مواضيع اليوم

استراتيجية أكثر عدوانية.. و"إبداعًا" لإنقاذ أفغانستان من حافة الهاوية

ممدوح الشيخ

2009-05-16 20:09:39

0

دليل عملياتي لمواجهة التمرد الأفغاني:

استراتيجية أكثر عدوانية.. و"إبداعًا" لإنقاذ أفغانستان من حافة الهاوية

إعداد: ممدوح الشيخ

في دراسة عنوانها "دليل عملياتي لمواجهة التمرد: نسخة أفغانستان يلخص ناثان فيك وجون ناجل الباحثان بمركز الأمن الأمريكي الجديد أهم عيوب الأداء العسكري الأميركي في حرب أفغانستان على مدار السنوات الخمس الماضية.، ويمكن إجمالها في: الاندفاع الاستراتيجي، التكتيكات المتضاربة، وانخفاض عدد القوات. ويستنتجان من ذلك أن الوقت حان لاستبدالها باستراتيجية أكثر عدوانية وإبداعًا يمكنها إنقاذ أفغانستان من حافة الهاوية.

والباحثان يرشحان تبني نسخة خاصة بأفغانستان من الدليل العملياتي للجيش الأمريكي، الذي وضعه الجنرال دافيد بيترايوس لمواجهة التمرد، وتبنى هذا الدليل استراتيجية تقوم على أسس بسيطة لكنها راديكالية: الاهتمام بحماية المدنيين أكثر من الاهتمام بقتل العدو، وافتراض وجود قدر كبير من المخاطرة، واستخدام الحد الأدنى وليس الأقصى من القوة.

ويشير الباحثان إلى أن هذه الاستراتيجية شكلت الانفراجة وبداية النجاح الذي تشهده الساحة العراقية على مدار 18 شهرا مضت. وهناك ما يشبه الاتفاق على أمرين لتطبيق هذه الاستراتيجية في أفغانستان هما: زيادة القوات، والرغبة في الحديث والتفاوض – مع بعض – إن لم يكن كل الجماعات المعارضة لوجود قوات التحالف في أفغانستان.

وتشير الدراسة إلى عدد من العوائق التي شكلت عقبات أمام السياسة الأمريكية في أفغانستان. منها اثنين أساسيين، أولهما الاعتقاد الأمريكي بأن المنطقة الحدودية التي تعد المقر الرئيس للقاعدة وطالبان لا يمكن السيطرة عليها لأنها منطقة جبلية وعرة. والرد على هذا أن غياب حكومة مركزية على النمط الغربي لا يعني غياب الحكومة تماما، فقبائل البشتون على طول هذه الحدود لديها تاريخ عريق من التنظيم الديني والهياكل القبلية والاجتماعية وسبل الحكم وحل النزاعات. ويمكن القول: إن عدم الاستقرار الذي تشهده هذه المنطقة نتيجة مباشرة للمحاولات العالمية المتكررة لتفكيك هذه الهياكل، ومن ثم ترك هذه المناطق للجماعات المتطرفة لتملأ الفراغ بها، أي أنه بالإمكان إعادة الاستقرار للمنطقة عبر إعادة تمكين القيادات القبلية والمحلية في هذه المنطقة من ممارسة دورها.

العائق الثاني هو الاعتقاد الأميركي بأن الأفغان ليست لديهم الرغبة في التخلص من قوات التحالف كما كان حالهم مع القوات البريطانية ثم السوفياتية. فغالبية الأفغان يتوقون للتخلص من وجود قوات طالبان في قراهم، إلا أنهم يكرهون فكرة عدم وجود قوات تحل محل قوات طالبان بعد خروجها، كما أنهم عاجزون عن فهم عدم قدرة قوات التحالف على تقديم الخدمات الأساسية لهم. أي أن الأفغان ليسوا كارهين للوجود الغربي إلا أنهم محبطون من العجز الغربي.

سلة البدائل

واستنادًا إلى ذلك تؤكد الدراسة ضرورة اتباع القوات الأمريكية بعض المفاهيم الأساسية الواردة في دليل الجنرال بيترايوس لاستراتيجية مواجهة التمرد، ومن النصائح التي يقدمانها في هذا الصدد: التركيز على التنمية مقابل العمليات العسكرية، فأفغانستان من أفقر بلدان العالم وأقلها تقدمًا، وقد يكون الأمن مهمًّا، إلا أن التنمية العنصر الوحيد الذي يمكنه ضمان السلام الدائم. فالتنمية ستخلق الأمن عبر زيادة ثقة الناس في حكومتهم وتوفير بديل لطالبان موثوق فيه. وتكتسب إعادة بناء الطرق أهمية خاصة في إطار أية خطط تنموية يجب تبنيها في أفغانستان. فكما يقول القادة العسكريون الأمريكيون تبدأ قوات طالبان في الظهور حالما ينتهي الطريق.

