صيف 1971 , كان صيفا مفعما بالأحداث , فلقد ظهرت نتيجة السنة الأولى الجامعية ونجحت بتفوق في قسم البيولوجي كلية التربية جامعة الأسكندرية , وكنا أنا واخوتي نشغل أنفسنا بعمل معرض للرسومات في دمنهور ومن منكم يتذكر مدرسة الميري الأعدادية وسورها المواجه لمدرسة الأقباط والأشجار المورقة الكبيرة والتي تغطي بظلالها مساحات كبيرة من الأرض ومناظرها الخلابة في الليل مع ضوء القمر ونسمات هواء ليل مصرنا الحبيبة الباردة في الصيف , وكأنك جالس على شاطئ البحر , ياه ياه كم أنت جميلة يا مصر.
كل أمسية من أمسيات الصيف أثناء العطلة الصيفية كنا واصدقائنا نجتمع بجوار هذا السور متخذين من سيقان تلك الأشجار منشر ومعرض للوحاتنا , وكان هذا الجمهور يسعدنا كثيرا بجوار العم فولي الذي كان يفرش بجوارنا بائعا لأحذية وملابس ولعب أطفال , كنا نشرب الشاي ونبيع اللوحات بأسعار بسيطة وكانت سعادتنا هو الثناء والشكر لنا على ما قمنا به من فن جميل تلك الكلمات التي كانت تزغزغ قلوبنا وتجعلنا نشعر اننا فنانين بحق , هكذا كنا شبابا يحصل على نقود مصروفه في الأجازة الصيفية من العمل , ويالها من سعادة ونحن نلتقي ولوحة من لوحاتنا في منزل أحد المعارف وعليها توقيع أحد منا خلفها…. كانت أيام جميلة.
وفي يوم من الأيام دعوت أخي أسامة للسفر معاً إلى الأسكندرية وكان مايزال في الصف الثاني الثانوي وانا خبير في شئون الأسكندرية لأني كنت طالب منقول للصف الثاني الجامعي وكان اخي منتقلا للصف الثالث الثانوي, كانت الفكرة أن نبيع اللوحات للمصيفين في الأسكندرية , واتفقنا على عمل العديد من اللوحات وكانت عبارة عن رسومات وخطوط على ورق مقوى مغلف بالورق السليفان الملون , واكتمل عدد اللوحات وجمعناها في شنطة سفر لونها بني ذات جلد ثمين حصلنا عليها من المنزل.
اتجهنا إلى محطة القطار الساعة السادسة وركبنا متوجهين إلى الأسكندرية ونزلنا في محطة سيدي جابر , واستقلينا قطار آخر أبو قير المتجه إلى محطة الحضرة لنذهب بعدها إلى الشاطئ متخذين شارع الأبراهيمية أمام مستشفى المواساة ” جمال عبد الناصر ” , كانت الشنط ثقيلة وأنا الكبير والأقوى , ولكني شعرت بالتعب , فأخذنا من محطة الأتوبيس المقابل لكلية الهندسة مكان للراحة لأيدينا وأرجلنا التي أنهكها التعب الشديد.
واخذت اشاور لأخي أسامة على كلية الهندسة وقلت له هذه كليتك أنشاء الله , كان مجتهدا ونبيها ومن المتفوقين وكنت أشعر انه أقرب اخواتي إلى واثناء الحديث حدث مالم أتوقعه…!!
عندما هممنا نمشي كل منا رفض أن يبدأ بحمل الشنطة واخذنا نتعازم انا أقول أني حملتها كثيرا وهو يقول وانا كذلك والله ماأنا شايل وانا أقول وانا مش شايل أنا تعبت خلاص … وفجأه سقطت على كل منا يدين وكأنهما الجبل معقوله هذه أيدي ولماذا يمسك هذين الرجلين بنا من الخلف , وسمعنا صوتاً يقول فيها أيه الشنطة دي ولا حركة ,,,, ضحكت اخذتني هستيريا الضحك وقلت له تمام كما نراها في الأفلام العربي سيادتك ضابط وحضرتك شاويش , ابتسم من اعتقدت أنه الضابط وقال فيها إية الشنطة , قلت فيها لوحات وقدمت له نفسي اسمي أحمد وهذا أخي أسامة وفتحنا الشنطة واظهرت له ما بها من لوحات ابتسم كل منهم وقال الضابط خلاص نشتري منكم كل واحد لوحة قلت له واحنا حنبيع لكم بسعر التكلفة اللوحة بجنيه واحد , اختار كل منهم واحدة , وانصرفنا متوجهين إلى محطة الرمل لنكمل يومنا في الأسكندرية , كلما تذكرت هذه الواقعة و عندما اقف في محطة اتوبيس اقول يا ترى مين من اللي واقفين مباحث؟؟؟ , واكيد لوجودهم فائدة كبيرة , واحيانا يطلع الموضوع على مفيش مجرد اشتباه كما حدث لنا نحن بتوع محطة الأتوبيس.
” أهدي هذه القصة إلى أخي وحبيبي الباشمهندس اسامة وأقول له لسه فاكر الأيام الجميلة دي يا أبو هشام …. كانت ايام جميلة “
التعليقات (0)