مواضيع اليوم

اخرج من جحرك العقلي

soshan mas

2011-07-16 10:08:06

0

 الجحر العقلي هو شبكة مفاهيمية ضيقة نضع فيها أنفسنا لكي نبني العالم و بالتالي تصبح كما يحدث للحيوانات ,وقاء من أي شيء يبدو تهديداً في الوقت نفسه تصبح أيضاً أداة لتبرير الفشل . 

و حالة الحياة هنا تشبه كراساً ضخماً للرياضيات كل مربع صغير فيه يمثل نموذجاً للواقع أعني جزءاً ضئيلاً من الواقع الكلي . 
إن ضيق حدود هذا الجزء الصغير جداً يساعدنا على الالتجاء في حيِّز عقلي مألوف لدينا و يجعلنا نشعر بالراحة و يمنحنا إحساساً مهدئاً لكوننا بأمان و أن كل شيء تحت السيطرة و نتيجة لذلك نغفل أي واقع مهما كان خصباً لا يتطابق مع خريطتنا المفاهيمية الضئيلة . يؤثر أسلوب الحياة هذا الشبيه بالشبكة على الأكثرية الساحقة من الجنس البشري لأن الطبيعة المصغرة للحيز العقلي التي يشغلها المرء تمنح إحساساً اصطناعياً بالقوة و الهدوء مع أنها في الوقت نفسه تسبب الخوف من تجاوز حدودها .

إن المساحة المفاهيمية التي نشغلها صغيرة جداً إلى حد تمنحنا فيه إحساساً بزيادة أهميتنا الشخصية لأننا ندرك أن الأنا عندنا تشغل معظم الحيّز النفسي حولنا أي الشبكة التي نخلطها خطأ بكامل العالم . 
و يحملنا الخوف من المجهول على التمسك بمناطق نفوذنا الصغيرة التي نظن فيها أننا نمارس الحياة و لكن ليس أكثر من حركة ضمن خريطتنا العقلية الخاصة التي كانت قد وُضعت وفقاً للصراعات و الرغبات و المخاوف التي تؤثر علينا لا على قوة الواقع الحقيقي . 
الحالة هنا كما لو كان كل فرد يعاود تكوين العالم بالنسبة لمنطقة نفوذه الخاصة ضمن حدود تفكيره الخاص لكي يتحكم بالقوى التي تكونه حتى و لو كان هذا في الخيال فقط . 
تسبب هذه المناورات نوعاً من قصر النظر المعرفي و العاطفي الذي يقلص و يحدد فرص نجاحنا و رخائنا و سعادتنا و في الوقت نفسه يحد من القدرة المفاهيمية عند المرء و يفسدها لأنه يخلط عادة واقعه الداخلي بالخارجي . و بهذه الطريقة يطلب من الناس أن يعاملوه وفقاً لمدى الأهمية التي يظن أنه يتمته بها و يبهره الامتداد الظاهري لأناه و هو وهم يستمده من الحيّز العقلي الضئيل الذي يقيد ذلك الامتداد و يضع حداً له , مما يسبب بالمقابل إحساساً خادعاً بعظمة هوية المرء الخاصة و هكذا يحدث أن كل فرد يعيش في واقع افتراضي بكل معانيه , محروماً من معرفة الحياة كما هي فعلاً , رافضاً الامتثال للهدف التربوي الذي تحمله الحياة للناس و يحبطه في هذه الحالة ضيق الأفق. 

