لاشك أن تعامل الإعلام الإسرائيلي مع ما يجري في فلسطين هو دليل على التطور الكبير في فهم عقلية الشعوب، و تحوير النقاش بما يخدم مصالحها ، و كسب التعاطف الدولي مع قضيتها،فتحريف الحقائق و الاستنجاد بالانسانية ابرز ملامحه،و التباكي نتيجة للصواريخ التي يصفها البعض بالكرتونية،يتيح لها حق الرد و لو بقنابل فسفورية محرمة دوليا،و يتيح لها قتل الأطفال و المدنيين، باعتبارها ضحية.
إن جولة بسيطة في الإعلام الاسرائيلي،كفيلة بتبيان مدى استغلال الأخيرة لعب دور الضحية، فأهم العناوين حاليا تبدأ بالأطفال كضحايا للهجمات الصاروخية القادمة من غزة، "مقتل طفل في السادسة من عمره، و عشرات الاصابات" مقتل طفل في الخامسة نتيجة سقوط صواريخ على تل أبيب"، "عشرات الجرحى في عسقلان نتيجة هجمات صاروخية"..و لا ننسى كيف يتباكى اخفاي أدرعي أمام الإعلام الأمريكي ، أن المقاومة تطلق الصواريخ من أماكن تعج بالمدنيين،و بالتالي فهي مسؤولة عن جرائم الاحتلال، فأدرعي يحمل حماس مسؤولية استهداف المدنيين بالقنابل الفسفورية.
إن استغباء الشعوب استراتيجية تتخذها اسرائيل درعا لقصف المدنيين، و تشريد العائلات،و قتل الأطفال، و هذا ليس غريبا، لأن فهم تفكير الشعوب يتيح لك التلاعب بها،و لو بمعطيات مغلوطة،و بفبركة للأحداث بما يخدم روايتك.
كيف لكيان يمتلك قوة عسكرية،لا يمكن مقارنتها بما تمتلكه المقاومة،أن يتباكى بهذا الشكل، لا يمكن ذلك إلا إذا كنت اسرائيل، فهي تعرف ما تريد و تسعى جاهدة إلى تحسين صورتها عالميا ، و تفهم جيدا،قوة الشعوب و تأثيرها، لذلك فلقد خلقت نوعا يدافع عنها في أوطاننا العربية، و بعضهم اسرائيلي أكثر من الإسرائيليين أنفسهم.
انتقل النقاش في العالم العربي،من التضامن مع الشعب الفلسطيني، و محاسبة اسرائيل على جرائمها ، إلى سؤال ، لماذا أنت فلسطيني؟، و فلسطين ليست قضيتي، في شد ورد بين من يفقهون جيدا في القضية الفلسطينية، و يعتبرون أنفسهم علماء فهموا ما لم نفهمه في قضية انسانية،عالمية، يتضامن معها شعوب من أروبا و أمريكا ....
لا تستغرب من هكذا نقاش فهو يدل أن الحملة التي قادتها إسرائيل لتدجين بعض المثقفين و السياسيين لخدمة أجنداتها، نجحت، و استمرارها في لعب دور الضحية، إنما لمعرفة أن هناك من يمسح دموعها، و يتضامن معها في عالمنا العربي، حيث ينتصر البعض لسلطة المحتل على حساب أصحاب الأرض.
إن أقل ردة فعل تطلب من المرأة المغتصبة هو الصراخ، لان ذلك يعتبر تعبيرا عن رفضها للإغتصاب، لكن البعض يحاول أن يجعل من صرخة الفلسطينين انتحار، و من ردة فعل المقاومة قتل للمدنيين الأبرياء،و يؤكد نظرية أن الجلاد هو الضحية.
لعل ما يمكن التنبيه له أن الاستمرار في نقاش دخيل، يجرنا إلى معركة فارغة تخدم أجندات نعلمها جميعا، لذلك من الاحرى أن نتجه لكشف جرائم الاحتلال و عدوانه،على أن نمنح وقتا للرد على من يمسحون دموع إسرائيل.
محمد الشبراوي المغربي
التعليقات (0)