رابط للاطلاع على مؤلفات إدريس ولد القابلة
okdriss.elaphblog.com/posts.aspx
خلد الشعب المغربي الذكرى 42 لاسترجاع مدينة سيدي إفني، التي تشكل معلمة شامخة في مسلسل الكفاح الوطني من أجل استكمال وتحقيق وحدة المغرب الترابية.
لقد جرى استرجاع هذا الجزء من التراب الوطني في 30 يونيو 1969، بعد الكفاح المرير الذي خاضته قبائل المنطقة بقيادة موحد البلاد جلالة المغفور له الحسن الثاني، الذي كان يتابع تطور الأوضاع بروح المقاوم والقائد، ويعطي للمقاومين تعليماته التي كانت تزيدهم شحنة إضافية، في رفض التدخل الأجنبي في هذا الجزء من التراب الوطني، مما مثّل أحد الأشكال الراقية للتلاحم والنضال المشترك بين العرش العلوي وأبناء المنطقة.
سيدي إفني المكافحة
منذ منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، أبانت قبائل آيت باعمران عن روح وطنية عالية ومقاومة قوية ورفض مطلق للاستعمار الغاشم وللأطماع الأجنبية، التي تكالبت على المغرب من كل حدب وصوب. وقدم أبناء سيدي إفني المكافحون الغالي والنفيس لمواجهة مخططات المحتل، مجسدا بذلك تلاحم العرش العلوي والشعب في أروع وأبهى صور الجهاد والصمود والإخلاص والتضحية في سبيل صيانة وحدة الوطن والدفاع عن حوزته.
آنذاك كانت سلطات الاحتلال الإسباني قد أضفت على المدينة المجاهدة، إلى جانب الوظيفة العسكرية، وظيفة إدارية وسياسية حينما أعلنتها منطقة إسبانية وجعلتها مقرا للحاكم العام، إلا أن انتفاضة الباعمرانيين الباسلة سنة 1957 حولتها إلى ما يشبه الثكنة العسكرية الكبرى.
تواصلت الانتفاضة الباعمرانية في سبيل الوحدة إلى حين استرجاع طرفاية سنة 1958، ولم تتوقف مقاومة جيش التحرير في سبيل الحرية والوحدة، وحققت انتصارات باهرة جسدت أسمى صور الشهامة والعزة ونكران الذات واسترخاص الروح في سبيل الوطن؛ جعلت المستعمر الإسباني يلجأ إلى نظيره الفرنسي قصد التحالف لتطويق المقاومين ومحاربي جيش التحرير، رغبة في كسر شوكتهم بعد إلحاق أضرار بالغة بالمحتل، أينما وُجد.
ورغم القمع والتنكيل والدعاية المغرضة وقوة السلاح والنار، ظل المغرب متمسكا بمطالبه في تحرير أراضيه، وظل أبناء الأقاليم الجنوبية البررة يقاومون الاحتلال الإسباني، واستطاع المغرب من جديد أن يحقق خطوة جبارة على درب استكمال التحرير باسترجاع مدينة سيدي إفني من قبضة الإسبان في 30 يونيو 1969.
استرجاع سيدي إفني
لقد قدم أبناء سيدي إفني المجاهدة، المعروفون بشهامتهم وشجاعتهم وأنفتهم وتمسكهم بمقومات الوطن ومقدساته،القدوة الرائعة على الروح النضالية في مواجهتهم للاستعمار، ومقاومتهم لكل مخططاته الرامية إلى طمس هويتهم .
ظل الباعمرانيون بالمرصاد، لكل محاولات التوغل والتوسع، وواجهوا مخططات المحتل، وخاضوا عدة معارك جسدت أروع صور الجهاد، وأصدق آيات البطولة والفداء، لا لشيء، إلا لصيانة وحدة الوطن ودفاعا عن حوزته. و بقي أبناء منطقة سيدي إفني في قلب كل الأحداث و المعركة التي خاضها الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد حاضرين في كل المحطات النضالية بصمودهم وشجاعتهم وكفاحهم، سواء في منطقتهم أو بجوار إخوانهم في المقاومة والكفاح في مختلف أرجاء بكل المملكة.
كانت سيدي إفني، بحكم موقعها الاستراتيجي، محط أطماع استعمارية؛ نظرا لكونها بوابة بحرية مؤهلة للإنزال العسكري والعمليات الحربية، ولطبيعة أرضها الصالحة لهبوط الطائرات وتضاريسها التي تجعل منها حصنا يطل على امتدادات شاسعة من عمق تراب آيت باعمران والأقاليم الجنوبية عموما، ولذلك حطت بها جيوش الاحتلال كل ثقلها منذ سنة 1934، وعززت وجودها بكثافة في هذه المنطقة، متوخية منها أداء وظيفة عسكرية جسدتها العديد من الثكنات. كما عملت قوات المستعمر على إضفاء وظيفة سياسية وإدارية على هذه المدينة عندما أعلنتها "منطقة إسبانية"، وجعلتها مقرا للحاكم العام، بيد أن انتفاضة قبائل آيت باعمران منذ سنة1957 جعلتها تغدو مجرد قوات تحت الحصار فيما يشبه ثكنة عسكرية كبرى.
