مواضيع اليوم

استراتيجية بوش الجديدة في العراق: إلى أين؟

إدريس الهبري

2009-02-24 10:04:36

0

من أهم التوصيات التي انتهى إليها تقرير "بيكر-هاميلتون"، وضع جدول زمني للانسحاب، و فتح قنوات حوار مع كل من إيران و سوريا، إلا أن السيد بوش بعدما انتهى من الاطلاع على التقرير رمى به في سلة المهملات، وراح يبحث لنفسه عن بديل آخر للخروج من الأزمة، بعدما رمى الديمقراطيون بثقلهم في الكونغرس و تصاعدت الاحتجاجات بشأن ما يحدث في العراق...
فكانت الاستراتيجية الجديدة للعراق، خطة بديلة عن الأولى دشنها بإحداث تغييرات على مستوى القادة العسكريين كما على المستوى الديبلوماسي بالعراق، تلتها خطوة ثانية بعد إعلانه إرسال أكثر من عشرين ألف جندي إضافي إلى منطقة الخليج. لكن البيت الأبيض لم يرد الإفصاح عن تفاصيل هذه الاستراتيجية الجديدة، مما يضطرنا لطرح سؤال عريض هو: استراتيجية بوش الجديد في العراق: إلى أين؟
إن المتتبع للأحداث المتسارعة التي أعقبت الإعلان عن الخطة، و الحركة الديبلومساية التي نشطت في غضون هذا الأسبوع بالمنطقة و النشاط العسكري بمنطقة الخليج، يلحظ بالعين المجردة أن ثمة ما يحضر له الأمريكيون هناك، و أن بوش الصغير مقبل على مغامرة جديدة لن يكون العراق وحده مسرحها، و تلك ربما ملامح أولية للإستراتيجية الجديدة، ففي الوقت الذي كانت كوندوليزا رايس تزور دول الخليج و على رأسها المملكة العربية السعودية، كانت نيران البيت الأبيض توجه بكثافة للمالكي و حكومته، و هي المرة الأولى التي يحصل فيها ذلك، لقد ذهب بوش بعيدا حين قال أن الطريقة التي نفذ بها حكم الإعدام بصدام حسين جعلته يبدو «عملا انتقاميا» طائفيا. وكشف أن حكومة المالكي تفتقر إلى النضج. كما قال لشبكة بي.بي.إس التلفزيونية العامة، أن شنق صدام «عزز الشكوك» حول المالكي. وبات من الصعوبة إقناع الأميركيين بمواصلة دعمه. وأضاف «عبرت عن شعوري بخيبة الأمل للمالكي عندما تحدثت إليه في اليوم التالي»، فيما وصفت كوندوليزا رايس حكومة المالكي في سياق تقييمها للوضع في العراق أمام الكونغرس بالضعيفة. و في المقابل رد المالكي على هذه النيران خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة "كورييرى ديلا سيرا الايطالية الخميس أن الرئيس الأمريكي جورج بوش لم يكن يوما بالضعف الذي هو عليه اليوم بعد فوز الديمقراطيين على الجمهوريين في الانتخابات التشريعية، مشيرا إلى أن قادة الإدارة الأميركية في واشنطن شارفوا على النهاية لا الحكومة العراقية.
إن التصريحات التي أدلى بها كل من بوش و كوندوليزا رايس تؤشر على شيء واحد هو وصول البيت الأبيض إلى قناعة مفادها أن المالكي خصوصا و الشيعة عموما حرقوا كل أوراقهم باغتيال صدام حسين، ليس لأن واشنطن لم تكن تتمنى أن يعدم الرجل بالطريقة التي أعدم بها و في ذلك التوقيت بالضبط، و إنما لأن بوش أولا يحاول أن يجرب أوراقا أخرى يراها قادرة على تحقيق الأمن و الاستقرار لجنوده لا للشعب العراقي، و ثانيا لأنه يرى ضرورة التحرك باتجاه تحجيم الطموح النووي الإيراني في هذا الوقت بالذات، عبر البدء بتقليم أظافرها في العراق و لو على حساب امتدادها الشيعي العراقي...
إن تعهد وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أمام مسؤولين عرب كبار التقتهم في جولتها الأخيرة بأن تكون الدولة الفلسطينية «جاهزة» في مطلع عام 2008، و تأكيدها عزم الرئيس بوش على تنفيذ «رؤيته» ومهما كان الثمن، و حديثها عن ما أسمته بـ « النوايا حقيقية » لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت تجاه السلام مع الفلسطينيين؛ يحيلنا على حقيقة تاريخية مهمة ينبغي الإنتباه إليها، و هي أن الإدارة الأمريكية متى كانت في طريقها للدخول في عمل عسكري ضد بلد عربي – إسلامي، تعرج على القضية الفلسطينية، و تحاول ضخ دم جديد ولو ملوث في جسد عملية السلام بالشرق الأوسط، و التاريخ الحديث شاهد على ذلك.
معنى هذا أن واشنطن تحضر اليوم لضربة عسكرية لن تكون غير إيران هدفا لها، خاصة وأن كل التحركات و التصريحات الأخيرة تحيل على ذلك، إلا أن ما ينبغي التنبيه إليه هو أن ما يؤجج رغبة الولايات المتحدة المتحدة في الانقضاض على إيران ليس تدخلها السافر في الشأن العراقي، عبر تسليح وتدريب الميليشيات و فرق الموت، و إنما طموحها الكبير في امتلاك السلاح النووي؛ و ما يؤشر على اقتراب لحظة القيام بعملية عسكرية ضد إيران هي جولة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس و وزير الدفاع روبرت غيتس بين عواصم الدول العربية "المعتدلة"، و التصريحات التي أطلقاها بشأن إيران، هذا فضلا عن التعزيزات العسكرية الموازية للعملية الديبلوماسية بالمنطقة.
