مواضيع اليوم

اريتريا تاريخ النضال والتحرر.... منقووول


اسلام اون لاين

تقع إريتريا عل الشاطئ الغربي للبحر الأحمر في نقطة حاكمة عند مدخله الجنوبي وعلى مقربة من مضيق باب المندب ذي الأهمية الإستراتيجية البالغة؛ فهي تشبه مثلثا محصورا بين إثيوبيا والسودان وجيبوتي، وتبلغ مساحتها حوالي (120) كم2 تتنوع فيها التضاريس والمناخ، وتمتلك شاطئًا يمتد ألف كيلومتر على البحر الأحمر، يمتد من "رأس قصار" على الحدود السودانية شمالا إلى باب المندب في "رأس أرجيتا" في جيبوتي جنوبًا، ويقع في هذا الساحل أهم موانئ البحر الأحمر وهما: "عصب" و"مصوع".
وتتبع إريتريا (126) جزيرة، أهمها أرخبيل (مجموعة جزر) دُهلك وبه نحو (25) جزيرة، أهمها من الناحية الإستراتيجية جزيرتا "فاطمة" و"حالب". ويزيد عدد السكان عن أربعة ملايين نسمة. 78% منهم مسلمون، والباقي ينتمون إلى تسع مجموعات دينية وعرقية ولغوية أخرى.
وترجع تسمية إريتريا إلى الرومان الذين أطلقوا تسمية "سينوس أريتريوم" على البحر الأحمر وشواطئه التي سيطروا عليها عندما خضعت "عدوليس" على الشاطئ الإريتري لسلطانهم، وعندما احتل الإيطاليون هذه الشواطئ في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي أطلقوا اسم "إريتريا" عليها إحياء للتسمية الرومانية، وذلك بمرسوم أصدره الملك الإيطالي "همبرت الأول" في (جمادي الأولى 1307هـ= يناير 1890م).
إريتريا.. والإسلام
ترجع معرفة منطقة إريتريا بالإسلام إلى البدايات الأولى لظهور الإسلام؛ حيث كانت هذه المنطقة تتبع في تلك الفترة النجاشي ملك الحبشة. فعندما اشتد إيذاء الكفار للمسلمين في مكة أمرهم النبي (صلى الله عليه وسلم) بالخروج إلى أرض الحبشة، وقال لهم: "فإن لها ملكًا لا يُظلَمُ عنده أحد، وهي أرض صدق"؛ فهاجر المسلمون إلى الحبشة وهبطت سفنهم على ساحل مصوع، وتحديدًا في المكان الذي يطلق عليه "رأس مدر"، وبنوا فيه مسجدًا - ما تزال بقاياه موجودة إلى الآن- ومنذ ذلك التاريخ انتشرت الدعوة الإسلامية في إريتريا والحبشة، حيث مكث الصحابة المهاجرون بها ستة عشر عامًا متتابعة يقيمون فيها شعائر الإسلام.
وفي عهد الدولة الأموية والعباسية هاجرت بعض القبائل العربية إلى إريتريا، وأقامت بها مراكز للدعوة والتجارة فتحولت غالبية القبائل الوثنية إلى الإسلام، ونشأت بعض الممالك العربية والإسلامية في جزر دهلك، بالإضافة إلى نشأة سبع ممالك داخلية عرفت باسم "بلاد الطراز الإسلامي".
وعندما سيطر البرتغاليون على بعض سواحل البحر الأحمر ومن بينها شواطئ إريتريا في بداية القرن السادس عشر الميلادي، تدخل العثمانيون لمواجهة الخطر البرتغالي وحماية الأماكن المقدسة في مكة والمدينة من مهاجمة السفن الصليبية، وتمكنوا من الاستيلاء على "سواكن" و"مصوع" وجعلوا البحر الأحمر بحيرة عثمانية مغلقة. وخضعت سواحل إريتريا للحكم المصري بناء على فرمان أصدره السلطان العثماني سنة (1281هـ = 1865م)؛ فتحسنت أحوالها بعدما أصبح الساحل الإفريقي للبحر الأحمر في حوزة مصر.
