استقال علي الهمة من حزب الأصالة و المعاصرة، هل هي بداية نهاية أم مناورة لتخطي الأزمة الحالية التي تعيشها شخصيات معينة جراء تسميتها مباشرة في المظاهرات التي قادتها 20 فبراير كعناوين للفساد و الاستبداد و التحكم في دواليب الدولة؟ هل هو قرار شخصي؟ أم إملاء سقط من عل لطمأنة الشارع المغربي؟
الهاتفون فرحا بنهاية الحزب الظاهرة، لا داعي للفرح العظيم، فمن أسس لهذا الحزب صرحه العالي و أعطاه كل هذا الزخم مازال قادرا على التحكم، لتغلغل مريديه في أجهزة الدولة خاصة وزارة الداخلية، كتيبة البرلمانيين و الأعيان و رجال الأعمال التي اجتمعت حول ذي الهمة لا يعنيها اللون الحزبي بقدر ما يعنيها البقاء تحت قبة البرلمان، و بالتالي فهؤلاء الرحالة سيؤثثون من جديد دكاكين مشهدنا الحزبي. لماذا التهلل إذن؟
هل لأن ذلك يدخل في خانة رفع الدولة يدها عن العمل السياسي الحزبي؟ هل هي رسالة طمأنة لباقي الفرقاء أن الدولة ستظل على حياد في المرحلة المقبلة؟ من الصعب الجزم بذلك، الدولة و الشارع لا يثقان في الأحزاب بهياكلها و شخصياتها الحالية كمكونات قادرة على إدارة دفة الحكم، الشعب جرب حكومات ناقصة الإرادة و التمثيل الحزبي (باعتبار أن وزارات السيادة ظل تعيينها من حق الملك و بعيدا عن أي لون حزبي)، متعاقبة، يمينية ( الأحزاب الإدارية صنيعة وزارة الداخلية في الثمانينات)، أو معارضة ( حكومة التناوب بقيادة اليوسفي ثم حكومة عباس الفاسي)، فشلت كلها في التعامل مع المشاكل و الأزمات الاقتصادية و السياسية التي شهدها و لازال يشهدها المغرب، مما نفر الناخب المغربي من العملية السياسية برمتها ( الانتخابات الأخيرة شهدت أقل نسبة مشاركة)، من جهة أخرى ومن خلال الحكومات السابقة، يبدو أن النظام لم يكن يتعامل مع هذه الأحزاب كشريك فعلي و مسئول قادر على إدارة أمور البلاد، بدليل بقاء الوزارات السيادية ( الخارجية الداخلية الأوقاف الدفاع و العدل) خارج التمثيل الحزبي باستثناء وزارة العدل التي أسندت لإتحاد الاشتراكي مرتين. كما أن الدولة تتوجس من أحزاب بعينها، لضبابية أفقها السياسي، حزب العدالة و التنمية ذو المرجعية الإسلامية مثلا.
حسب رسالة الاستقالة، فخروج علي الهمة صاحب الملك كما قيل عنه، من حزبه الأصالة و المعاصرة، كان لسبب ميل هذا الأخير عن الأسس و الأهداف التي سطرت له ، ووجود صراعات داخلية، بعض أعضاء الحزب تحدث عن وجود صراع بين تيارين: اليساريون و الأعيان، و هذا من عجيب هذا الحزب الظاهرة أن يجمع بين شتيتين: ماركسيون قدامي و أعيان، و لعل هذه التأليفة كانت عائقا في أن يقنع أصحاب " حركة لكل الديمقراطيين"( نواة الحزب الأولى المتحمسين لبلورة مشهد سياسي حزبي فاعل و قريب من نبض الشارع يعيد الثقة للناخب المغربي) المواطن المغربي خاصة الشباب في العمل الحزبي، فقد اتجه الحزب نحو تكريس طابع الهيمنة لعله يصبح حزب الدولة الوحيد، على غرار الدستوري بتونس أو الوطني بمصر أو البعث السوري أو المؤتمر السوداني ....، هذا ما كان يظن فيه خاصة مع قرب استحقاقات 2012، غير أن رياح البوعزيزية ردت أحلام الحزب المهيمن إلى أوكارها.
الآن، و بنبرة نقدية تحدث أحد أعضاء الحزب عن حيدة المكون عن بوصلته و ابتعاده عن الشباب أساسا ( رسالة صلاح الوديع النقدية). على هذا الأساس، صلاح الوديع يشاطر عالي الهمة نظرته اتجاه الحزب الحاضن، ولعله كان على علم بخطوة صديق الملك، فهل رسالته النقدية تمهيد للأستقالة؟ و بناء جديد لمرحلة أخرى، قد تغير من واجهة الحزب، و ترمي ببعض من وجوهه خارجا، هذا ما يريده ما يسمى بيساريي الحزب حاليا سيرا على نفس وتيرة عالي الهمة، بتطلع نحو رئاسة الحزب و إزاحة تيار بعينه.
رضوخ أم مناورة، هي في كل الحالات نهاية لمرحلة و بداية لأخرى، إن لم تكن للوافد الجديد، فإنها بداية أخرى لصياغة تحالفات حزبية كانت تسير نحو اتجاه معين قبلته بالتأكيد الأصالة و المعاصرة، والصياغة هنا لا تعني الهدم و البناء الجديد، بقدر ما تعني إعادة تمركز لشخصيات و مكونات بعينها، مما يعني أن نجاح الشباب في ابعاد عالي الهمة و لو ظاهريا غير كافي. لأن العملية السياسية برمتها تحتاج إصلاح جذري يرمي بجيل كامل من النواب و الأعيان و المسئولين و النقابيين ألفهم الفساد و ألفوه. و ضخ دماء جديدة، وبناء منظومة حزبية مبنية على أسس ديمقراطية ذاتية أولا، تمارس الديموقراطية والشفافية و التعددية داخليا ، فعالة في الحكامة الرشيدة و فعالة في تمثيلها للشعب، فعالة داخل البرلمان معارضة و موالاة، فعالة في التسيير المحلي، تحمل برامج و رؤى سياسية و اقتصادية واضحة.
التعليقات (0)