مقدمة
كثيرة هي الأحداث التي تكاثف الغَمَّ وتضيق الصدر، حتى تجعله كرباً تحرم صاحبه من كل ألوان السعادة، وإلى درجة قريبة من ذوبان البدن والذهول عن الحياة بأجمعها والإحباط، لكنه الله بفضله وعظيم امتنانه على عباده المؤمنين يمن على عباده حينما يصابون ببلاءات الحياة فيصبرون ويسلمون أمرهم لله ويلجأوون إليه سبحانه فيفرج عنهم الهموم والأحزان رجاء ثواب المصابين فيه سبحانه والصابرين، يقول عنهم: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾ [فاطر: 34] وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يعاني مثل غيره من البشر لعظيم الأحداث التي كانت تمر عليه وعلى إخوانه من المؤمنين كان يستعيذ بالله من الهم والحزن، يقول صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من الهَمِّ والحَزَن.
تعريف الحزن لغة واصطلاحاً:
الحُزْنُ في اللغة مصدر: الفعل حَزِنَ يحزَن حُزْنًا وحَزَنًا، فهو حزين ويُعدَّى بالهمزة، فيقال: أحزنته. أي: جعلته حزينًا .وأصل الحُزْن: غِلَظُ الهَمِّ، مأخوذ من الحَزَن، بفتحتين، وهو ما غلُظ من الأرض، وخشُن في النفس، لما يحصل فيها من الهَمِّ .
والفرق بينهما: أن الحَزَنَ، بفتحتين، يعمُّ جميع الأحزان، وليس كذلك الحُزْنُ .ومن الفروق بينهما أيضَا : أن الحَزَن، بفتحتين، نقيضُه: السَّهْلْ، وهو ما لانَ من الأرض والنفس وانخفض؛ ومنه قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ [فاطر: 34]. ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من الهَمِّ والحَزَن) فعطف الحَزَنَ على الهَمِّ ؛ لأنه أصله. فإن بلغ الحُزْنُ من الإنسان مبلغًا بحيث يصرفه عمَّا هو بصدده ويقطعه عنه، سمِّيَ: جَزَعًا. قال تعالى: ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ ﴾ [إبراهيم: 21]، فالجزع أبلغ من الحزن، فإن الحزن عام، والجزع هو حزن خاص. وإلى معنى ذلك أشار الشاعر بقوله:
منْ سَرَّهُ أنْ لا يَرَى مَا يَسُوءُهُ --- فَلا يَتَّخِذُ شَيئًا يُبالِي لهُ فَقْدا
الحزن اصطلاحاً: هو ردة لفعل غير متوقع يسبب لصاحبه الشعور بالبؤس، ويسمه بالهدوء ويجعله كئيبا انطوائيا قليل النشاط، وقد يوصل صاحبه إلى عدم الاطمئنان والضغط النفسي والإحباط إن لم يكن المرء الحزين مؤمنا متصلا بحبل الله يؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره. ولربما نشأ الإحباط من عدم النظر في مصائب القوم من حوله، رغم أن الحكماء قديما قالوا: من شاهد مصائب الناس هانت عليه مصيبته.
مقر الحزن في بدن الإنسان:
لا شك أن الحزن يستقر في قلب الإنسان، ولا يراه أحد من الخلق، فإن ظهرت آثاره على الوجه سمي كآبة نعوذ بالله من ذلك. وقد جمع الله تعالى بينهما في قول يعقوب عليه السلام، فقال: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ﴾ [يوسف: 86]، فعطف البَثَّ على الحُزْنِ، لما بينهما من الفرق في المعنى، فالبث لم ينكتم في القلب وإنما انتشر في الوجه . ومنه قوله تعالى في معنى البث: ﴿ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث﴾[القارعة:4] هذه الآية الكريمة التي تشبه الناس بالفراش المبثوث أي المندفع من شرانقه، المنتشر المتفرق هنا وهناك، يتحرك علي غير هدي في كل مكان، جيئة وذهابا دون ترتيب أو نظام.
من الأسباب الجالبة للحزن
1. حزن الداعية على مسارعة الناس في الكفر: لا شك أن مسارعة الناس في الكفر والمعاصي واقتراف الذنوب، وتأييد الفاسق ونصرته وخذلان المؤمن هو من أعظم الأسباب التي تجلب للمؤمن حزناً وغماً وألماً شديداً، ومن دقق في السيرة النبوية يجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أكثر الناس حزناً على أحوال قومه الذين كانوا يسارعون في الكفر، فقد كان عمه أبو لهب من أكثر الناس مسارعة للكفر، وناهيك عن عمه الثاني أبو طالب، وأهل قريته مكة الذين عاش معهم، وتربي معهم وكانوا يلقبونه بالصادق الأمين. فحينما جاء الوحي لنبينا الكريم تسارع القوم في غيهم وكفرهم ورفضوا الاستسلام لدعوة الله عز وجل وغرقوا في بحر الحسرات، فحزن النبي - صلى الله عليه وسلم لذلك، بل كان يفرط في الحزن على كفر قومه، فنهاه الله عز وجل عن ذلك; كما قال تعالى: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) [فاطر: 8] وقال: (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) [الكهف: 5]. بل قال تعالى له: (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) [آل عمران : 176]، فحينما يختار هؤلاء طريق الشقاء رغم وضوح الآيات البينات على ضلالها وسوء عاقبتها لم يبق للنبي الكريم وللدعاة من بعدة إلا أن يصبروا صبرا مشوبا بالحزن والكآبة على نهاية بائسة لمثل هؤلاء.
2. الحزن على فوات الخير والفقر وعدم المسارعة في أعمال الخير مع العلم بفضلها: يقول الطبري ملك المفسرين في تفسيره قوله تعالى: (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ) [التوبة :92]. قال أبو جعفر: يقول - تعالى ذكره - : ولا سبيل - أيضاً - على النفر الذين إذا ما جاءوك لتحملهم، يسألونك الحملان؛ ليبلغوا إلى مغزاهم لجهاد أعداء الله معك يا محمد قلت لهم: لا أجد حمولة أحملكم عليها (تولوا) يقول: أدبروا عنك، (وأعينهم تفيض من الدمع حزناً) وهم يبكون من حزن على أنهم لا يجدون ما ينفقون، ويتحملون به للجهاد في سبيل الله. وهكذا هي حال المسلم الذي يحاول أن يجاهد في سبيل الله فلا يستطيع، يرى إخوانه في فلسطين وسوريا وأفغانستان يجاهدون وهو محروم من التغـــبُّر في سبيل، ومجاله محصور في الحديث عن أحكام الحيض والنفاس. وهذا الحزن مندوب ويثاب عليه صاحبه.
أدعية تذهب الحزن والهم والغم: من الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذهاب الهم والغم والحزن قوله صلى الله عليه وسلم: ما أصاب أحداً هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرحاً، فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها. رواه أحمد، وصححه الألباني.
وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يكثر القول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن.
وعن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم، فإذا برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة مالي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، فقال: أفلا أعلمك كلاما إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. قال: فقلت ذلك، فأذهب الله تعالى همي وغمي وقضى ديني. رواه أبو داود.
وإلى لقاء آخر مع حديث آخر عن الحزن...
التعليقات (0)