مواضيع اليوم

استقرار لبنان والمنطقة بعد غزة

ملف اخضر

2009-01-19 01:06:39

0

استقرار لبنان والمنطقة···
في مهب تداعيات محرقة غزة!
توقفت المحرقة الإسرائيلية الهمجية في غزة، ولكن نيران تداعياتها قد لا تقف عند حدود القطاع الصامد، بل تُهدّد بإشعال المزيد من حرائق الانقسامات والصراعات في الصف العربي، وصولاً إلى إرباك الجبهات الداخلية الهشة خاصة في لبنان وفلسطين·

وعوض أن تكون مأساة أهلنا في غزة المدخل المناسب لعودة اللحمة إلى الصف العربي، وللعمل على استعادة التضامن العربي، شاء أصحاب الخطابات النارية ومروجي المزايدات اللفظية، أن يحوّلوا المعركة الملتهبة ضد العدو الإسرائيلي إلى مسلسل معارك بين العرب أنفسهم، عبر المسارعة إلى إطلاق اتهامات التواطؤ والتخوين ضد مصر وعرب الحكمة والاعتدال تارة، وضد كل من لا يوافقهم مواقفهم الانفعالية وغير الواقعية تارات أخرى·

وفيما انصرف <عرب الحكمة والاعتدال> إلى العمل الدبلوماسي الجاد لوقف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة، وخاضوا من أجل ذلك المعارك الدبلوماسية الطاحنة في أروقة الأمم المتحدة، لإصدار قرار بوقف فوري لإطلاق النار من مجلس الأمن ينفذ من الفيتو الأميركي الأرعن، كان <عرب الممانعة> يمعنون في خطاب التشكيك والتخوين، والتهوين من نتائج اللجوء إلى مجلس الأمن، من دون أن يقدموا بديلاً قادراً على وقف العدوان، طالما أن الخيار العسكري بقي مستبعداً من أطراف هذا المحور، كما أكد أمير قطر نفسه في بيانه الشهير عشية انعقاد اجتماع الدوحة التشاوري بمن حضر·

وفيما بقيت المبادرة المصرية الورقة الوحيدة على طاولة المفاوضات غير المباشرة بين حماس وتل أبيب، والتي جمعت في بنودها مطالب الحركة التي خاضت حرباً غير متكافئة مع آلة الحرب الجهنمية الإسرائيلية، كانت هتافات التخوين والتيئيس تصدح في شوارع دول الممانعة التي لم تُقدّم اقتراحاً واحداً يساعد على وقف المحرقة اليومية ضد أهالي غزة وجوارها·

وإذا كان العدوان الإسرائيلي يشكّل خطراً مستداماً على أمن الأمة واستقرارها، فإن الانقسام العربي الحالي يبقى هو الخطر الأكبر على النظام العربي برمته، وعلى تجربة العمل العربي المشترك التي تمر حالياً في أسوأ حالاتها من الشلل والعجز على الإطلاق·

في ظلال هذا الانقسام شن العدو بالأمس حرب تموز المدمرة على لبنان، وأفسح هذا الانقسام العربي الخطير اليوم أمام العدوان الإسرائيلي فرصة التمادي على أهلنا في غزة، واستغلت أطراف إقليمية ودولية واقع هذا الانقسام المدمر لتخترق الصف العربي، وتحتل المقاعد العربية الأولى حيناً، وتصادر الدور العربي أحياناً، سعياً إلى فرض خياراتها وهيمنتها على القرار العربي··· الذي فقد بوصلته الحقيقية في اللهاث وراء قمة طارئة فرضها آخرون على الدولة المضيفة هنا، وقمة عاجلة فرضتها ضرورة لمّ الصف الخليجي هناك، وقمة مبرمجة منذ أكثر من عام أصلاً، ويجري الإعداد لها بصورة مقبولة، لتقول كلمة العرب في ما يجري في غزة··· وفي غير غزة·

وإذا لم تنجح مساعي أهل الحكمة والوحدة في تقريب المواقف بين القادة العرب في قمة الكويت، والخروج منها بصفحة جديدة من التضامن والعمل العربي المشترك - وليس ثمة آمال كبيرة بنجاح تلك المساعي حتى الآن - فهذا يعني أن العالم العربي سيدخل مرحلة مظلمة من الصراعات العربية - العربية، وبالتالي فإن العمل العربي المشترك سيُصاب بغيبوبة صاعقة، قد يمر ردحاً من الزمن قبل أن يخرج منها ويتعافى مجدداً على نحو ما حصل في أعقاب قمة القاهرة الشهيرة إثر الغزو الصدامي للكويت، والتي كرّست الانقسام العربي من الغزو، ذلك الانقسام الذي جرّ الويلات على الوطن العربي، وما زالت فواتيره باهظة الأثمان تُسدد حتى الآن من عروبة العراق ووحدة أراضيه، إلى تعثر عملية السلام في المنطقة، إلى الانشقاق الفلسطيني القاتل بين السلطة وحماس، إلى تصدع الجبهة الداخلية في لبنان، فضلاً عن بروز تيارات التطرف والعنف في أكثر من دولة عربية·

