من يراقب التصريحات الامريكية من قبل وزارة الخارجية والمدعي العام واعضاء الكونغرس , يلمس التناقضات وازدواجية المعايير والكيل بمكيالين . وعودة الى ملف مخيم اشرف نجد ان هذا المخيم وجد اثناء حكم الرئيس صدام حسين في عقد ثمانينات القرن الماضي , وسكنه اعضاء منظمة مجاهدي خلق المعارضة لنظام الملالي في ايران , وقد دخلت المنظمة في صراع سياسي وعسكري مع نظام الملالي خلال الحرب العراقية ـ الايرانية . وعقب الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 , توكلت القوات الامريكية بحماية مخيم اشرف , بعد ان سلمت منظمة مجاهدي خلق كل الاسلحة التي كانت بحوزتهم الى القوات الامريكية , وظل هذا الحال حتى انسحبت القوات الامريكية من المدن العراقية , وسلمت المسؤولية الامنية للقوات العراقية
منذ عام 2008 صار مخيم اشرف تحت اشراف قوات تتبع مكتب رئيس الوزراء نوري المالكي مباشرة , وهذه القوات ذات جذور عقيدية وعسكرية ايرانية اي من قوات بدر وحزب الدعوة وفيلق بدر , ولها صلات وثيقة مع الحرس الثوري الايراني وقوات القدس التي يقودها قاسم سلماني , المطلوب الى المحكمة الجنائية على خلفية محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن . وتنفيذا لاملاءات نظام الملالي قامت القوات العراقية بارتكاب مجزرتين ضد الاشرفيين عامي 2009 و 2011 ذهب ضحيتهما العشرات من القتلى والمئات من الجرحى . كما مارست هذه القوات بالتعاون مع ( اطلاعات ) الايرانية حربا نفسية واسعة ضد الاشرفيين , حيث نصبت 300 مكبرة صوت حول المخيم لازعاج السكان وارهابهم من خلال البيانات الصوتية الاستفزازية التي تهدد السكان بالموت والمصير المجهول .وهذه المكبرات عادت ثانية حول ليبرتي لممارسة الحرب النفسية على الاشرفيين من جديد .
بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق اواخر عام 2011 , صارت الساحة العراقية مسرحا لعناصر نظام الملالي والمليشيات التابعة له , وبدأ سيناريو جديد للتنكيل بالاشرفيين واذلالهم لاجبارهم اما على الاستسلام والعودة الى ايران تحت اشراف الاطلاعات , واما الموت والابادة , واخذت الدعاية الايرانية والعراقية تملئ وسائل الاعلام العالمية لتشويه سمعة مجاهدي خلق والاشرفيين , حيث بات مطلوبا منهم الانتقال من مخيم اشرف الى معسكر ( ليبرتي ) الذي كانت القوات الامريكية تسكنه قبل الانسحاب , وقد تم الاتفاق بين الحكومة العراقية وممثل الامين العام للامم المتحدة كوبلر على كيفية نقل الاشرفيين البالغ عددهم 3500 شخص على دفعات .
لقد تعهدت الحكومة العراقية بنقل الاشرفيين وكل ممتلكاتهم الشخصية والخدماتية , ولهم حرية الاتصال بمحاميهم , ويكون للحكومة العراقية نقطة امنية خارج المعسكر ( ليبرتي ) . وقد ابدى الاشرفيون حسن النية بالانتقال الى ليبرتي رغم ان الحكومة لم تنفذ التزاماتها ازاء الاشرفيين , وقد منعت القوات المسؤلة عن نقلهم ادخال ممتلكاتهم الشخصية , حتى انهم منعوا الكتب والاشرطة والكاسيتات الصوتية والالات الموسيقية , اضافة الى عدم ادخال اجهزة الكهرباء والمكيفات واجهزة التبريد .
اثناء المفاوضات بين نظام الملالي وبين المجموعة الدولية ( 5 +1 ) حول الملف النووي الايراني , ورغبة الادارة الامريكية التوصل الى اتفاق مع ايران لوقف تخصيب اليورانيوم بنسبة محددة , اثناء المفاوضات التي جرت في اسطنبول وبغداد وفي موسكو , ومن اجل ارضاء نظام الملالي وتقديم اغراءات وترضيات ورشوة له , اثارت الادارة الامريكية مسألة سبق ان انتهت الا وهي " تفتيش مخيم اشرف مرة ثانية " للتأكد من خلوه من السلاح .
ومن اجل ارضاء النظام في طهران مازالت الجهات الامريكية المعنية تماطل في شطب منظمة مجاهدي خلق المعارضة من لائحة الارهاب , الادهى من كل ذلك ان المدعي العام الامريكي يشكك في كل التقارير العسكرية الامريكية السابقة التي اكدت قيامها بسحب كل اسلحة منظمة مجاهدي خلق التي كانت بحوزة سكان مخيم اشرف . ويطالب بضرورة التأكد من خلو مخيم اشرف من السلاح , وهذا التشكيك المتعمد يلتقي في نواياه مع الادعاءات الايرانية والعراقية لايجاد ذريعة لارتكاب مجزرة جديدة بحق الاشرفيين كالتي وقعت عامي 2009 و2011 وراح ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى .
