يحيي البوليني 16-09-2011
ولكن العلمانيين أدركوا خطورة قدوم من يحمل فكرة إسلامية – حتى لو كانت منقوصة غير كاملة – وأدركوا أنهم أمام خطر داهم ربما يهدد ما يطالبون به من علمانية البلاد , وأدركوا أيضا خطورة أن تتم المقارنة بين مصر وتركيا , فتركيا العلمانية التي ظلت ثمانين عاما على علمانيتها وتأخرها وتخلفها ولم تتقدم إلا في وجود حكومة تقترب من الفكرة الإسلامية حتى وإن كان مقرة بالالتزام بعلمانية الدولة .
جسدت مواقف وآراء وكلمات رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان للمسلمين عامة وللمصريين بوجه خاص , جسدت موقف الزعيم المسلم الذي تنتظره ليحقق لها آمالها وطموحاتها السياسية والشعبية .
وجاء موقفه الأخير ليرفع كثيرا من أسهمه حينما طرد السفير الإسرائيلي وسحب سفيره من إسرائيل وقصر التمثيل الدبلوماسي بينهما على الدرجة الثالثة مهددا بعقبات اكبر أمام إسرائيل في مياه البحر المتوسط , وذلك عقب الرفض الإسرائيلي للاعتذار عن مقتل الأتراك التسعة في سفينة متجهة إلى غزة , وكان هذا الموقف الأكثر صلابة بالمقارنة بالموقف المصري تجاه إسرائيل الذي لم يكن بالقدر الذي يرضى أغلبية الشعب المصري .
وما زاد من شعبية أردوغان في الوطن العربي كونه زعيما تركيا من بلد الخلافة التي حملت لواء الإسلام قرابة الثمانية قرون ويحمل عند المسلمين عبق آخر الخلفاء السلطان عبد الحميد الثاني الذي رفض بيع فلسطين لليهود .
ولذا كانت زيارته للقاهرة تسمو عند المصريين عن كونها مجرد زيارة رئيس وزراء لبلدة أوروبية , ولهذا خرجت أعداد من الشعب المصري لاستقباله في موقف لم يحدث منذ زمن طويل عند الترحيب بقدوم ضيف على جمهورية مصر العربية .
ولكن العلمانيين أدركوا خطورة قدوم من يحمل فكرة إسلامية – حتى لو كانت منقوصة غير كاملة – وأدركوا أنهم أمام خطر داهم ربما يهدد ما يطالبون به من علمانية البلاد , وأدركوا أيضا خطورة أن تتم المقارنة بين مصر وتركيا , فتركيا العلمانية التي ظلت ثمانين عاما على علمانيتها وتأخرها وتخلفها ولم تتقدم إلا في وجود حكومة تقترب من الفكرة الإسلامية حتى وإن كان مقرة بالالتزام بعلمانية الدولة .
وبالفعل تم وضع شرك لأردوغان يضعه بين فكي رحى , بين مصداقيته أمام العرب والمسلمين وبين الدستور الذي استمد منه شرعيته , وتُرك لهذا الشرك الذي لم يستطع أن يتخلص منه بسهولة وظهرت تأثيراته مباشرة بعد ردوده .
ففي أحد أهم الأسئلة التي تمت استضافة أردوغان من أجلها على قناة دريم المصرية مع الإعلامية منى الشاذلي المعروفة بتوجهاتها العلمانية , فسألته عن العلمانية والدستور للاستفادة في مصر من تجربته فأجاب مدافعا عن العلمانية مزينا لها وداعيا إليها الشعب المصري فقال " أدعو المصريين إلى وضع الدستور استنادا إلى مبادئ الدولة العلمانية , فالعلمانية لا تعنى دولة اللادين ، بل تعني أن تحترم وتقف الدولة على مسافة واحدة من كل الأديان، فالأشخاص ليسوا علمانيين لكن الدولة ستكون علمانية ، ثم أردف قائلا "لا تقلقوا من الدولة العلمانية وأتمنى وجود دولة علمانية في مصر".
وهنا ظهر الابتهاج على وجه المذيعة التي حصلت على ما هو أكثر مما تمنت أن تحصل عليه , فقد جعلت الرمز الإسلامي للنموذج الذي يطلبه بعض الإسلاميين يدعو المصريين معها ومع غيرها من العلمانيين لعدم الخوف من العلمانية , فبات الإسلاميون المبتهجون بقدومه إلى مصر بخيبة أمل كبيرة في الرجل الذي انتظروه طويلا .
وظهر الابتهاج كذلك بعد هذا اللقاء على باقي العلمانيين ومن تبعهم , وكثرت التعليقات الداعية للعلمانية وعدم تضادها مع الإسلام على القنوات الفضائية وعلى مواقع الانترنت استنادا لكلمات أردوغان نتيجة للشرك والموقف الصعب الذي أوقعته فيه منى الشاذلي والعلمانيون , إذ جعلوه في موقف مصادمة بين شرعيته هو في بلده كرئيس للوزراء في دولة ينص دستورها على العلمانية , ويقسم رئيس وزرائها بأن يحافظ على علمانية الدولة , وبين الإسلاميين الطامحين في تقديمه كنموذج إسلامي يستطيع أن ينهض بالأمة على نهج الإسلام .
وكان لابد على جماعة الإخوان - كغيرها من فصائل الإسلاميين - أن ترد على تصريحاته تلك وتم وضعهم في موقف تصادمي مع أردوغان الذي كان من المفترض أن يكون لقاؤه دعما لهم لا مصادمة , فقال المتحدث باسم الجماعة الدكتور محمود غزلان في تصريحات صحفية إن تجارب الدول الأخرى لا تستنسخ ، وأن ظروف تركيا تفرض عليها التعامل بمفهوم الدولة العلمانية ، معتبرًا نصيحة رئيس وزراء تركيا للمصريين تدخلاً في الشئون الداخلية للبلاد. "
وهكذا وقع الصدام وأصبح الإسلاميون كما يفضلون دائما أن يكونوا في موقف رد الفعل لا في موقف المبادأة والفعل .
يحتاج الإسلاميون في مصر أو في العالم الإسلامي إلى دروس كثيرة في كيفية قراءة الأحداث والتفاعل معها بدلا من انتظار الحدث دائما واتخاذ رد الفعل على الدوام , فصاحب رد الفعل غالبا خاسر
التعليقات (0)