وكأن الفلسطينيين لا يكفيهم ما اصابهم ويصيبهم حتى يأتي من يتسمون بالعرب والمسلمين وينثروا على الجرح الملح والفلفل
أسباب اخراج الفلسطينيين من فلسطين
يوسف حجازي
قال ديفيد بن – غور يون رئيس وزراء الكيان الصهيوني في خطاب له أمام الكنيست في عام 1961 ( لقد بدأ رحيل العرب من إسرائيل فورا بعد قرار التقسيم وفي حيازتنا وثائق صريحة تشهد على أنهم غادروا فلسطين بناء على تعليمات من الزعماء العرب وعلى رأسهم المفتي على أساس الفرضية القائلة أن هجوم الجيوش العربية سوف تقضي على الدولة العبرية وترمي اليهود جميعا في البحر ) لكن وبعد الاطلاع على الوثائق الإسرائيلية التي وضعت في التصرف ابتداء من عام 1978 بموجب قانون الثلاثين عام رد المؤرخون الإسرائيليون الجدد على رواية ديفيد بن – غور يون برواية مختلفة تستند إلى المحفوظات الإسرائيلية ، وقد وصف المؤرخ الإسرائيلي ” بني موريس ” الذي ينتمي إلى حركة ( هشومير هتسعير ) وهيحركة صهيونية يسارية في كتابه ” نشأة قضية اللاجئين ” والذي يسخر فيه (من الوجه الأبوي العطوف الذي يضفيه على بن غور يون المؤرخ الصهيوني المتشدد ” شبتاي طيفت ” ووصفه بالمهجر الأكبر ) لأنه هو الذي قاد العمليات العسكرية والسياسية والدبلوماسية من أولها إلى آخرها من العام 1947 إلى العام 1949 ، ولأنه كان المخطط والمنفذ للإجراءات التي أدت إلى طرد الفلسطينيين والى إعاقة عودتهم ، وهو الذي وضع الخطة العسكرية دالت التي كان هدفها طرد جميع القوات المعادية فعلا أو افتراضا ، وهو الذي أعلن أمام حزب مابام في 7/2/1948 ( أن ما حدث في القدس حيث لم يعد هناك عربي يمكن أن يتكرر في جزء كبير من البلد ، ومن الممكن أن تطرأ خلال 6 أو 8 أو 10 أشهر من الحرب تغييرات مهمة في تركيبة السكان ) وهو الذي أوحى بطريقة شبه سرية بعملية إبعاد 3500 فلسطيني ظلوا في حيفا من مجموع 85 ألف وتدمير أحيائهم القديمة ، وهو الذي اصدر الأمر بطرد أهالي اللد والرملة ، وهناك محطة أخرى تجلت فيها عبقرية بن – غور يون اللغوية عندما أجاب على سؤال يعقوب رفتن الأمين العام لحزب مابام عما سيكون مصير الفلسطينيون في الشمال قائلا ( انه إذا تجددت المعارك في الشمال فإن منطقة الجليل ستصبح نظيفة وخالية من الفلسطينيين )
ولكن ورغم أن بني موريس قد حمل بن غور يون وإسرائيل مسؤولية تهجير الفلسطينيين إلا انه لم يعتبر أن ذلك قد حصل وفق خطة مدروسة وموضوعة مسبقا وهذا عكس ما قاله
المؤرخ أفي شلايم الذي يؤكد أن الخطة كانت موضوعة بالاتفاق مع الملك عبد الله
والمؤرخ سيمحا فالبان الذي يؤكد وجود خطة لتهجير الفلسطينيين إلى الدول العربية
والمؤرخ نعوم تشومسكي الذي يؤكد في كتابه ( قراصنة وأباطرة ) على استمرارية اعتماد إسرائيل على مبدأ الترانسفير
والمؤرخ حاييم بنفنستي الذي قال في حديث مع صحيفة هآرتس في تشرين أول 2007 ( أن المجتمع الفلسطيني تم تمزيقه إلى أشلاء منفصلة )