ولن يكون لبنان بعيداً عن تداعيات الصراعات العربية - العربية ولا عن المواجهة المحتدمة للحفاظ على هوية القرار العربي إزاء الهيمنة الإيرانية المتزايدة على ملفات المنطقة الحساسة·

فهل يستطيع اللبنانيون أن يجنّبوا بلدهم انعكاسات المرحلة العربية الظلماء، أم سيفتحوا أبواب الوطن أمام الصراعات الخارجية لتحوّل أرضهم إلى ساحة لتصفية الحسابات، على نحو ما كان يحصل حتى الأمس القريب؟·

الواقع إن ما حصل في تظاهرة المعارضة في عوكر من هتافات ضد رئيس الجمهورية وما سبق ذلك من تطاول إعلامي على مقام الرئاسة الأولى وعلى الرئيس شخصياً من منابر محسوبة على المعارضة، فضلاً عن تسريب بعض ما دار من نقاش بين الرئيس سليمان وموفدي حزب الله وحركة <أمل> إلى قصر بعبدا، كل ذلك لا يُبشّر بالخير، ولا يدعو للاطمئنان إلى أن اللبنانيين استفادوا من مآسي التجارب السابقة، وهم عازمون على تجنيب بلدهم زلازل الصراعات العربية والإقليمية، والحفاظ على هذا الحد الأدنى من التهدئة والاستقرار الهش، بانتظار نتائج الانتخابات النيابية المقبلة·

إن العودة إلى ممارسات من نوع فرض موقف حزب أو فئة أو طائفة أو مجموعة سياسية معينة، ومن موقع الأقلية، على بقية الأحزاب والفئات والقوى السياسية الأخرى، التي تشكّل بالنتيجة غالبية الشعب اللبناني، إن العودة إلى هذه الممارسات تعني محاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وهو الأمر الذي لن تتساهل به الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، التي ترى بمثل هذه الممارسات نذير شؤم لعودة الصراعات العبثية المسلحة، لأن ثمة من يحاول الاستقواء بسلاحه لفرض مواقفه وخياراته الداخلية وتحالفاته الإقليمية على اللبنانيين·

ومثل هذه الممارسات لا تُهدد وفاق الطائف، ولا تنسف تهدئة الدوحة وحسب، بل تُعيد أوضاع البلاد والعباد إلى أجواء السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، عندما خيّل لكثير من اللبنانيين بأن المدفع قادر على حسم الخلافات بين اللبنانيين، فكان أن خاض الجميع التجرية المريرة، وتحمّلوا مآسيها، قبل أن يصلوا إلى شاطئ الحوار وصياغة الميثاق الوطني الجديد·

ويبقى الوهم الأكبر أن يعتقد أصحاب مثل هذه الأساليب أن ممارساتهم الشارعية وتهجماتهم الإعلامية أدّت الضغوط المطلوبة منها ونجحت في تغيير قرار رئيس الجمهورية، ودفعته للذهاب إلى الدوحة تحت ضغط الشارع··· كذا!!·

وغاب عن أصحاب العلاقة أن الرئيس سليمان ذهب إلى الدوحة متمسكاً بمواقفه وبقناعاته، وحرص على التعامل مع لقاء الدوحة كاجتماع تشاوري، وشدّد على ضرورة اتخاذ كل ما من شأنه أن يوحّد الصف العربي، رغم حدّة المزايدات التي سادت أجواء الاجتماع، ثم وقبل كل ذلك سجّل اعتراضه على <توصية> التراجع عن مبادرة بيروت للسلام، رغم إجماع الآخرين على اعتبارها <ماتت> زوراً وبهتاناً!!·

ولو كان الرئيس سليمان خضع لأساليب الضغط والابتزاز لما تمسّك بمثل هذه المواقف التي أعادت المصداقية للدور اللبناني الساعي أبداً للوفاق بين العرب، كما استعادت الشفافية المنشودة للموقف الواضح والحاسم بعيداً عن أي التباس أو تأويل·

هدأت المحرقة الإسرائيلية في غزة الصامدة، ولكن نيران تداعياتها تهدد أمن واستقرار دول المنطقة، لا سيما هذا الوطن المعذّب لبنان، وجارته الثكلى فلسطين·

فهل يكون اللبنانيون على مستوى التصدي للأخطار المقبلة··· أم أن لبنان سيتحول من جديد إلى ساحة مواجهة، ومنصّة صواريخ لإشعال الخلافات العربية - العربية؟·

صلاح سلام

جريدة اللواء اللبنانية

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !