك كان من الطبيعي جدا أن يفرض الحضور الفارسي العثماني نفسه بشكل لافت في صنع حاضر ومستقبل منطقة الشرق الأوسط.
ويبدو أن العرب بدأوا يقتنعون بهذا الحضور - ولو على مضض - حيث عرفت القمتان العربيتان الأخيرتان انفتاحا على طهران وأنقرة، فقد ألقى الرئيس الايراني " محمود أحمدي نجاد " في الدوحة بدولة قطر بمناسبة الدورة الحادية والعشرين للقمة العربية سنة 2009 كلمة أكد فيها أن مستقبل العرب رهين بمد اليد لايران وتعزيز الثقة والتعاون المشترك، مؤكدا أن بلاده لا تشكل أي تهديد للأمن القومي العربي، وأن الخطر الحقيقي الذي يتهدد الاستقرار في المنطقة يأتي من اسرائيل. وفي الدورة الأخيرة للقمة العربية بمدينة " سرت " الليبية ألقى رئيس وزراء تركيا " رجب طيب أردوغان " كلمة بنفس اللغة التي تحدث بها سلفه الايراني، ودعا أردوغان الى وحدة اقليمية تضم العالم العربي الى جانب تركيا وايران، وذكر في هذا الصدد بأن آصرة العقيدة تجعل الأتراك والعرب أشقاء لا مجرد جيران وأصدقاء. وأشار بدوره الى الأخطار التي تتهدد المنطقة بفعل التعنت الاسرائيلي.
ايران وتركيا واسرائيل. انها أطراف المثلث الذي تتهيأ داخله تفاصيل مستقبل منطقة الشرق الأوسط. فاسرائيل هي الحاضر الدائم في كل القمم العربية ، ودورها الاقليمي لا يمكن المنازعة بشأنه. أما تركيا فقد بدأت تستعيد حنينها العثماني منذ نجاح حزب " العدالة والتنمية " الاسلامي في القبض على مفاتيح السلطة في بلاد الأناضول. ويبدو أن الأتراك يريدون موطئ قدم لهم في معمعة الصراع في الشرق الأوسط كورقة سياسية ضاغطة لاجبار الجيران الأوربيين على قبول تركيا بينهم، وذلك من منطلق أدوارها الاقليمية المتميزة. وقد أطلقت اشارات كثيرة في هذا الاتجاه بدءا من الموقف الحازم من اسرائيل عقب الحرب على غزة، وكذا من خلال مطالبتها العلنية بمراقبة الترسانة النووية الاسرائيلية ورفضها لأية عقوبات ضد ايران. وتركيا بمواقفها هذه انما تظهر نفسها كطرف يستطيع الدفع بعجلة السلام في الشرق الأوسط من منطلق علاقاتها المميزة مع العرب واسرائيل معا. ولا يمكن للدور التركي أن يتجاوز هذه الحدود الديبلوماسية، فالأتراك تجمعهم اتفاقات أمنية وعسكرية باسرائيل لا يمكن اغفالها. أما بخصوص ايران، فقد كانت القضية الفلسطينية دائما شأنا سياسيا أساسيا في أجندة سلطات "ولاية الفقيه " في طهران منذ فجر الثورة الاسلامية. وعلى عكس الدور التركي، يبدو أن ايران تضع نفسها كعدو مباشر لاسرائيل، حيث يتوعدها الفرس في كل مناسبة بمسحها من الوجود. ومرة أخرى يلعب الايرانيون بالورقة الاسرائيلية من أجل لجم خطوات المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية بالخصوص، وربح المزيد من الوقت في اطار السباق نحو تحقيق الحلم النووي. والتهديد الايراني لاسرائيل يحقق هدفين أساسيين هما تخويف الغرب، نظرا للغموض الذي يكتنف القوة العسكرية لايران من جهة، واستمالة الرأي العام العربي من جهة أخرى. ويبدو أنها نجحت حتى الآن في المهمتين بشكل كبير.
هكذا اذن تتحدد لعبة التجاذبات في منطقة الشرق الأوسط. ويبدو أن العرب ليسوا طرفا في المعادلات المرتبطة بمستقبل المنطقة الا من حيث انهم ساحة للمعركة. فالعالم العربي ليس الا ملعبا لمباراة لاعبوها الرئيسيون هم اسرائيل وايران وتركيا، بمراقبة أمريكية وروسية وأوربية.
محمد مغوتي. 30/03/2010.
التعليقات (0)