إن هدف الحياة هو النمو و التطور الفردي و هو الشكل الأكثر عمقاً للأخلاق المتسامية و التهرب من هذا الواجب يعني ضمناً الهجوم على النظام التطوري للطبيعة .
إن الانفتاح عقلياً على واقع أوسع و اكثر عمقاً هو واجب أخلاقي و روحي لأنه إذا لم نفعل ذلك فإننا نحبط ارتقائنا و نعطل الإمكانية الإنسانية الضخمة التي نحملها في داخلنا و بهذا نحرم المجتمع من إسهام مهم هدفه مشاطرة الآخرين هذه الثروة . 
العالم مليء بالأفراد المعوقين عقلياً الذين كان يمكن أن يكونوا عمالقة لو تجرؤوا أن يخرجوا من جحورهم العقلية التي فيها يلتمسون الخلاص . 
يتجلهل الناس القدرات الحقيقية للعقل و الوعي الإنسانيين حتى أنهم لا يستطيعون تقييم مدى حدودهم التي ربما تتيح لهم توافقاً سلبياً مع أنماط حياتهم . 
إن أي شيء لا يتطور يتحجر أو يتحطم . و لكن يجب أن نحذر من أن نخلط بين الارتقاء و العصرنة لأن العصرنة كثيراً جداً ما تكون مجرد شكل معقد للبربرية . 
فالقواعد الأخلاقية الحقيقية ليست أوامر اعتباطية أو نزوية , و لا هي مجرد محظورات أو توصيات و لكنها التكيف الواعي المتناسق للإنسان مع الطبيعة التي تحتويه و تكيفه . و نحن نعي فقط أكثر قواها بدائية أو فظاظة أو خشونة كالمطر و الأعاصير و النشاطات البركانية و التمثيل الضوئي و قوانين الفيزياء الموجودة اليوم و على العكس لا نعرف سوى القليل عن قوانينها التي يصعب اكتشافها بسبب مراوغتها , و لكنها تقوم بوظيفتها حتى و إن كنا لا نؤمن بها فإمكانيات المغنطيسية و المجالات الكهربائية كأساس للحياة و التجربة في حالات الوعي الأعلى و التغذية الراجعة للعلة و المعلول بين الإنسان والطبيعة , و وجود طاقة أسرع من الضوء و تكوين جوهر وسيط بين المادة و الطاقة كلها أشياء واقعية أكثر عمقاً سوف يسلِّم بها العلم يوماً و ربما تأتي اللحظة التي فيها تصبح الأخلاق و الأخلاقية كما يجب أن تكون – علم العيش بحكمة . 
و لهذه الغاية يجب على الإنسان أن يبدأ الخطوة الأولى : أن يهجر البيضة المثالية الضيقة التي يختبئ بها و أن يخرج منها ليخبر الحياة بعيداً عن معتقداته الخرافية فالعالم ينقسم بين دوغماتي و شكوكي . و في نظرية المعرفة نفهم الدوغماتية في المقام الأول على أنها حالة الواقعية البسيطة التي لا تسلم فقط بإمكانية معرفة الأشياء في جوهرها الحقيقي بل أيضا معرفة فعالية هذه المعرفة في الحياة اليومية . 
و الشكوكية مذهب فلسفي للمعرفة يؤكد على عدم وجود معرفة ثابتة و لا يمكن أن يكون هناك أي رأي مؤكد بصورة مطلقة . 
يتعرض الإنسان في الحياة اليومية إلى الانسلاب بالمعتقدات من كل الأنواع حيث يثق بعض الناس على نحو أعمى بمعتقداتهم و هناك آخرون لا يؤمنون بشيء و لكي نفهم مشكلة المعرفة علينا أن نسلم إذا أردنا أن تكون ثابتة و آمنة بأنه يجب أن تنبثق من إدراك معرفي يتحقق في حالات وعي أعلى يتضمن دراية رفيعة و تجربة ذات مغزى بمعنى الارتقاء بالمعلومات التافهة للوصول من خلالها إلى جوهر المعرفة . 
عندما يعمل الفرد بطريقة سليمة على بناء الجسد الفيزيائي و العقل و العواطف و الروح بما يتفق مع الزمان و المكان نفسيهما فإنه يبلغ ذروة الإمكانيات المقبولة لارتقاء وعيه و حينئذ يصبح قادراً على تأمل الواقع كما هو و هكذا يجد مأتى إلى الحقيقة الكلية التي هي في مستواها هذا حقيقة وحيدة و عندئذ يجب على من يغمره جلال الكون التواق إلى الكمال حتى لا يكون أعمى من أن يلوذ بالتواضع و الضآلة عن طريق التصرف كما لو كان مدى جهله ينمو باستمرار
جون باينس 
 



التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات