قبل أيام كنت جالسا في مؤسسة تعليمية أنتظر قريبا لي ، فشغلت وقتي بممارسة بعض التجارب الالكترونية الغبية على جهازي الذي مسه الخرف بكثير من الغباء وشيء من ضعف الذاكرة ، إلى جواري أساتذة يناقشون قضايا طلابهم ، ليس في الحديث ما يلفت الانتباه ، مناقشة باهتة في موضوع خاص ، انفض الجمع وبقي إلى جانبي استاذ الفكر الإسلامي والفلسفة ، تربطني علاقات وطيدة بهذا الرجل ، لكنها رغم ذلك علاقات مختصرة في الشكل والهيئة الخارجية ، بمعنى أصح أعرف اسمه وأهله وقبيلته ومنطقة سكنه وأميزه من بين الملايين وفي المقابل يعرف هو عني ذلك ، لكن لا أعرف شيئا عن تكوينه الثقافي ولا عن مدى استعداده لتقمص دور الطالب والاستاذ في آن معا ، طلب مني أن أعطيه دروسا في الحاسب الآلي وسرعان ما اكتشفت أنه أمي الأمية التامة في هذا المجال ، علمته كيف يدخل الانترنت ودار بيننا حديث قصير عن الانترنت والكمبيوتر والفايروسات .
جاء الرجل الذي كنت أنتظره ، تركت جهازي إلى جانب الطالب الأستاذ ، وبعد أن قضيت حاجتي من الرجل عدت لآخذ جهازي وأنصرف ، كانت المفاجئة أني وجدت الطالب الاستاذ يلقي درسا على الحاضرين من أساتذة وموظفين ومتطفلين عن الكمبيوتر والانترنت والفايروسات ، فاتني المحوران الأساسيان من المحاضرة ( الكمبيوتر والانترنت ) وأدركت المحور الأخير ( الفايروسات ) وكانت خلاصة الحديث عن هذا الموضوع أن الفايروس عبارة عن دويبة حمراء لها رأس أسود ومنقار طويل تدخل الجهاز من الفتحات الخارجية وتعتاش من الملفات الموجودة على الهارد دسك ، يستمر الأمر حتى تفنى تلك الملفات ، وكلما وضع ملف التهمته تلك الدابة الغريبة .
لاحظت وجوه القوم فوجدت بعضهم يكتم ضحكاته وقد تغيرت ملامح وجهه ، فبدأ باختلاق نكات من أجل التفريج من همه القاتل ، والبعض الآخر يمدون أعناقهم ولا تعبير تستطيع ان تستشف منه شيئا على وجوههم وبعضهم يبتسم ابتسامات ماكرة خفيفة ، ذكرتني بقضية عشتها قبل سنوات عديدة ، عندما حاولت فتح جهاز راديو من أجل أن أرى الأشخاص الذين يتحدثون بداخله ، قبل أن يدخل قريب لي وينهرني بعنف ، وعندما شرحت له دواعي فتح الجهاز ابتسم ابتسامة خفيفة ، حسبتها في بادئ الأمر تقديرا لذكائي وطموحي ، واكتشفت بعد ذلك بسنوات أن دواعي تلك الابتسامة الغريبة مجافية تماما لما اعتقدته وقتها ، بل جاءت تلك الابتسامة الماكرة نتيجة لشرح غريب يحاول الرجل أن يقنعني به ، وهو أن من يتكلم داخل الإذاعة يشبهون الجن ، لهم رؤوس كبيرة تفوق حجم اجسامهم بثلاثة أضعاف وفي كل يد توجد ست أصابع ، وعندما يفتح الجهاز يختفون كالاشباح ، وكانت المفارقة العجيبة أن صاحب ذلك الشرح هو من كنت أنتظره في مكتبه ذلك اليوم .
لم استطع انتظار انتهاء المحاضرة الغريبة وأنا أرى ذلك الإحراج الذي بدى على وجه الرجل الذي كنت أدرسه قبل لحظات وهو يراني في زحمة من الحاضرين عند الباب .
ذهبت إلى مكان عملي ، وبعد انتهاء الدوام الرسمي ، مر علي قريبي ليقلني من مكان العمل إلى البيت ، حكيت له باسهاب ما دار في قاعة الانتظار ، وحاولت ان يستذكر ما دار بيني أنا وهو قبل سنوات لكن دون جدوى .
استمر النقاس وأنا أحاول أن أذكره بذلك اليوم والشرح الغريب الذي أهداني إياه حتى وصلنا إلى البيت ، وكانت المفاجئة أني وجدت الرجل ذاته يلقي محاضرة على أهلي عن الكمبيوتر والانترنت والفايروسات ، وفي هذه المرة أيضا فاتني المحوران الأساسيان ( الكمبيوتر والانترنت ) وأدركت المحور الأخير وهو الفايروسات ، وكانت خلاصة الحديث فيه أن الفايروس يمكن أن ينتقل من الجهاز إلى الإنسان ، فيبدأ بأكل ذكرياته حتى يبقى الشخص لا يفرق بين الناس ، التفت إلي أحد الحاضرين وقال ما رئيك فيما قاله الاستاذ ؟ ابتسمت ابتسامة ما كرة وأجبته بأن ما قاله ممكن ، وقلت في سري ( أكون عرضة لسخرية الآخرين وأستريح من تدريسك مالا أعرفه وما لن تفهمه انت ولن تقبل ذلك ، فإنني محرج أيها الاستاذ من تعليم شخص لا يعرف كلمة لا أدري ، ولا يدري أنه لا يعرفها ، ولم يحفظ من كلامي سوى الهارد دسك )
التعليقات (0)