غزة – كتب طارق عبد الحميد - يقول رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، في مقابلة مع صحيفتنا، «للأسف أن بعضنا دائما ينظر بعين الشك إلى كل ما نقوم به، وأوصلتنا الانهزامية في التفكير إلى أننا غير قادرين على عمل شيء إيجابي»، مضيفا «لو تصرف اليهود بهذه الطريقة لما كان لديهم دولة».
وهذا كلام دقيق، وتثبت صحته كلما تأملنا في حال، وتفاصيل، القضية الفلسطينية، وطريقة إدارتها، وإدارة التفاوض، والتعامل العربي معها كذلك، وقبل كل شيء الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني، وطريقة إدارة الأمور في غزة. وقد يقول قائل إنه لا جديد في الأمر، وهذا هو حال القضية منذ عقود، وهذه هي الإشكالية الحقيقية.
وكما يقول فياض، فقد استشرت الانهزامية، حيث تم اختزال العمل الحقيقي، والشاق، لإعلان الدولة الفلسطينية، في شعارات مزيفة، اتضح أنها فقط للحصول على الحكم، وليست لإنشاء الدولة الفلسطينية. وهذا يظهر في حالة حماس، كما استشرت هذه الانهزامية لدى بعض العرب، الذين يستسهلون استثمار مغامرات حماس، بدلا من المساعدة الحقيقية في عملية بناء الدولة على الأرض، وتحويلها إلى واقع، والعمل سياسيا على توفير هذا الزخم دوليا.
وقد يكون أبسط مثال هنا هو ما طرح في القمة العربية الأخيرة، حيث الحديث عن احتمال سحب مشروع الدولتين، والعودة إلى دولة واحدة تجمع الفلسطينيين والإسرائيليين، أي أن نرمي عقودا من الصراع، والدم، والأموال، في البحر ونبدأ من جديد. وهذا دليل على إحباط، أكثر منه رؤية سياسية، خصوصا وأن السياسة، وتحديدا المفاوضات، لا تعرف الإحباط، بل تقوم على مبدأ «خذ وطالب».
ففي الوقت الذي يتحدث فيه سلام فياض عن بناء المؤسسات، وأجهزة الدولة الفلسطينية، وفرضها كواقع، من خلال العمل السياسي، والشعبي السلمي، نرى أن ما يحدث في غزة يمثل العكس تماما، حيث يتضح يوميا أن هناك انقساما وارتباكا في صفوف حماس، في نفس الوقت الذي تحاول فيه الحركة الإخوانية أن تبسط نفوذها على حساب الفصائل الفلسطينية الأخرى التي تريد إطلاق الصواريخ على إسرائيل. فبينما يقول إسماعيل هنية إن حكومته تجري اتصالات مع الفصائل للحفاظ على التوافق الداخلي، بشأن وقف إطلاق الصواريخ وذلك «حماية لشعبنا وتعزيزا لوحدتنا»، وهو نفس موقف خالد مشعل المعلن بعد اتصاله الهاتفي مع وزير الخارجية الروسي، فإننا نجد موقفا آخر لأحد مسؤولي حماس، حيث يقول مشير المصري إن حماس لن تتراجع عن المقاومة، معتبرا أن موقف فتح الداعي للتحرك الشعبي المدني هو جزء من التواطؤ مع إسرائيل. يأتي كل ذلك في وقت تشهد فيه غزة معركة أشرطة فيديو بين حماس والفصائل الأخرى، في محاولة لتبني ما أطلق عليه عملية «استدراج الأغبياء» التي استهدفت جنودا إسرائيليين!
وبعيدا عن الأغبياء، فإن السؤال هنا هو: هل تنبه الأذكياء بمنطقتنا، ومن الفلسطينيين، إلى أن ما يحدث في غزة سيغرق المركب الفلسطيني، وأن الأجدى اليوم هو ترسيخ الدولة الفلسطينية كواقع على الأرض، وأخذ موقف حاسم تجاه ما يحدث في غزة، بدلا من مهادنة حماس، والسكوت على ما يحدث هناك؟
التعليقات (0)