بعد التعيينات العسكرية جاء خطاب الرئيس بوش حول الإستراتيجية العراقية الجديدة، حيث بدت إيران العدو الرئيسي حين قال إن بلاده ستعمل مع دول أخرى «لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي والسيطرة على الخليج» فيما ذهب مسؤول أمريكي إلى القول: إن "أصدقاءنا العرب يميلون إلى النظر إلى العراق في سياق التحدي الجديد مع إيران، وهذه هي الرؤية السعودية، وقد استطاع وزير الدفاع أن يطمئنهم بأننا نريد العراق سدا في وجه التوسع الإيراني" من هذا الباب الواسع يريد الأمريكيون الدخول من جديد في مغامرة جديدة، يسعون إلى حشد الدعم العربي الواسع لها، فكيف يكون العراق سدا منيعا في وجه التوسع الإيراني؟ و هل تسعى الدولة الفارسية إلى التوسع حقا؟ أم أن طموحها في لعب دور بالعراق و تمسكها بحقها في امتلاك الطاقة الذرية هو من سرع بتنفيذ فكرة توجيه ضربة عسكرية لها؟
إن اعتزام أمريكا توجيه ضربة عسكرية لإيران، بدا واضحا جدا، خصوصا بعد التحركات والتعزيزات العسكرية بالمنطقة، التي قال عنها وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس أنها بمثابة إشارة موجهة خصوصا إلى إيران بأن الولايات المتحدة تعتزم البقاء لفترة طويلة في هذه المنطقة الإستراتيجية؛ فيما توجهت حاملة الطائرات يو اس اس جون سي ستينيس إلى المنطقة مع كتيبة للدفاع الجوي مجهزة بصواريخ باتريوت. في وقت كشفت مصادر دبلوماسية عربية أن كونداليزا رايس طلبت من وزراء الخارجية الخليجيين إضافة إلى وزير خارجية مصر والأردن تحديد المواقع التي سيتم فيها نشر 300 بطارية لصواريخ الباتريوت المقرر نشرها في الشرق الأوسط بهدف التصدي لأي ضربة إيرانية نووية محتملة أوالتلويح بها لتكريس النفوذ. و في خطوة لافتة من طهران وجه مرشد الجمهورية علي خامنئي والرئيس نجاد رسالة إلى العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز، و من نقل الرسالة هو الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، المكلف بالجانب السياسي والديبلوماسي من الملف النووي، ولا أجد داعيا للتسلل إلى داخل الردهات المقفلة لمعرفة فحوى الرسالة التي جاءت قبل يوم واحد من وصول وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى الرياض، وبعد سلسلة من التصريحات الحادة والمتعاقبة من الرئيس بوش، ونائبه ديك تشيني، والوزيرة رايس ومستشار الأمن القومي ستيفن هادلي ضد إيران التي تعمل سياستها على «زعزعة الاستقرار» في المنطقة، مع التهديد بعمليات عسكرية «أخرى» ضد مصالحها، وهو ما يوحي أن قاذفات القنابل الأميركية ربما انتقلت إلى الجانب الإيراني لـ«تعقب المتسللين» هناك. وكانت المعلومات قد تحدثت عن رغبة إيرانية في قيام السعوديين بوساطة بين طهران والاتحاد الأوروبي بشأن الملف النووي، فيما بدا أن الرسالة التي حملها لاريجاني تتجاوز ذلك بكثير، وبعد القراءة الدقيقة والمتأنية للإستراتيجية الجديدة التي أطلقها الرئيس بوش والتي لا تترك مجالاً للشك في أن الرجل لا يريد أن يترك البيت الأبيض بعد عامين وهو محطم سياسياً، بل إنه قد يعمل على توسيع الحرب، ولا بأس أن يخسر «براً» في العراق إذا استطاع أن ينتصر «جواً» في إيران، بتدمير منشآتها النووية والعسكرية وربما النفطية أيضاً.
فالإستراتيجية الأمريكية الجديدة، وفقا لهذه القراءة، تنطلق من العراق لتنتهي إلى إيران، لكن السؤال المطروح هو: ما الثمن الذي ستجنيه الدول العربية "المعتدلة" من الدعم السياسي وربما العسكري عبر منح أراضيها و مياهها للطائرات و البوارج الأمريكية؟؟؟...هل الثمن هو تحجيم الدور الشيعي في العراق وإعادة إدماج السنة في العملية السياسية و ضمان مراكز متقدمة لهم في هرم السلطة الجديدة بالعراق؟؟؟...أم أن الثمن هو الحلم بدولة فلسطينية ينتهي بانتهاء الحرب لتراوح القضية مكانها من جديد؟؟؟...أم أن الثمن هو درء كابوس المشنقة من حول أعناقهم؟؟؟...




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !