17-09-2011 يحيي البوليني
ودافع أردوغان عن العلمانية دفاعا مستميتا داعيا الشعب المصري إلى عدم التخوف منها كمنهج فكري وأكد في تونس أنها لا تعارض بينها فكريا وبين الإسلام - وفقا لما يفهمه - . وهذا القول مخالف تماما للحقيقة , إذ يبتعد كثيرا عن حقيقتي الإسلام والعلمانية معا , إذ لا يمكن أن يكون هناك التقاء فكري بينهما , فهما يُقدمان دائما كبديلين متعارضين تماما , إذ تختلف بينهما الأصول والفروع والمبادئ والتفصيلات .
تحولت زيارة أردوغان لمصر ثم لتونس من مجرد زيارة لمسئول رفيع في تركيا لدولتين عربيتين إلى مادة مثيرة للجدل الشديد والانتقاد اللاذع نظرا لما تضمنته من تصريحات لأردوغان يروج فيها للنموذج التركي العلماني داعيا شعبي مصر وتونس السائرين لتعديلات دستورية لتبني النموذج التركي .
ودافع أردوغان عن العلمانية دفاعا مستميتا داعيا الشعب المصري إلى عدم التخوف منها كمنهج فكري وأكد في تونس أنها لا تعارض بينها فكريا وبين الإسلام - وفقا لما يفهمه - .
وهذا القول مخالف تماما للحقيقة , إذ يبتعد كثيرا عن حقيقتي الإسلام والعلمانية معا , إذ لا يمكن أن يكون هناك التقاء فكري بينهما , فهما يُقدمان دائما كبديلين متعارضين تماما , إذ تختلف بينهما الأصول والفروع والمبادئ والتفصيلات .
قد يمكن للعالم الإسلامي أن يتفهم أن العلمانية متجذرة في تركيا منذ ألغيت الخلافة عام 1924 م وقيام الدولة على أساس علماني , وأيضا يمكن أن يتفهم أنه لا يمكن ممارسة العمل السياسي في تركيا والوصول لأي منصب سياسي أو تنفيذي إلا بعد الإقرار بها كمنهج , وأيضا يمكن أن يتفهم أن هناك قوى متربصة في تركيا لا تسمح للعمل الإسلامي بالظهور إلا اصطبغ بصبغة علمانية – وهذا ما فعله أربكان ومن بعده تلميذه أردوغان – ويمكن أيضا للعالم الإسلامي أن يتفهم دفاع أي مسئول تركي عن النموذج العلماني في تركيا باعتبار مراعاة لخصومه السياسيين في بلاده , ولكن لا يمكن للعالم الإسلامي مطلقا أن يتفهم أو يتقبل أن يفرض أي مسئول تركي العلمانية كبديل أو كمنهج حياة على البلاد العربية والإسلامية .
إن الوضع التركي الذي تعتبر فيه العلمانية والقبول بها نوعا من الاضطرار أو ممارسة الواقع للحصول على أفضل المكاسب لا يتناسب مطلقا مع الواقع المصري أو التونسي أو العربي إجمالا , إذ تعتبر الفكرة الإسلامية هي الثابتة والأساس الذي تقوم عليه الدساتير العربية والإسلامية : وهو أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع , بالإضافة إلى أن الشعوب العربية تختلف تماما في تقبلها للفكرة الإسلامية عن الشعب التركي الذي تمت محاولة تغريبه وطمس هويته الإسلامية وإدماجه في المجتمعات الأوروبية بثقافاتها وأفكارها وتصرفاتها المختلفة كلية عن الشعوب العربية .
إن أحكام الفقه الإسلامي وأحكام السياسة الشرعية الإسلامية التي قد تتقبل العمل ببعض الأطروحات والأفكار في حال الاضطرار – والذي لا يمكن إطلاقا أن يأخذ صفة الحل أو الاستحباب فيظل يُعمل به على الكراهة ويحل بقدر الحاجة إليه فقط - لتختلف تماما عن الأحوال التي لا يمكن فيها القبول بنفس الشئ في حال عدم الاضطرار إليه , فالعلمانية التركية والقبول بها بالنسبة للعاملين في الحقل الإسلامي التركي – إن صلحت نيتهم لذلك – نوع من الاضطرار , يغترفون منها غرفة بيدهم فقط , ولا يمكن أن تباح لشعوب مسلمة ما تغيرت عن مبادئها وأفكارها وتعتبر العلمانية جسما دخيلا تلفظه لعدم انسجامه مع الجسد الإسلامي الذي لا يمكنه أن يتقبل بها كفكرة أونظام .
والعلمانية المصرية أو التونسية ليست بجديدة على الشعبين فهي التي تحكم منذ عقود ولا ينتظر الشعبان أردوغان أو غيره لكي يأتي للترويج لها مبشرا بها كنظام يخلص الشعوب من مشاكلها , فهل كان نظام العسكر في مصر بعد ثورة 1952 إسلاميا ؟ أم كان نظام بورقيبة ومن بعده ابن علي إسلاميا , بل كانا علمانيين حتى النخاع , ورغم ذلك جرا على الشعبين كل الويلات التي ذاقاها من فقر وجهل ومرض وتخلف وابتعاد عن الإسلام وإظهار للمنكرات ورفعا للأقزام وتقزيما للشرفاء وصدا عن دين الله ومحاربة لكل ما يقرب الأمة من دينها ومن كتابها .
فهل يمكن للشعوب المسلمة أن تصدق أردوغان الذي قدم نفسه إليها كمبشر بالعلمانية ؟
إن هذا النموذج التركي الذي استحسنه بعض الناس كنوع من التغيير للأفضل لصورة تركيا بدلا من الانغماس في العلمانية ومحاولة الدخول في القارة الأوروبية قلبا وقالبا لا ينطبق بأي حال على الشعوب المسلمة التي تتوق إلى بديل إسلامي ترضي فيه ربها وتحقق فيه مبادئ دينها كما تنص عليه دساتيرها التي أجمعت عليها في كل الاستفتاءات .
التعليقات (0)