الاستعمار الإيطالي
بدأت الأطماع الإيطالية في إريتريا مع ضعف الحكم المصري في عهد إسماعيل نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، ودخل الإيطاليون إلى تلك المنطقة عبر بوابة الشركات والمؤسسات الاقتصادية التي يتحكم فيها المنصّرون ورجالات الكنائس؛ فاستطاع المنصر "سابيتو" أن يشتري قطعة أرض في ميناء عصب سنة (1286هـ= 1869م)، ثم أصدر مجلس النواب الإيطالي في (1299هـ= 1882م) قانونا بتحويل عصب إلى مستعمرة إيطالية، وكانت سياسته فيها تقوم على العنصرية، ومحاربة اللغة العربية. واعترف الإمبراطور الحبشي "منليك الثاني" بحق إيطاليا في إريتريا حتى يستطيع مقاومة النفوذ الفرنسي والبريطاني.
واستمر الاحتلال الإيطالي (60) عاما حتى تمكنت بريطانيا وحلفاؤها من هزيمة إيطاليا ودول المحور في الحرب العالمية الثانية، وأقامت بريطانيا بها إدارة عسكرية.
هيلاسلاسي.. أطماع وأحقاد
عاد الإمبراطور الحبشي هيلاسلاسي إلى الحكم في بلاده بمساعدة الإنجليز بعدما طرده الإيطاليون، ورأى أن يستغل الظروف الدولية لجمع أسلاب إيطاليا في إفريقيا؛ فيضم الصومال وإريتريا إلى مملكته التوسعية. وساعدته على ذلك بريطانيا والولايات المتحدة، حيث اتصل ببعض رجال الكنيسة لاستمالتهم إليه، وقامت المخابرات البريطانية بإثارة العدوان والنعرات الدينية والقبلية.
ونجحت إثيوبيا في خلق حزب موال لها في إريتريا سنة (1366هـ= 1946م) عُرف باسم حزب الاتحاد مع إثيوبيا كانت قاعدته من المسيحيين. ناهض المسلمون هذا الحزب وأسسوا حزب الرابطة الإسلامية الإريترية وحددوا أهدافه بالاستقلال التام. وشهدت تلك الفترة صراعات سياسية حادة، نشأت خلالها عدة أحزاب لها ارتباطات خارجية، تبنى بعضها سياسة الاغتيالات مثل حزب الاتحاد مع إثيوبيا الذي أنشأ ميليشيا إرهابية عرفت باسم "الشفتا" اغتالت عددا من القيادات الوطنية. كما عمل هيلاسلاسي على إثارة الخلافات بين الأحزاب الإريترية فكثرت الانشقاقات بها.
الأمم المتحدة صراعات الأروقة والمصالح
عُرضت القضية الإريترية على الأمم المتحدة التي أرسلت لجنة لاستطلاع آراء الأهالي حول تقرير المصير فخرجت اللجنة بآراء مختلفة، منها ضم إريتريا إلى إثيوبيا، وهو اتجاه دعمته الولايات المتحدة، وأمام هذا الضغط الأمريكي وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في (صفر 1370هـ= ديسمبر 1950م) على أن تكون إريتريا تحت سيادة التاج الإثيوبي في اتحاد فيدرالي مع تمتعها بالحكم الذاتي، وقررت الأمم المتحدة تعيين مندوب لها يكفل تنفيذ قرارها لأول مرة في تاريخ المنظمة الدولية، وبذلك حصلت إثيوبيا على منفذ لها على البحر الأحمر.
الاستعمار الإثيوبي
وتم تشكيل جمعية تشريعية منتخبة في إريتريا أقرت الدستور الجديد للبلاد، وعلما خاصا بها، وسلطات قضائية وتشريعية خاصة بها، واعتمدت اللغتين العربية والتجيرينية لغتين رسميتين لإريتريا، وفي (ذي القعدة 1371 هـ= أغسطس 1952م) صادق الإمبراطور هيلاسلاسي على الدستور الإريتري الجديد، ثم صادق على القانون الفيدرالي، وكانت تلك الخطوة الأولى في طريق الاستعمار الإثيوبي لإريتريا، شاركت في تعبيده القوى الاستعمارية الكبرى، وفي مقدمتها بريطانيا التي انسحبت من إريتريا في (25 من ذي الحجة 1371هـ= 15 من سبتمبر 1952) بعدما سلمت كل الممتلكات الإريترية من موانئ ومطارات ووسائل مواصلات إلى الجيش الإثيوبي، ولم تترك للحكومة الإريترية ما يمكن أن تؤسس عليه دولتها الوليدة.
