مواضيع اليوم

احفظ .. باسم ربك - القسم الثاني - الحلقة الثانية

احفظ .. باسم ربك

القسم الثاني
"الحلقة الثانية"


كارثة البكالوريا

 

عبد الهادي فنجان الساعدي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


"اذا وجدتِ شيئا جيدا فتمسكي به حتى يحين موعد تركه"(1).
×××
هل هي المدن ، ام الانسان ، ام الطبيعة ، بالتاكيد لهذه العوامل تأثير مباشر ولكن ليست هي التاثير الاساسي حيث ان طريقة التعليم والامتحانات واساليب المناهج هي الشيء الاكيد في اشكاليات التخلف في المجتمعات . لقد ألغت المغرب امتحانات البكالوريا للصفوف الثانوية والاعدادية واتبعت طريقة اكثر ضمانا لحقوق الطالب وذلك بجمع معدل الصف الرابع والخامس والسادس الثانوي وتقسم على ثلاثة وسوف تكون النتيجة اكثر انصافا للطالب . وبالرغم من كل ذلك لم يتطور التعليم في المغرب كما كان مؤملا له لان التغيير جرى على طريقة التقييم ولم يجر على طريقة التدريس، فما يزال التدريس تلقيني تقليدي ولم يتحول الى طريقة التدريس النقدي الابداعي .
فاصل :
"ان الانكليزية تنتج يوميا نصف مليون مصطلح ، والفرنسية 400 الف مصطلح ، والعبرية 350 الف مصطلح . ومكتب تنسيق التعريب لم يترجم منذ تأسيسه حتى 1990 الا اقل من 80 الف مصطلح" انتهى(2).
لقد حاول المفكر والفيلسوف ديكارت ان يعمل ثقبا صغيرا في منظومة المقدسات الحاجزة في عصور الظلام في اوربا ، حوالي القرن الثالث عشر الميلادي الذي يصادف القرن السابع الهجري ، وذلك عن طريق تفعيل الضد النوعي ، حيث قدم دراسات فكرية اخذت قالب الدراسات الفكرية الدينية ، وعند احتجت عليه الكنيسة قال بانه يحاول الوصول الى الايمان عن طريق الشك ، وهكذا فقد استطاع توسيع هذا الثقب الصغير بمواصلة دراساته التي كانت تستند الى الشك في كل شيء وخصوصا المقدسات الحاجزة لغرض الوصول في النهاية الى اليقين ، وقد شاركه في هذا الطريق الكثير من الكتاب والمفكرين والعلماء والذين لم يكونوا يستطيعون ان يقولوا بان الارض كروية او ان الارض تدور حول الشمس وحول نفسها ، لان العقاب كان الاعدام حرقا من خلال احكام محاكم التفتيش الكنسية . ولكن بعد أن توسع الثقب استطاعت هذه الجموع من اصحاب الدراسات النقدية ان تحول من المدارس والتجمعات الطلابية والمجالس الثقافية تجمعات احتجاج على الحياة الظلامية التي كانت تفرضها الكنيسة على الناس وعلى العلم ورجال الفكر .
بعد هذه المسيرة المضنية تحولت الدراسات الفكرية النقدية في الشك واثبات ما هو عكس المقدس الحاجز الى فسحة اكبر ولدت عصر التنوير الذي اخرج اوربا من عصور الظلام الى عصور النور وقد ولدَّ عصر التنوير عصرا اخر هو عصر النهضة الذي ولدَّ الثورة الصناعية والثورة الفكرية والاقتصادية واوصل اوربا الى عصر تكنلوجيا الاتصالات والعولمة .
كل هذه العصور التي ساهم في تطويرها الفلاسفة والمفكرين ديكارت وباروخ سبينوزا وكانط وهيجل وماركس وانجلز دفعت بعجلة الحضارة الى حدود لم يكن العقل البشري يحلم بان يصل اليها .
"عندما تلقفت المدرسة العربية الكرة "الطالب العربي" لكي تقوم بدورين : الأول تربوي كبديل للاسرة ، والثاني ، تعليمي ، لم تكن قد بلغت مكانة تربوية وتعليمية كبيرة ، لكي تلعب هذين الدورين المهمين والحيويين فما زالت المدرسة العربية ، كما قال الكاتب الفرنسي بلزاك ، تحاول أن تعلم وتلقن الطالب العربي ما هو داخل حبة اللوز دون ان تحاول كسر هذه اللوزة ، لكي تري الطالب اللب بعينه من الداخل . وقد عبر الفيلسوف الالماني هيجل عن الحالة نفسها تعبيرا مماثلا ، وقال "ان عملية تحليل حبة الجوز ، تعني اولا ، وقبل كل شيء ، كسر هذه الحبة" ، وحبة الجوز هنا تعني التراث . وهو مالا تفعله المدرسة العربية ، التي تقوم بتعليم الطالب على سبيل المثال ما في التراث تعليما تلقينيا ، دون محاولة تفكيك هذا التراث ، وتأويله واخضاعه لاساليب التحليل الحديثة ، ومقارنته بتراث الامم الاخرى ، لكي تلقي عليه مزيدا من الضوء والفهم المعاصر ، وتخرجه من السراديب الرطبة والمظلمة"(3).
أما هنا في بلدان البكالوريا ، والديدان الانشطارية العقائدية وبلدان الدكتاتوريات وديمقراطية العبيد فما زلنا نعتقد بان قيمة الانسان بما يحفظه وهذا يجري في مضارب العشيرة وفي الصحراء كما يجري في المجالس في المدن حيث المطاردات الشعرية واخبار السلف الصالح وسلسلة الذهب التي طولها سبعون الف ذراع والتي تسحب بها الكعبة يوم القيامة لتحضر الحساب واخبار المدن الدارسة والإسرائيليات التي تلتقي مع الوعظ وليس المهم ان تلتقي مع اليقين . كل هذا يجري في الحين الذي يقول فيه الامام علي قبل اربعة عشر قرنا "قيمة كل امرئ ما يحسن"؟!!
فاصل /
"أن التعليم الاساسي يحتاج الى ست مليارات دولار سنويا ، هذا رقم صغير بالمقارنة مع 1100 مليار دولار تذهب الى الانفاق العسكري و 300 مليار دولار الى الاعلانات ، و 500 مليار دولار ينفقها العرب على التبغ كل عام" انتهى(4).
أن طريقة التدريس في بلادنا هي طريقة كارثية والاكثر كارثية هي البكالوريا التي تقتل العقل حين تمتلئ خلاياه باكداس من المعلومات التي تشبه الى حد بعيد "الهراء" لانها تعتمد التلقين والتقليد في الحين الذي نحتاج فيه الى النقد الابداعي الذي يخرج مبدعين وليس حفظة .
الحواشي:
(1) من فلم تحت شمس توسكانيا .
(2) محامي الشيطان / شاكر النابلسي ص207 .
(3) نفس المصدر ص284 .
(4) وكالات / من تقارير اليونسكو . لاحظ الاهالي عدد 279 في 21/12/2008 .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !