لاتزال الأشارات المتناقضة تتوالى من طهران لتزيد من حيرة الكثير من المراقبين للمشهد الشرق اوسطي الحالي المليء اصلا بتناقضات تحير اكثر المراقبين خبرة بشأونه . ففي نفس الوقت اللذي قامت به ايران بنشر صواريخها المضادة للطائرات والمضادة للسفن والمضادة لكل شيء على طول ضفة الخليج الشرقية , قامت بأطلاق سراح الصحفية الأمريكية من اصل ايراني روكسانا صابري بأمر قضائي بعد يومين من الحكم عليها بالسجن لمدة ثمانية اعوام بتهمة التجسس وبيع الخمور داخل الجمهورية الأسلامية . ثم ماسبب تطمين ايران لعرب الخليج من تحركاتها العسكرية ؟ .
هذه المشاهد تضاف الى عشرات المشاهد المتناقضة الأخرى مثل دعوة اوباما لطهران للحوار المباشر وحضها على التعاون مع الولايات المتحدة ورد ايران للتحية بالمثل في كثير من المناسبات . يقابلها تصعيدا عسكريا غير مباشرا بين البلدين عبر ضرب قواعد امريكية بأيدي عراقية موالية لطهران في عدة محافظات عراقية جنوبية وشمالية منها البصرة وذيقار والمثنى وبغداد ادت الى سقوط عدد من الجنود في هذا الشهر . وضرب قواعد كردية داخل الحدود العراقية بالمروحيات . وتهديدات غربية سرية مزعومة بضربة عسكرية على ايران يساندها تهديدات علنية متمثلة بتهديدات رئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد نتنياهواللذي كان وعده الأنتخابي (( اعدكم اذا انتخبت فلن يُسمح لايران بامتلاك اسلحة نووية وهذا يستدعي القيام بكل ما هو ضروري لتحقيق ذلك )) من اكثر الوعود اللتي جعلت اليمين المتطرف يتحالف مع الليكود لتشكيل الحكومة . كما تطالعنا الصحف الاسرائيلية كل يوم بمحللين وصحفيين اسرائيليين يصفون تسرع نتنياهو لتنفيذ الضربة العسكرية وعن اعتقاده الراسخ بأن الدبلوماسية لن تثني ايران عن عزمها الاستمرار بتخصيب اليورانيوم وأن اي تأخير لهذه الضربة سيجعل تنفيذها اصعب وان اكثر مدة يمكن لاسرائيل انتظارها تعد بالأشهر لا بالسنين .
بالرغم من كل المحاولات الامريكية للتفاهم مع ايران واستعداد الولايات المتحدة لأعطاء الايرانيين دورا سياسيا مهما في العراق وافغانستان والخليج واعطائهم جزرة ستكون بأعتقادي اذا ما تم التوافق على شكل فتح الباب للاستثمارات الأجنبية الكبيرة داخل ايران واستثمارات ايرانية في العراق على وجه الخصوص والمنطقة بشكل عام مما سيؤدي الى شبكة من المصالح المشتركة تربط البلدين وتنهي حالة الصراع بينهما .
الا ان المنطق يقول ان القوة بكافة اشكالها هي العامل الاكبر والأهم في رسم شكل العلاقات بين الدول , وان كل شيء اخر ياتي في المرتبة الثانية , وان الأخلاق دائما ما تأتي في المرتبة الأخيرة في هذه العلاقات . الامر اللذي سيرجح كفة عدم قبول الساسة الايرانيين لعرض التخلي عن مفاعلهم النووي . وان الأيرانيين سيحاولون تسريع عملية انتاجهم للقنبلة النووية ما استطاعوا لذلك سبيلا . الأمر اللذي سيمكنهم في النهاية من الجلوس الى طاولة المفاوضات مع الغرب كند جاء ليأخذ حصته من اللحم لا كتابع يمكن اقناعه بعضمة يتلهى بها , خاصة مع الفرصة الذهبية اللتي يوفرها تواجد عشرات الألوف من الرهائن الامريكيين المتمثلين بجنود الأحتلال في العراق واللذين يمكن لايران قتل العشرات منهم كل يوم اذا ما ارادت , فالتحسن الامني الكبير اللذي يعيشه العراقيون اليوم لم يأتي بسبب تطور القدرة العسكرية العراقية فقط , ولكن السبب الاهم بحسب الكثير من المراقبين ومنهم المسؤولين العسكريين الاميركان هو الرغبة الايرانية الواضحة لتهدئة الوضع في العراق كرسالة اخرى من المسؤولين الأيرانيين لرغبتهم في الدخول مع الولايات المتحدة في مفاوضات مباشرة .
وهذا مايفسر هذا التناقض الشديد في الرسائل الأيرانية هذه الأيام , فهي من جهة تحاول تقديم امور تعتبرها تنازلات حقيقية للغرب مثل الأفراج عن الصحفية الأمريكية ( واللذي يثير تساؤلات كبيرة حول استقلالية القضاء الأيراني ) , وفي نفس الوقت فأنها توصل رسالة متلفزة بأنها مستعدة للذهاب لآخر مدى اذا ما قرر الغرب وحليفته الصهيونية او أي طرف منهما على حدة ضرب ايران عسكريا .
كما ان التهديد الأيراني الضمني لدول الخليج العربية عبر رسائل التطمين اللتي حملها دبلماسيون ايرانيون الى عواصم هذه الدول هو جزء من هذا التهديد لها ولأمريكا بالأستعداد الأيراني للحرب اذا ما فرضت عليها .
التعليقات (0)