وعن مسألة السلاح المفبركة نعود الى تصريح الجنرال ( اوديرنو ) في مؤتمر عبر الاقمار الصناعية يوم 18/6/2003 حيث قال " لقد تم نزع اسلحة سكان اشرف الخفيفة والثقيلة" , وقد ذكر الارقام الحقيقية لانواع الاسلحة التي كانت بحوزة الاشرفيين قبل عام 2003 . كما قامت القوات العراقية في شهر نيسان من عام 2009 بتفتيش المخيم بواسطة الكلاب البوليسية ولم تجد اية قطعة سلاح .
السؤال هو لماذا اثارت الولايات المتحدة هذا التشكيك الان ؟ لماذا لم تثره طيلة السنوات الماضية , اي خلال تسع سنوات مضت على الاحتلال الامريكي للعراق ؟ .هذه الرسائل الامريكية تمنح ايران وحكومة المالكي فرصة لان ترتكب مجزرة جديد ضد الاشرفيين بدم بارد , وهذا التعاون مع النظام في ايران هو عربون وجزرة جديدة بهدف الوصول الى تفاهمات جديدة بشأن الملف النووي الايراني .
مرة اخرى طالب محامي وزارة الخارجية بتفتيش مخيم اشرف قبل اتمام نقل المجموعات الاخرى الى ليبرتي .ولكن الناطقة الرسمية لوزارة الخارجية اعلنت يوم 18/6/ 2012ان اعادة تفتيش مخيم اشرف ليس ضروريا وقالت " ان طلبات تفتيش اشرف من وزارة الخارجية كشرط مسبق لانتقال المجموعات المتبقية الى ليبرتي هو انحراف عن المسير " وهذا يعني بطلان ادعاء محامي وزارة الخارجية . لقد اعلنت منظمة مجاهدي خلق موافقتها على تفتيش مخيم اشرف من قبل الولايات المتحدة والامم المتحدة , وعدم ترك الامر الى القوات العراقية والايرانية , التي من المتوقع افتعال ازمة جديدة بدعوى انها وجدت اسلحة في المخيم , لتبرير ارتكاب مجزرة جديدة .
ان طلبات الاشرفيين بسيطة جدا , لو توفرت النية الحسنة , وتتلخص بالنقاط الاتية :
1 . اولا وقبل كل شيئ عدم تحويل مخيم ليبرتي الى سجن قاتل .
2 . ضمان تطمينات من الحكومة العراقية بالانتقال الامن للاشرفيين الى المخيم الجديد .
3. ضمان الكرامة والانسانية للاشرفيين .
4 . ضمان حرية التردد والتنقل خارج المخيم لاغراض العلاج وقضاء الحاجيات الضرورية . 5 .تمتعهم ببيئة أمنة خالية من العنف .
6. حق الاشرفيين بنقل ممتلكاتهم ومقتنياتهم وعجلاتهم الى المكان الجديد .
7 . ترك المخيم الجديد بدون مضايقات , وهذا يستلزم عدم وجود شرطة عراقية داخل المخيم , لان مثل هذا الوجود سيكون فرصة لتواجد قوات القدس داخل المخيم وتنفيذ اغراضهم الارهابية ضد الاشرفيين .
8. واخيرا المطلوب احترام المعايير الدولية والانسانية وحقوق الانسان المعترف بها دوليا .
مطالب بسيطة لا تخل بالمعايير الدولية الخاصة برعاية حقوق الانسان , واية حكومة تحترم هذه المعايير لا تخاف من تنفيذها على اي بشر يعيشون فوق اراضيها . وهذه المطالب البسيطة نادت بها المنظمات الدولية والبرلمان الاوروبي , واللجنة الدولية لخبراء القانون الدولي للدفاع عن اشرف , والتي تضم اكثر من 8500 خبير قانوني ومحامي في العالم , ومن يحترم البشر والهيئات الحقوقية والبرلمانية ,والشخصيات المعتبرة , ينفذ مطالبها كونها لا تمس بسيادة البلد , رغم كل الادعاءات الممجوجة التي يطلقها المالكي حول مذكرات توقيف ضد العشرات من قيادات الاشرفيين , بدعوى انهم ارتكبوا جرائم بحق العراقيين , وهو كلام كله افتراء لايجاد الذرائع لقتل الاشرفيين , وتخليص الملالي منهم , لانهم باتوا يشكلون شوكة في خاصرة نظام الملالي الذي يئن من وقع المشكلات العديدة في الداخل والخارج .
التعليقات (0)