ولم يكن تحرير مدينة سيدي إفني إلا منطلقا لتقوية جهود المغرب في استعادة باقي أجزائه المحتلة، إذ ظل العرش العلوي والشعب متحالفين في ملحمة الجهاد الأكبر عبر تفعيل إرادة واحدة موحدة تجعل قضية الوحدة الترابية أولى الأولويات. وقد جاهد جلالة المغفور له الحسن الثاني بكل قوة من أجل هذا الهدف السامي. وتمكن جلالته بما أوتي من حكمة وبعد نظر ودهاء سياسي من إبداع المسيرة الخضراء المظفرة، التي شارك فيها آلاف المتطوعين وساندها أشقاء من العالم العربي والإسلامي ومن مختلف الدول، وساروا في طلائعها يوم 6 نونبر1975 فكان جلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية يوم 28 فبراير 1976.
ملاحم أبناء سيدي إفني
إن قبائل أيت باعمران وحاضرتها سيدي إفني، ظلت متشبثة بمغربيتها تشبثا فشلت معه جميع المحاولات، التي بذلتها القوة الاستعمارية الإسبانية لطمس الهوية المغربية وفرض الهيمنة، إذ أغرت أبناء المناطق بشتى أنواع الإغراء، منها على الخصوص فرض الجنسية الإسبانية سنة 1946 .
لكن قبائل أيت باعمران شنت حربا ضروسا ضد الوجود الإسباني المفروض بقوة السلاح والنار، ثائرين عبر السهول والجبال، مقدمين أرواحهم في سبيل الوطن.
ولم يقتصر جهاد قبائل آيت باعمران على الكفاح المحلي، بل ساهمت إلى جانب كل الأقاليم المغربية برجالها ودعمها اللوجيستيكي في محاربة المستعمر، فرنسيا كان أو إسبانيا، إذ ثارت على سبيل المثال عندما أقدم الاستعمار الفرنسي على نفي جلالة المغفور له محرر المغرب محمد الخامس، فاندلعت العمليات الفدائية وشكلت بالمنطقة خلية للمقاومة للمشاركة في عمليات الفداء بالدار البيضاء وغيرها من المدن بشمال المملكة، إضافة إلى قيامها ليلة 24 نونبر 1957 بتطويق المراكز الإسبانية في آيت باعمران، إلى أن اضطر المستعمر للجلاء عنها بعد حوالي نصف شهر، ويستردها جيش التحرير الذي حاصر مدينة سيدي إفني من جميع الجهات، وخاض معارك ضارية كان أهمها معركة العركوب ومعركة سيدي محمد بن داود وغيرهما . هذا، إلى جانب الانتفاضة التي سجلها الباعمرانيون وأوقفوا بها المد الاستعماري على هذه الربوع، كان جلالة المغفور له الحسن الثاني يطرق أبوابا أخَر، إذ حرك الآلة الدبلوماسية بكل قوة وفتح باب الحوار مع الجارة إسبانيا. وطرح المغفور له القضية على منابر المحافل الدولية بحنكة بالغة. لقد قدم أبناء سيدي إفني ، كسائر أبناء المغرب، الأمثلة الرائعة على روحها النضالية العريقة. وبذلك استطاع أبناء قبائل آيت باعمران تحقيق النصر وصناعة المعجزات رغم محدودية إمكانياتهم، ولقنوا المستعمر دروسا في التضحية والصبر ونكران الذات والمقاومة.
ظل المغرب متمسكا بوحدته
ظل المغرب متمسكا بمطالبه في تحرير أراضيه، وظل أبناء الأقاليم الجنوبية يقاومون الاحتلال الإسباني. واستطاع المغرب من جديد أن يحقق خطوة جبارة على درب استكمال التحرير. ولم يكن تحرير مدينة سيدي إفني، إلا منطلقا لتقوية جهود المغرب في استعادة باقي أجزائه المحتلة، إذ ظل العرش والشعب يعتبران الوحدة الترابية أولى الأولويات. وقد جاهد جلالة المغفور له الحسن الثاني، بكل قوة، من أجل هذا الهدف السامي، واستطاع جلالته، رحمة الله عليه، بحنكته وعبقريته أن يجعل من مطلب المغرب في استرجاع أراضيه المحتلة قضية تحظى بالأولوية والصدارة في المحافل الدولية، محبطا كل المناورات ومكافحا لإحقاق الحق وإزهاق الباطل. وتحققت إرادة العرش والشعب ورفرف العلم المغربي خفاقا بسماء الأقاليم الجنوبية، وتحطمت الحدود الوهمية التي حاولت أن تفصل بين أبناء الوطن الواحد، وطمس مغربية الصحراويين الذين قاوموا وجاهدوا عقودا وعقودا دفاعا عن مغربيتهم وتأكيدا لهويتهم وتجسيدا لولائهم وبيعتهم وبيعة أجدادهم لملوك المغرب البواسل الشوس. وها هو المغرب اليوم بقيادة جلالة الملك محمد السادس يسير بثقة وثبات على درب البناء والتشييد وصيانة وحدته الترابية، في تعبئة تامة للمغاربة، لتثبيت الوحدة الراسخة، في ظل الإجماع الوطني من طنجة إلى الكويرة، للذود عن حوزة الوطن ومقدساته.
مراحل استكمال وحدة المغرب الترابية
مباشرة بعد اعتراف فرنسا باستقلال المغرب سنة 1956، وقع على اتفاقية مماثلة مع إسبانيا بشأن المنطقة الشمالية تنص على إلغاء الحماية الإسبانية بها. وفي سنة 1957 ألغي الوضع الدولي الذي كانت عليه مدينة طنجة ، كما تم استرجاع إقليم طرفاية في أبريل 1958 من يد الإسبان، وبعد مفاوضات صعبة بين المغرب وإسبانيا تم استرجاع منطقة سيدي إفني سنة 1969.
ومنذ الاستقلال بذل المغرب مساعيه من أجل استرجاع الأقاليم الصحراوية. وبتمادي الحكومة الإسبانية في موقفها الرافض لأي تسوية؛ أعن المغفور له الحسن الثاني عن تنظيم المسيرة الخضراء التي انتهت باسترجاع إقليم الساقية الحمراء سنة 1975 ووادي الذهب سنة 1979 .
لجأ المغرب في استكمال وحدته الترابية إلى اعتماد التفاوض السلمي بالخصوص؛ وتجلى ذلك في :
- إقامة محادثات ثنائية مع دول الحماية، من أهمها المحدثات التي أسفرت عن استقلال منطقة طرفاية؛
- تنظيم المسيرة الخضراء سنة 1975، التي شارك 350000 شخص من مختلف المناطق المغربية ومن دول صديقة؛
- تجديد البيعة مع سكان الأقاليم الصحراوية، من بينها تجديد بيعة سكان وادي الذهب سنة 1979؛
- اعتماد الحوار في استرجاع باقي الأقاليم خاصة سبتة ومليلية.
وتمكن المغرب من تحقيق الاستقلال، بعد سلسلة من التضحيات والمواجهات مع سلطات الاحتلال، سواء باستعمال الكفاح المسلح أو النضال السلمي، ثم اتجه بعد ذلك نحو استكمال وحدته الترابية والسير في طريق التنمية.
وحينما دقت ساعة رحيل الاستعمار، بفعل المقاومة وتلاحم العرش، و استرد المغرب استقلاله وسيادته، وانتهى استعمار القوتين الفرنسية والإسبانية بطريقتين مختلفتين:
فبالنسبة لفرنسا، استرد المغرب أراضيه، التي كانت تحت حمايتها في 1956 مرة واحدة. أما بالنسبة لإسبانيا، فقد كانت الطريقة مختلفة؛ نظرا لأن الأراضي التي كانت تحت حمايتها كانت متفرقة بين الشمال والمركز والجنوب. وقد تم استرجاعها على مراحل متتالية : الشمال في 1956، طنجة في أبريل 1956، طانطان وطرفاية في 1958، سيدي إفني في 1969، والصحراء في 1975.
طوبومينيا سيدي افني
شكلت منطقة سيدي إفني، التي استمدت اسمها من ضريح سيدي علي إفني الموجود بالمدينة، بحكم موقعها الاستراتيجي، نقطة إغراء لمطامع الاستعمار؛ نظرا لكونها بوابة بحرية مؤهلة للإنزال العسكري والعمليات الحربية لنوعية أرضها الصالحة لهبوط الطائرات، ولتضاريسها التي تجعل منها حصنا يطل على امتدادات شاسعة من عمق تراب آيت باعمران والأقاليم الجنوبية عموما، مما جعل جيوش الاحتلال تحط بثقلها بالمنطقة مند 1934.
مراحل استكمال وحدة المغرب الترابية
- 1956 : استرجاع المنطقة الخليفية + المنطقة الدولية؛
- 1958 : استرجاع إقليم طرفاية؛
- 1969: استرجاع سيدي إفني؛
- 1975: تنظيم المسيرة الخضراء، واسترجاع إقليم الساقية الحمراء؛
- 1979: استرجاع إقليم وادي الذهب.
إدريس ولد القابلة
الصحراء الأسبوعية
مؤلفات إدريس ولد القابلة
okdriss.elaphblog.com/posts.aspx
التعليقات (0)