النصيحة الثانية، ضرورة تعاون القوات العاملة في أفغانستان مع القوات الأمنية الأفغانية في تحقيق الأمان، فهذه الطريقة الوحيدة لفصل العدو عن المدنيين. ورغم أن الوجود الدائم للقوات الأميركية بين المدنيين قد يؤدي إلى تزايد الضحايا بين الأميركيين، إلا أنها الطريقة الفعالة الوحيدة لحماية السكان كما أنها ستجعل القوات أكثر أمانًا على المدى الطويل. وينطبق ذلك أيضًا على المدنيين الأميركيين العاملين في أفغانستان لا سيما أعضاء البعثة الدبلوماسية الممنوعين تقريبًا من التجول في أرجاء كابول بمفردهم.

وثالثًا بناء قوات أمن أفغانية قوية وحكومة يمكن الوثوق بهما، فهذه أفضل استراتيجية للخروج، وفي حقيقة الأمر لن تبقى أميركا وحلفاؤها في أفغانستان إلى ما لانهاية. والجهود الأميركية الحالية تتسم بالغموض. فحكومة الرئيس كرزاي يعتريها الفساد فضلاً عن صلتها بتهريب المخدرات، لكن توجه كرزاي لاستبدال بعض الوزراء فضلاً عن الانتخابات المزمع عقدها هذا العام تعد مؤشرات على أنه يمكن لهذه الحكومة أن تتحسن بحيث تصبح أحد عوامل فعالية السياسة الأميركية في أفغانستان.

النصيحة الرابعة تقليل الاعتماد على القوة العسكرية، ففي عام 2007 وصل عدد عمليات القصف "العنيف" التي قامت بها قوات التحالف إلى حوالي 3.500 عملية، سقط فيها عدد كبير من المدنيين الذين لم يكونوا مستهدفين أساسًا، وقد أدى سقوط كل فرد من هؤلاء الضحايا لتقليل شرعية الحكومة الأفغانية فضلاً عن إضفاء المصداقية على ما تبثه الآلة الدعائية لأعداء أميركا لا سيما طالبان. ومن المتوقع إذا التزمت القوات الأميركية باستخدام قدر أقل من القوة، أن يقل لجوء المقاومين للعنف.

خامسًا: تؤدي الغارات الأميركية لملاحقة المتمردين في المنطقة الحدودية إلى تعقيد العلاقات الأميركية الباكستانية التي لا يمكن فصلها عن الحرب في أفغانستان، لا سيما أن المنطقة الحدودية بين البلدين التي تعرف بحزام البشتون هي الساحة الرئيسة للقتال. ومن هذا يتضح أن زيادة عدد القوات الأمريكية لإحكام القبضة على الأمور في أفغانستان هو حل على المدى القصير لمشكلة مزمنة، أما الحل على المدى الطويل فيتمثل في دعم الحكومتين الأفغانية والباكستانية لتلبية احتياجات شعبيهما وضمنها الاحتياجات الأمنية. فحل المشكلة الأفغانية ليس في القضاء على آخر مقاتل من الأعداء وإنما في تحسين وضع أميركا بحيث تصبح في وضع يمكنها من التفاوض حول حلول سلمية لا يبدو أن هناك بديل عنها.

حتمية الحل السلمي

ويؤكد الجنرال دافيد بترايوس حول استراتيجية مواجهة التمرد وإمكانية تطبيقها في أفغانستان أن كل حالة مستقلة بذاتها، إلا أن هناك دروسًا مستفادة في هذا السياق أبرزها: محورية قيام القوات الأميركية بتأمين وتقديم الخدمات للسكان، فضلاً عن أهمية العيش بين الناس لتأمينهم. وفي هذا الصدد يؤكد الجنرال بتريوس أن آليات التواصل مع الشعب الأفغاني تختلف كليةً عن آليات التعامل مع الشعب العراقي، لا سيما في ضوء التزايد الشديد في معدلات الأمية بين الأفغان، فضلاً عن انخفاض عدد أجهزة التليفزيون. ومن ثم فالتواصل مع الشعب الأفغاني يجب أن يتم عبر: شيوخ القبائل، أو توزيع أجهزة راديو صغيرة بحجم اليد تلتقط الإذاعات المحلية، أو مجالس الشورى.

ويؤكد بترايوس كذلك أن الجهود الأميركية لابد أن تهدف للحل السلمي للمشكلة عبر مصالحة وطنية، وهو ما يتطلب من أميركا أن تكون في موضع قوة وأن تعطي الأطراف سببًا يقنعها بأن تصبح جزءًا من مثل هذا الحل السلمي. والقوات الأميركية في أفغانستان لابد أن تتبنى مفهوم العمليات شاملة النطاق، بما يعني أن تكون العمليات العسكرية خليطًا من الدفاع والهجوم التقليدي (الكر والفر) من ناحية، وعمليات الدعم وتحقيق الاستقرار من جانب آخر.

أما ما يجب تجنبه في المرحلة القادمة، فيجب الامتناع عن محاكاة السياسة الأميركية في العراق فيما يخص تكوين مليشيات للقبائل لتحجيم نشاط طالبان، فالقادة العسكريون يرون أن الفوائد التي يمكن أن تجنيها القوات الأميركية من التفاوض مع طالبان حاليا قليلة، رغم دعم الرئيس أوباما لمثل هذا الاقتراح. من ناحية أخرى يلفت الانتباه إلى وجود حالة من عدم التأكد حول رد فعل قيادات طالبان على التحركات الجديدة للقوات الأميركية في الجنوب؛ فبينما يتوقع البعض أن تتجه طالبان للاختفاء أو تحريك قواتها إلى مناطق أخرى لا تتواجد فيها القوات الأميركية بشكل كثيف، ويرى آخرون أن طالبان قد تكثف هجماتها بالقنابل والكمائن الاعتراضية على نحو يؤدي لتزايد واضح في أعداد الضحايا والقتلى في صفوف الجيش الأميركي. ولذا لا يجب على أميركا الاعتقاد بأن كل شيء سيتغير فور استقبال الجنوب الأفغاني للجنود الإضافيين فعلى هذه القوات العمل على أراضٍ لم تدخلها أية قوات أجنبية منذ فترة طويلة.

التخلص من كرزاي

ترى الباحثة هيلين كوبر في دراسة عنوانها "الخوف من مستنقع آخر في أفغانستان" أن زيادة عدد القوات الأمريكية في أفغانستان ليس الحل، فرغم أن زيادة عدد القوات من شأنه المساعدة في تحقيق الاستقرار إلا أنه من غير الممكن تحقيق تغيير فعلي في أفغانستان دون تغييرات جذرية في سياسات واشنطن تجاهها، وأن يبدأ التغيير بإعادة النظر في العلاقة مع الرئيس الأفغاني حامد كرزاي مشيرة إلى تنامي الإحباط من رفضه القبض على أمراء تجارة المخدرات وعدم كفاية جهوده لمحاربة الفساد، ويجب البحث عن سبل لإرغام الرئيس الأفغاني على مواجهة الفساد وتجارة المخدرات أو البحث عن بديل آخر له إذا ما رفض ذلك، مشيرة إلى ضرورة التأمل في فكرة وجود عالم بدون كرزاي.

أما ناثان فيك وجون ناجل، فيشيران لضرورة إقناع باكستان أن تعمل كحليف لأميركا في أفغانستان، وهو ما يتطلب التخلي عن المكاسب التكتيكية قصيرة المدى التي تحققها الغارات الأميركية على المنطقة الحدودية مقابل تدعيم أعمال الدبلوماسية الإقليمية التي من شأنها تعميق علاقة أميركا مع باكستان.

ومن جانبه، يتبنى هنري كيسنجر نهجًا أكثر حدة في التعاطي مع الشأن الباكستاني في هذه القضية، إذ يؤكد وجود شرط مسبق لتبني سياسة جديدة في أفغانستان هو التعاون مع باكستان التي يجب على قادتها أن يدركوا شكل قاطع أن استمرارهم في سياستهم غير الجادة في مواجهة المتطرفين سيضع بلدهم في مواجهة مع المجتمع الدولي، فضلاً عن أنها ستكون الهدف التالي للجهاديين، أي أن باكستان كغيرها من الأطراف المعنية بأفغانستان عليها أن تتخذ قرارات من شأنها التأثير في موقعها في المجتمع الدولي لعقود قادمة.

ويطرح كيسنجر أن على واشنطن إنشاء مجموعة عمل دولية تضم جيران أفغانستان، الهند، والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي تكون مهمتها المساعدة في إعادة البناء والإصلاح في أفغانستان، فضلاً عن تحديد مبادئ على أساسها تلتزم الدولة بمواجهة الأنشطة الإرهابية. وبمرور الزمن يمكن أن تتحد الجهود العسكرية الأميركية بالجهود الدبلوماسية لهذه المجموعة. ولابد من التنسيق مع روسيا بشكل خاص في هذا الإطار مقترحًا أن يتم ذلك عبر التحديد الواضح للأولويات، ووضع موسكو أمام خيارين واضحين إما الشراكة أو العداء، مؤكدًا أن الأمر في النهاية يعتمد على أميركا. وأخيرًا، يؤكد كيسنجر أن زيادة إسهام حلف الناتو في إعادة بناء أفغانستان أكثر فائدة من جهوده العسكرية الهامشية والمحدودة في الوقت الراهن من وجهة نظره.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !