لم تصمد حكومة حزب العدالة والتنمية كثيراً أمام اخفاء نفسها الطائفي حتى كشفت النقاب عنه وعن توجهها الحقيقي أزاء العراق، بعد أن بقيت تقول لاعوام منصرمة: إن العراق دولة جارة ومن الضروري إقامة علاقات قوية ومتينة معها على أساس المصالح المشتركة، وإنها لا تتدخل في شؤونه الداخلية، ولا تدعم طرفاً على حساب طرف آخر،
ان المواقف الأخيرة التي تبنتها حكومة اردوغان تكشف عن عدم مصداقيتها في التعامل مع القضايا الاقليمية، سيما انها فشلت فشلاً ذريعاً في ايجاد موطئ قدم لها في القضية السورية، ما دفعها ذلك للبحث عن دور آخر في المنطقة لا سيما إن العراق أرض خصبة لإذكاء النعرات الطائفية وعدم الاستقرار الأمني حسب ما يراه اردوغان وحسب ما يصوره له بعض قادة الكتل السياسية العراقية الذين يجوبون دول المنطقة لاستجداء الدعم المالي والمعنوي وتشويه صورة العراق الديمقراطي الجديد على أسس ومنطلقات طائفية وقومية، ويبدو إن أنقرة اليوم قد دأبت بالكذب على نفسها مراراً وتكراراً، من أجل أن يصدقها القاطنين على أديمها والآخرين من شعوب العالم، حتى وصل بها الأمر إلى أن تصدق ذلك الكذب أو ذلك الحلم الذي مفاده: إن أمجاد الامبراطورية العثمانية من الممكن أن تعود وإن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، وإنها من الممكن أن تستعيد بعض الأراضي التي سلبتها آنذاك من بعض الدول التي استعبدت شعوبها وأذاقتها الويل والمرارة على أيدي السلاطين، ويبدو أيضاً أن طريقة حكم السلاطين لا زالت تسري بعروق الدولة الحديثة التي سبقها العديد من التحولات والانقلابات وعدم الاستقرار, وصولاً إلى الحزب الحاكم الذي يعمل على المزاوجة بين الدين، والعلمانية والانفتاح الأوربي, ما يمثل الحداثة من جهة وبين المحافظة على ارث السلطنة ما يمثل الأصالة من جهة أخرى،
أن واقعية المؤشرات تشير إلى ان الدور التركي الحالي في المنطقة هو دور نيابة وليس دور أصالة يؤديه ذلك الرجل المريض الحالم بعودة الامبراطورية المشيدة على انقاض التخلف والمرض وسفك الدماء، وإن هذا الدور مدفوع الثمن مقدماً على شيكات الطائفية المقيتة من مصارف تمويل الحروب الأمريكية الساعية إلى تشويه صورة الإسلام المحمدي والتي تتظاهر بأنها الدولة الإسلامية الحقة،
قبل أشهر انبرى الحالم الواهم اردوغان بتصريحات تثير السخرية أزاء الوضع العراقي وأخذ بحشر أنفه في وضعه الداخلي وكأن العراق ولاية عثمانية وبعد شد وجذب عاد ليؤكد إن العراق سيلعب دور كبير في المنطقة وحسم قضاياها لما يمثله من ثقل سياسي وجغرافي، وها هو اليوم يطل من جديد بتصريحات أخرى تدل على نفسه الطائفي الذي طالما أخفاه ونفاه، إن المتتبع للشأن السياسي يرى إن التخبط والأزدواجية هي السمتان الأبرز للسياسة الخارجية التركية، وهذا واضح جلياً بمواقف أنقرة أزاء العديد من دول المنطقة لا سيما العراق وسوريا، فتارة تراها تعلن إنها عازمة على تصفير مشاكلها الأقليمية على لسان وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو، وتارة تجدها تفتعل الأزمات، نيابة عن دول لا تقوى أن تكون في الواجهة، ولكم تمنيت أن تهتم تركيا بمشاكلها الداخلية وتعمل على إعطاء الأقليات حقوقها وأن تذيب جليد النزاع مع حزب العمال الكردستاني بدل من لعب دور الوصاية على دول المنطقة.
اعتقد ان أبناء عثمان قد صدقوا ما يسوقوه من دراما تلفزيونية وانهم يستطيعون تنظيف وضعهم الداخلي المخترق من قبل مخابرات دول العالم وإن علمدار بإمكانه ايصالهم إلى بر الأمان وشاطئ الامبراطورية المنشودة، ما يتطلب انتاج آلاف الأجزاء من هذا المسلسل وصولاً إلى الذروة.
التعليقات (0)