وتشكلت أول حكومة إريترية برئاسة "تدلا بايرو" السكرتير العام لحزب الاتحاد مع إثيوبيا، ولم يستطع هيلاسلاسي أن ينتظر طويلا ليرى تصرف الإريتريين في إطار الفيدرالية، فتعجل في تطبيق مخططه الاستعماري، وأصدر في نفس العام قرارًا يقضي بتطبيق القوانين والنظم الإثيوبية على إريتريا، كما نفذ خطة أخرى لتغيير التركيبة السكانية في إريتريا؛ فسلم الأراضي الخصبة في منطقة "وادي زولا" الإسلامية إلى نصارى الحبشة، وبنى لهم كنيسة وتكرر ذلك في المناطق الأخرى، ثم وقّع معاهدة مع الولايات المتحدة في (شعبان 1372هـ= مايو 1953م) مُنحت بموجبها واشنطن الحق في إقامة قواعد ومنشآت عسكرية على أراضي إريتريا.
واتخذت إثيوبيا مجموعة من الإجراءات التعسفية ضد المسلمين الإريتريين، ولجأت إلى سلاح الدين لخلق الفرقة في إريتريا، فألفت حزبًا سياسيًا من رجال الدين المسيحي تحت رئاسة القس ديمطروس الذي فرضته نائبا لرئيس البرلمان؛ فأثار ذلك غضب البرلمان الإريتري، ووجه إنذارا لإثيوبيا بوجوب إعطاء الضمانات لسيادة الدستور الإريتري، وإلا طالب البرلمان بتدخل الأمم المتحدة.
استبد الغضب بهيلاسلاسي فعزل حكومة تدلا بايرو، وعين مكانه إسفهاولد ميكائيل الذي استخدم أساليب إرهابية ضد الوطنيين، ومنع جميع الأحزاب من العمل، وصاغ نظاما اقتصاديا قائمًا على الإقطاع. وفي عام (1375هـ= 1956م) تم تعديل الدستور بناء على اقتراح حكومي، وألغيت اللغتان الرسميتان العربية والتجيرينية، وحلت مكانهما اللغة الأمهرية، وألغي العلم الإريتري، ونص التعديل الجديد أن يعين رئيس الوزراء الإريتري من قِبل الإمبراطور مباشرة، فقوبلت هذه الإجراءات بغضب شديد، وتبين للإريتريين أن الأمم المتحدة لا تريد أن تتدخل في حل المشكلة الإريترية الذي كان قرار الفيدرالية السبب المباشر في قيامها.
حركة التحرير الإريترية

لم يستسلم الإريتريون لحركة القمع الإثيوبية، وتمكن العمال المهاجرون (1378هـ=1958م) من تأسيس حركة تحرير إريتريا، التي كانت تنظيما سريا يتكون من خلايا تتكون من سبعة أفراد، وكان أبرز قادتها محمد سعيد نادو، وكان شعارها العنف الثوري هو الطريق الوحيد للاستقلال. وبدأت الحركة بتنظيم الخارج من المهاجرين ثم انتقلت إلى الداخل. ونشأت - أيضا - جبهة التحرير الإريترية، وحدث صراع وتنافس قوي بين التنظيمين.
ونشأت جبهة التحرير في عام (1380هـ = 1960م)، وقادها الشهيد حامد إدريس عواتي الذي أعلن الثورة المسلحة للحصول على الاستقلال التام في (ربيع أول 1382هـ= سبتمبر 1961م)، واتسع نطاق الثورة وغطت معظم مساحات إريتريا، وأصبحت حربا قومية في كافة الأقاليم؛ فأصدر الإمبراطور هيلاسلاسي قرارًا في (15 من جمادي الأولى 1382 هـ= 14 من نوفمبر 1962م) ألغى بموجبه الاتحاد الفيدرالي، وأعلن ضم إريتريا إلى إثيوبيا نهائيا، وجعلها الولاية الرابعة عشرة لإثيوبيا.
فشلت إثيوبيا في القضاء على الثورة الإريترية المسلحة، فاتجهت إلى الشعب ومارست معه العنف حتى يبتعد عن مساندة الثوار، فازداد الشعب التصاقا بالثورة التي أصبحت تتمتع بالتأييد الشعبي المطلق، وساعدها على الاستمرار ضعف الوجود العسكري الإثيوبي في إريتريا، وطبيعة التضاريس التي تساعد على حرب العصابات وتعوق تقدم الجيوش النظامية، وانضم إلى الثورة كثير من رجال الجيش والشرطة من الإريتريين.
انشقاقات وانشقاقات

كانت المشكلة التي تواجه الثورة الإريترية تكمن في تناحر قياداتها، والتوجهات اليسارية التي تسللت إلى الثورة بعد سنوات قليلة من تأسيس جبهة التحرير، فكان اليساريون والماركسيون وراء كل انشقاق وكل شرخ يحدث في صف الوطنيين؛ فالجبهة الشعبية لتحرير إريتريا تشكلت عام (1389هـ= 1969م) بعد انشقاقها على الجبهة الأم، وكان من زعمائها أسياس أفورقي وكانت توجهاته ماركسية.
وتوسعت هذه الجبهة الشعبية لتصبح أهم منظمة تحريرية في البلاد، ثم انشق أفورقي عن القيادة العامة، وشارك في تأسيس "قوات التحرير الشعبية"، وحدثت حرب أهلية بين هؤلاء الثوار انتهت عام (1394هـ= 1974م) وبعد عام عقد مؤتمر الخرطوم بين هذه الفصائل المتناحرة، لكن هذه الاتفاقية لم تصمد طويلا، بل كانت سببا في انشقاقات أخرى، وأعلن أفورقي وأنصاره من المقاتلين رفضه للوحدة الفوقية التي تمت في اتفاق الخرطوم.
وفي (صفر 1397هـ= يناير 1977م) انشق أفورقي عن قوات التحرير الشعبية، وأعلن تشكيل "الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا"، وعكس هذا الانشقاق الجديد انقساما ثقافيا؛ فأفورقي ذو توجهات يسارية مع كونه من أبناء الطائفة النصرانية، واستطاعت هذه الجبهة تصفية الانشقاقات الأخرى، وانفردت بالساحة في إريتريا.
انقلاب إثيوبيا.. مراهنات خاسرة
عام (1394 هـ= 1974م) تغير نظام الحكم في إثيوبيا بعد المجاعة، وتولى عسكريون ماركسيون بزعامة "مانجستو هيلاماريام" مقاليد السلطة، وراهنت الجبهة الشعبية على تحقيق تفاهم ما مع النظام الجديد نظرا للتقارب الفكري بينهما، وتمت لقاءات بين الجانبين تحت رعاية الاتحاد السوفيتي وألمانيا الشرقية، لكنها لم تتوصل إلى شيء واستمرت مقاومة الاستعمار الإثيوبي.
وسجلت تقارير حقوق الإنسان في تلك الفترة من نظام مانجستو أنه يمارس حرب إبادة ضد مسلمي إريتريا، ويعمل على تغيير هويتهم نحو الشيوعية باتباعه سياسة الأرض المحروقة وتسميم الآبار ومصادرة المواشي والقضاء على أية إمكانات للبقاء على الأرض؛ فقام الإريتريون بتوحيد جهودهم وصفوفهم عام (1399هـ= 1979م)، وخاضوا حرب تحرير مريرة لتحقيق الاستقلال حققت خلالها انتصارات كبيرة وأرهقت نُظُم مانجستو.
التحرير بعد 30 عامًا
وتحالفت الجبهة الشعبية بزعامة أفروقي مع المعارضين الإثيوبيين بزعامة ميلس زيناوي تحت رعاية الإدارة الأمريكية في مؤتمر عقد بلندن نسق له وليام كوهين مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية، وذلك لإسقاط نظام مانجستو، وانتهى المؤتمر باتفاق رعته واشنطن يقضي باعتراف إثيوبيا بحق تقرير المصير للشعب الإريتري على أن يختار بين الوحدة والانفصال، مقابل أن يلتزم أفورقي بدعم زيناوي في سعيه للتغلب على مناوئيه السياسيين وتولي السلطة، وأن تسمح إريتريا عندئذ باستخدام إثيوبيا ميناء عصب وكذا مصوع للأغراض التجارية.
ونجح الطرفان في إسقاط مانجستو، وتولى زيناوي حكم إثيوبيا، وأعلن استقلال إريتريا في (1 من ذي القعدة 1411هـ= 25 من مايو 1991م)، وتشكلت حكومة مؤقتة أجرت استفتاء عاما على الاستقلال تحت إشراف الجامعة العربية والأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية، وجاءت نتيجته 99% للاستقلال؛ فأصبحت إريتريا دولة مستقلة ذات سيادة في (1 من ذي الحجة 1413هـ= 23 من مايو 1993م)، ثم انتخب أسياس أفورقي رئيسا للبلاد.
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !