عبـد الفتـاح الفاتحـي
أفادت مصادر إعلامية أن الدول المغاربية المغرب والجزائر وتونس قد شرعوا في دراسة مشاريع إنتاج الحامض الفوسفوري، واستخراج اليورانيوم من الفوسفات. ويأتي هذا التعاون الاقتصادي في محاولة لاستغلال إمكانياتهم، حيث يتبؤون مراتب متقدمة عالميا في هذا المعدن.
ويرى خبراء اقتصاديون أن إمكانيات هذه البلدان في مجال الاستثمارات في صناعة المواد الفوسفاطية سيوفر لهم عائدات مالية مهمة، خاصة بعد أن سجلت أسعار الفوسفاط الخام والمصنع ارتفاعات هامة خلال السنوات الأخيرة. وهو ما يجعل المغرب والجزائر وتونس مدعويين إلى استغلال ارتفاع أسعار هذا الأخير عالميا، من أجل رفع حجم الصادرات نحو أوروبا.
ويرجع المراقبون قفز أسعار الفوسفاط إلى مستويات قياسية، ناتج إلى تزايد الطلب على المنتوجات الغذائية التي تحتاج إلى استثمارات عالمية جديدة في مجال الأسمدة. وفي السياق تبدوا أن دراسات جدوى إقامة مشاريع استثمارية مشتركة بين المغرب والجزائر وتونس سالكة في المستقل، خاصة في مجال صناعة الأسمدة.
ويرى خبراء اقتصاد مغاربيون أن التفكير في استراتيجية تجارية وإنتاجية بالنسبة لتدبير قطاع الفوسفاط مغاربيا من شأنه أن يقوي استغلال الفرص التجارية من ولوج الأسواق في وقت ارتفعت فيه أسعار الفوسفاط إلى سعر 160 دولار للطن، وتقوية الطاقة الإنتاجية أيام تراجع أسعار مواده الخام بإنتاج الأسمدة التي يصل سعرها إلى 400 دولار للطن عالميا.
ويذكر المركز العربي للإعلام أن أسعار الفوسفات تضاعفت ثلاث مرات عالميا من 40 دولارا للطن سابقا إلى 160 دولارا للطن حاليا في البورصة العالمية، كما ارتفع سعر الأسمدة الفوسفاتية إلى حد 400 دولار للطن الواحد، ما يحرك أطماع الدول المغاربية لرفع إيرادات العملة الصعبة من هذا المعدن، خصوصا وأنها تملك إمكانية تطوير شعبة الصناعات الفلاحية وبإمكانها استغلال عامل الأزمة العالمية لجلب الخبرة الأجنبية، من أجل الاستثمار في مجال الأسمدة بما أنها تمتلك المعدن والموارد الأولية وظروف الانتاج.
إن الارتفاع الصاروخي في أسعار الفوسفاط إلي 160 دولار، سيمكن الدول المغاربية إذن من خيارات متعددة لبيع منتجاتها حسب اعلى عائد فمثلا قد تبيع حامض الفوسفوريك أو صخور الفوسفات... وهي تتكيف مع استمرار أسعار الفوسفاط الخام في الأسواق العالمية.
ولعل ذلك ما يفسر حسب بعض المراقبين معاودة البلدان المغاربية الاهتمام في تبني استراتيجية جديدة لتطوير استخراج الفوسفات، يعدما تأكد استمرار مزيد من الطلب على الأسمدة الكيماوية لأغراض الزراعة، مما يرجح تضاعف أثمان أسعار الفوسفاط في الأسواق العالمية.
وتدرس حاليا كل من الجزائر، تونس، والمغرب الفرص المتاحة لزيادة إنتاج الفوسفات ورفع حجم الصادرات منه إلى أوروبا على وجه الخصوص، لضمان عائدات إضافية بالعملة الصعبة، كما تدرس أيضا إمكانية تزويد أسواق عربية أخرى بذات المعدن، على غرار مصر التي تعتبر من أكبر مصدري الأسمدة المستخرجة من الفوسفات، وكذا دول القارة الأمريكية، كما هو الشأن بالنسبة للجزائر التي وقّعت على اتفاقية تزويد سوق الأرجنتين بالفوسفات، وهي من الدول الكبرى المنتجة للأسمدة.
والجدير بالذكر أن المغرب يسعى من خلال إقامة شراكة مع الجزائر وتونس أن تنسق جهود تطوير استثمارات الفوسفات داخليا، والاستثمار في استخراج الحامض الفوسفوري والأسمدة الأخرى، واليورانيوم، وذلك وفق ما ناقشه خبراء هذه الدول رفقة خبراء من فرنسا، ألمانيا وفنلندا، خلال ندوة شركة “فوسفات قفصة” التونسية مؤخرا، لا سيما وأن النشاط المنجمي رئيسي في هذه البلدان، التي ركزت على المناجم السطحية وأغلقت عددا من الأنفاق سابقا، غير أن ارتفاع سعر الفوسفات فتح الشهية مجددا، حيث تستغله المغرب لمواجهة أزمة النسيج، والجزائر للخروج من دائرة المحروقات، وتونس تجرب حظها خارج السياحة، وهي مؤشرات التغلب على أحادية التصدير والإيرادات الخامة، وترجح أيضا كفة الميزان التجاري مع الاتحاد الأوروبي لهذه الدول.
ويتزامن الإعلان عن الإعداد لمشاريع مشتركة بين المغرب والجزائر وتونس للاستثمار في الصناعات الفوسفاطية إلى إعلان المغرب عن رغبته في نقل خبرته إلى خارج المغرب عبر بناء مركبات فوسفاطية في جميع أنحاء العالم، وهذا ما يؤشر عليه الاتفاق الذي أبرم مع ليبيا والذي تصل قيمته إلى أكثر من مليار دولار.
ويرى خبراء اقتصاديون أن المغرب مجبر على الدخول في شراكات استثمارية لتركيز دوره كفاعل استراتيجي في السوق العالمي وربح معركة توسيع حصته في السوق العالمي الذي ستشتد فيه المنافسة في أفق 2020، لكونه في حاجة جد ماسة لبلوغ رهاناته إلى تجديد الآليات الإنتاجية التي تقادمت بنسبة 85 في المائة، بحسب ما أعلنه مسؤولو المكتب المغربي الشريف للفوسفاط.
وأنه مطالب باستقطاب العديد من الشركاء كي ينجزوا معه استثمارات مباشرة، حيث يوفر المغرب عروضا مغرية للاستثمار في مناطق إنتاج الفوسفاط. في وقت تشير فيه عدة تقارير بأن مجموعة من الشركات من آسيا وأمريكا اللاتينية التي يبلغ عددها أزيد من 20 شركة تواصل التفاوض مع المكتب المغربي للفوسفاط لإقامة مشاريع استثمارية بمنطقة الجرف الأصفر، الذي يسعى المغرب لجعله أضخم قاعدة للصناعات الكيماوية بالعالم وبرامج للنهوض بتنافسية قطاع تحويل الفوسفاط، وذلك عبر غلاف استثماري يناهز 11 مليار أورو بحلول سنة 2020.
ومعلوم أن المكتب المغربي الشريف للفوسفاط قد أعلن خلال أسابيع قليلة عن خطة جديدة لنقل الفوسفاط بواسطة أنابيب من مدينة خريبكة إلى الجرف الأصفر ومن مدينة بنكرير إلى آسفى. وقد برر الاستعاضة عن قطارات المكتب الوطني للسكك الحديدية بالأنابيب لتخفيض التكاليف التي يعتبرها مرتفعة مقارنة بمنافسيه في السوق الدولية.
ويتوفر المغرب على ما بين 50 و70 في المائة من الاحتياطي العالمي، أي حوالي ألف عام من الإنتاج، ويسعى إلى رفع الإنتاج من 30 مليون طن حاليا إلى 55 مليون طن في السنة مستقبلا، عبر فتح مناجم جديدة. وهو ما يجعله يحتل الريادة في السوق العالمي، باعتباره ثالث منتج بعد الصين والولايات المتحدة وأول مصدر في السوق بحصة نسبتها 31،6 في المائة وصاحب أكبر احتياطي من الفوسفاط في العالم.
وتملك الجزائر مخزوناً مهماً من هذه المادة، يُقدر ببليوني طن، لكن لم تستثمر بكميات تجارية بعد، وهي بذلك تحتل المركز الـ 6 عالميا، وراء كل من الصين، الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، المغرب وتونس، وتملك احتياطي يقدر بـ 2 مليار طن.
وكانت عدة مصادر قد أعلنت أن الجزائر تقوي حظوظها لدخول نادي الفوسفاط العالمي، وذلك بعزمها في إحداث مركب لصناعة وتحويل المواد الفوسفاطية بالمغرب العربي على مساحة 450 هكتار تقع بولاية قالمة شرق الجزائر. وهو ما تأكد بحلول عدد من الخبراء والمهندسين يمثلون الشركة الباكستانية «شيميكال أوف باكستان» لتركيب هياكل المركب وتهيئة الأفران لاستقبال الفوسفاط الخام في متم سنة 2010.
ويتزامن القرار الجزائري بدخول غمار إنتاج وتحويل الفوسفاط الخام مع ظرفية اقتصادية دولية حساسة تتميز مع بداية انتعاش سجلها سعر المادة ومشتقاته بالأسواق الدولية خلال السنتين الأخيرتين بعد فترة ركود عانى منها على الخصوص المغرب وهو ما يبرر التبريرات الاقتصادية والسياسية المقترحة لتفسير الخطوة الجزائرية.
هو ما يحفز الجزائريين على وضع خطة لتطوير القطاع وشجّع التونسيين على إطلاق مفاوضات مع مجموعات ألمانية وفنلندية لمعاودة استثمار منجم «سراورتان» في محافظة الكاف الشمالية، بعد أعوام من إقفاله بسبب ضعف مردوده التجاري.
وفي تونس، ارتفعت الإيرادات من صادرات الفوسفات إلى 1.5 بليون دينار تونسي (1.2 بليون دولار) العام الماضي، تشكل 12 في المئة. وأفادت ندوة علمية نظمتها «شركة فوسفات قفصة» التونسية الحكومية، بمشاركة خبراء من الجزائر والمغرب وتونس وألمانيا وفرنسا وفنلندا، بأن تصنيع الأسمدة الكيماوية يضاعف من القيمة التجارية للفوسفات، في ظل تزايد الطلب على المنتوجات الزراعية.
ويُشغل القطاع حاليا في تونس 4300 عامل ومهندس (إضافة إلى آلاف فرص العمل غير المباشرة)، وكان عددهم تجاوز 7000 في تسعينات القرن الماضي، قبل انهيار أسعار الفوسفات العالمية.
وتسعى دول المغرب الثلاث إلى زيادة حجم الصادرات من الحامض الفوسفوري والأسمدة المصنّعة الأخرى، لتحسين الميزان التجاري مع الإتحاد الأوروبي (شريكها التجاري الرئيس) لمصلحتها، وللتعويض ولو جزئياً عن ارتفاع أسعار المحروقات التي تشكل عبئاً على موازينها التجارية، وتدرس إمكان استخراج اليورانيوم من الفوسفات.
التعليقات (0)