والمؤرخ أيلان بابيه الذي ينتمي إلى التيار اليساري الراديكالي الذي أكد في محاضرة له في مدينة الناصرة أن إستراتيجية الجيش الإسرائيلي في حرب 1948 كانت تنفيذا للخطة التي وضعها دافيد بن – غور يون و18 من كبار مساعديه السياسيين والعسكريين ، وقد كتب بن – غور يون الوثيقة بيده في 10/3/1948 قبل بدء الحرب ، وشملت الخطة توزيع فلسطين إلى مناطق جغرافية وأوكل إلى قيادة الهاغاناة مهمة تنفيذها عندما تبدأ الحرب ، ولخص بن غور يون الخطة بكل صراحة عندما قال ( يجب استحواذ الجيش اليهودي على اكبر مساحة من فلسطين مع اقل ما يمكن من الفلسطينيين )
وذلك بالإضافة إلى يوسف فايتس أحد رواد الاستيطان الصهيوني والمسؤول عن دائرة الإحراج واستثمار الأراضي في الصندوق القومي اليهودي ورئيس لجنة الترحيل الرسمية الذي قال في عام 1940
( انه يجب أن يكون من الواضح انه ليس من مساحة في هذا البلد تكفي شعبين ، فإذا غادر العرب سيصبح البلد رحبا ويتسع لنا ، والحل الوحيد بعد الحرب العالمية الثانية هو ارض إسرائيل على الأقل الجزء الغربي أي القسم من فلسطين الواقع غربي نهر الأردن دون عرب ، وليس هناك تسوية ممكنة بشأن هذه النقطة ، وما من وسيلة أخرى إلا بترحيل العرب من هنا إلى البلاد المجاورة )
ولذلك اقترح على شرتوك وزير خارجية الدولة العبرية في 28/5//1948 تشكيل لجنة من ثلاثة أعضاء تكون مهمتها العمل على تحويل فرار العرب ومنعهم من العودة أمرا واقعا ، وبعد أن قدر أعضاء اللجنة انه تم طرد سكان 190 قرية و7 مدن أي ما يقارب 335 ألف فلسطيني اقترحوا اعتماد خمس إجراءات من شأنها توطيد عملية الطرد وتوسيعها وهي
تدمير القرى الفلسطينية قدر الإمكان خلال العمليات العسكرية
تحريم جميع أنواع الزراعة على الفلسطينيين
توطين اليهود في القرى والمدن الفلسطينية بما يمنع حدوث أي فراغ
وضع تشريعات لمنع العودة
القيام بحملة دعائية ضد العودة
وذلك إلى جانب سن قانون الطوارئ الخاص بأملاك اللاجئين الذي أقرته الحكومة العبرية في 30/6/1948 وجرى تعديله في عام 1950 والذي حدد الغائبين على أنهم جميع الفلسطينيين الذين غادروا أماكن إقامتهم في الفترة من 29/11/1947 إلى 1/9/1948 سواء كانوا غادروا إلى الخارج أو إلى المناطق الفلسطينية التي احتلتها الجيوش العربية ، على أن توضع أملاكهم في عهدة حارس أملاك الدولة الذي سيسمى لاحقا القيم على أملاك الغائبين ، وفي 28/8/1951 اتفق فايتس مع شاريت وبن – غور يون على ترحيل أهالي الجليل إلى الأرجنتين وقد ذهب إلى الأرجنتين واشترى 600 ألف دونم وزار الجليل لإقناع السكان بقبول مشروعه ولكن وفي زيارة له إلى قرية الجش قال له مواطن فلسطيني ( لا توجد بلاد أفضل من بلادنا هذه ، أن جبالنا أروع من سهولهم ، فكل صخرة تخرج نبتا وكل حجر يؤتي ثمر )
ولكن وفي آخر حياة يوسف فايتس اعترف بأنه لا مناص من حل عادل يعترف بحقوق الفلسطينيين كما اعترف بذلك ابنه يحاييم فايتس المحاضر في جامعة حيفا .
وقد أكد هذه الحقيقة التطهير العرقي أيضا أبا أيبان وزير خارجية إسرائيل بعد فشل مؤتمر لوزان حيت قال ( أن إسرائيل ليست بحاجة إلى السعي وراء السلام فاتفاقيات الهدنة تكفينا فإذا طلبنا السلام سيطلب منا العرب ثمنه أما الحدود وأما اللاجئين وأما الاثنين معا فلننتظر .
وكذلك رحبعام زئيفي مؤسس ورئيس حركة موليدت وزير السياحة الإسرائيلي الذي كان ينادي بفكرة الترانسفير واحتلال الأردن وتوطين الفلسطينيين فيها ، وكان يصف الفلسطينيين مرة بالقمل ومرة أخرى بالسرطان ، وقد أطلق عليه أربع أشخاص من كوادر الجبهة الشعبية النار في فندق ريجنسي في 17/10/2001 ردا على اغتيال القائد الفلسطيني الكبير أبو على مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في آب 2001 ، والذي اعترف صراحة انه لا يدعي امتلاك حق ابتكار فكرة الترانسفير لأنها أخذها من أساتذة الحركة الصهيونية وقادتها مثل دافيد بن – غور يون الذي قال من جملة أمور أخرى ما يلي
( أن أي تشكيك من جانبنا في ضرورة ترحيل كهذا ، وأي شك عندنا في إمكان تحقيقه ، وأي تردد من قبلنا في صوابه ، قد يجعلنا نخسر )
وقد نشر بني موريس في عام 1986 دراسة أشار فيها إلى العوامل التي أدت إلى ترحيل الفلسطينيين في الفترة من 1/2/1947 إلى 1/6/1948 وقد اعتمد فيها على وثيقة أعدها فرع الاستخبارات في وزارة الدفاع الإسرائيلية بتكليف من دافيد بن – غور يون رئيس الوزراء ووزير الدفاع في الدولة العبرية
العمليات العسكرية التي نفذتها قوات الهاغاناة وقد أسهمت بنسبة 55%
العمليات العسكرية لقوات ( أرغون وليحي ) وقد أسهمت بنسبة 15%
الاعتبارات المحلية والخوف من المستقبل وقد أسهمت بنسبة 20%
الأوامر من المؤسسات العربية وغير الرسمية وقد أسهمت بنسبة 2%
أوامر بالرحيل من القوات الإسرائيلية وقد أسهمت بنسبة 2%
حملات النفس اليهودية ( الحرب النفسية ) وقد أسهمت بنسبة 2%
الخوف من انتقام اليهود بعد هجوم العرب على مواقع يهودية وقد أسهمت بنسبة 1%
ظهور قوات عربية غير نظامية من خارج القرى العربية وقد أسهمت بنسبة 1%
الخوف من هجوم الجيوش العربية النظامية وقد أسهمت بنسبة 1%
القرى العربية المعزولة وسط منطقة يهودية وقد أسهمت بنسبة 1%
لكن بني موريس لم يشير إلى دور المذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية وجيش الدفاع الإسرائيلي في التطهير العرقي والتي بلغ عددها أكثر من 35 مذبحة أشهرها مذبحة دير ياسين التي كانت قد وقعت في عام 1942 ميثاق عدم اعتداء مع المستوطنات المجاورة ، وأكبرها مذبحة الدوايمة وبعض القرى تعرضت لأكثر من مذبحة مثل قرية سعسع وبعضها حرق أهلها أحياء مثل قرية الطيرة في قضاء حيفا وأكثر من 100 عملية قتل جماعي ، وقد اعترفت منظمة الأرغون بدور المجازر في التطهير العرقي وأصدرت بيان قالت فيه ( إن احتلال دير ياسين ولد الرعب في أوساط الفلسطينيين في القرى المجاورة ، وبدأت بفعل الصدمة عملية الفرار مما سهل استعادة التواصل بين القدس وسائر البلد ) كما اعترف بهذا الدور مناحيم بيغن الذي قال ( أن أسطورة دير ياسين ساعدتنا بنوع خاص على إنقاذ طبريا واحتلال حيفا ) وأيضا الهاغاناة التي قالت في بيان لها
( أن دير ياسين كانت عامل تسريع قاطع في فرار الفلسطينيين )
لكن الشاعر أيا كوفنز الناجي من المحرقة النازية في اوشفتز والضابط الثقافي في كتيبة غفعاتي ذهب إلى أكثر من ذلك وكتب إلى سائقي الدبابات يقول
( لا تترددوا يا أبنائي فهؤلاء القتلة عقوبتهم يجب أن تكون دما ، وكلما طاردتم كلاب الدم هؤلاء أحببتم الجمال والطبيعة والحرية )
و قال أيضا
( الحرية عادلة والدم حلال لأن ساعة العقاب تنادي الانتقام الانتقام )
وقد علق على المجزرة جاك دو رينيه مبعوث لجنة الصليب الأحمر الدولية بقوله
( لا استطيع تصوير بشاعة ما جرى )
والكاتب الاسرلئيلي مارتن بوبر احد رواد فكرة الوطن ثنائي القومية الذي قال
( دير ياسين نقطة سوداء في شرف الشعب اليهودي ) ومسؤول القسم العربي في حزب مابام اهارون كوهين الذي قال في مذكراته ( انه جرى تنفيذ عملية طرد متعمدة للعرب ، وقد يطيب هذا الأمر للآخرين أما أنا كاشتراكي فإن هذا يشعرني بالخجل ويرعبني ، إذ أن دولة إسرائيل عندما تنشأ ستبقى واقفة على سلاحها إذا ما هي ربحت الحرب وخسرت السلام ) كما انه لم يشير إلى دور حرب 1948 في التطهير العرقي وفي تسهيل عملية يوسف فايتس الذي كان عليه من قبل أن يفاوض ويدفع ثمن كل دونم ، فإذا بالهجرة الفلسطينية قد مكنت الصندوق القومي اليهودي من وضع يده على ارض يصعب شراؤها وطرد عائلات الفلاحين ممن وضعوا أيديهم على ارض كان ملاكها العرب الغائبون قد باعوها ، والاستيلاء على مناطق راموت ومناشي وقيرة وقامون ويوكنعام ودالية الروحاء ذات الأغلبية العربية والذي كان فايتس قد قال عنها ( الم يحن الوقت للتخلص من هذه الأشواك بيننا )
التعليقات (0)