احفظ .. باسم ربك - القسم الأول - الحلقة الثانية

احفظ .. باسم ربك

القسم الأول
"الحلقة الثانية"

في إصلاح العملية التعليمية

عبد الهادي فنجان الساعدي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"ان تكوين انسان يتطلب خمسين عاما"(1).
×××
أول كلمة يتلقاها الطالب في الصف الأول من المرحلة المتوسطة هي "الهندسة درخ" . أي ان الهندسة هذا الدرس الرياضي المحض تحفظ . فهل هناك اكبر من هذه الكارثة ، امة بكاملها تحفظ ، وحتى الهندسة تحفظ "درخ" . وعندما ينتقل الى الصف الثاني المتوسط يصطدم بالهندسة لانها هنا ليست كما كانت هناك ، مجموعة من النظريات وبعض الاسئلة . هنا في الصف الثاني المتوسط كمية كبيرة من النظريات والفرضيات وكمية اكبر من الاسئلة التي تستنبط منها فأين سيجد الطالب الوقت الكافي لحفظها ؟!! .
هل أن الكارثة هنا ، في هذه الصفوف المتوسط ام في الصفوف المتقدمة ؟!! انها هناك في الصف الأول الابتدائي والثاني الابتدائي حيث يردد المعلم الكلمة ويرددها التلاميذ الصغار من بعده وتبدأ من هنا مرحلة خلق الببغاوات . مجموعة كبيرة من الطيور الخشبية التي ما أن تخرج من الاقفاص حتى تسقط في البرك الطينية والأوصال لانها لم تتعلم الطيران بشكله الصحيح لوحدها .
"ان البداية الحقيقية لاي مشروع اصلاحي سياسي ، لابد ان تكون انطلاقا من التعليم ومن المناهج التعليمية السائدة الان في العالم العربي . وعلينا ان نتذكر جيدا ان مطلب تغيير مناهج التعليم ، او بالاحرى اصلاح مناهج التعليم العربية ، كان مطلبا عربيا منذ نصف قرن وبعد الاستقلال مباشرة قبل أن يكون مطلبا امريكيا او غربيا بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 . فقد كنا نحن العرب ، في أمسَّ الحاجة الى تغيير المناهج الدراسية تغييرا جذريا نحو الحداثة التعليمية ، ونحو الحداثة العلمية ايضا ، وان الطالب العربي الذي يتخرج من الجامعة اليوم ، هو طائر خشبي لا يقوى على الطيران ، لانه لم يزود بالعلم الذي يمكنه من التحليق والابداع والخلق والانتاج في مجتمعه"(2).
فاصل :
من تقرير البنك الدولي "اشار التقرير الى أن معظم المدارس تعتمد اسلوب التلقين . يقرأ المدرس من كتاب ويعيد الاطفال ما قرأه ، ويستمر الدرس هكذا . فالمدرس يقيد الطلبة بالكتابة عليهم ان حفظوا طوال الوقت ، يتلقون التعليم بالملعقة طوال الوقت وفي النهاية وبعد الامتحانات ينسون كل ما تعلموه" انتهى(3).
كوارث .. كوارث ، تبدأ من الصفوف الأولى الابتدائية ، وتستمر مع المجتمع لحين تخرج وجبات من الشباب العاطل فكريا .
اكتب عشر "وجهات" .. أي عشر صفحات ، كل ذلك في البيت لكي "يتقوى" التلميذ . وهكذا يصبح التلميذ عبئا جديدا على العائلة وهماً اخر تتلقفه الام والاب وتبدأ مرحلة جديدة من المعاناة . وبعد أن ينجز التلميذ واجبه يكتب له المعلم "لوحظ" وكلمة لوحظ هي اقل الدرجات في التقييم الذي يشجع به المعلم تلاميذه ، وهناك كارثة اخرى تنبثق من كلمة "احفظ" التي يضع خلالها حرف "الضاد" مع حرف "الظاء" وقد وصل احد هؤلاء التلاميذ الى مرحلة اصبح فيها وزيرا للثقافة في عهد المحاصصة المذهبية والديمقراطية الجديدة وهو لا يعرف الفرق بين الضاد والظاء في كلمة "لاحظت" حيث كتبها "لاحضت" "بالضاد" اخت الصاد وليس "بالظاء" اخت الطاء . وهذا نابع من كارثة التعليم في العراق والشرق الممتد من المحيط الاطلسي الى حدود الصين الغربية حيث الحرارة تنضج كل شيء الا الفكر ، فكلما نضج الفكر عند احدهم خُيِّر ، بن اثنين اما الهجرة الى خارج البلد او القتل صبرا . وتبقى مجموعات الطيور الخشبية لتعتلي المناصب التي تتحكم بمصائر الناس ولا يهم ان تكون الكلمة بالضاد اخت الصاد ام بالظاء اخت الطاء . المهم ان المنصب سيعلمه كيف يستعمل ما تعلمه من ابجدية في القتل الجماعي وتدمير كل ما بناه السابقون لانه يجب ان يبدأ من الصفر .
فاصل :
"اذا كانت بيانات اتجاهات القراءة غير منشورة في العالم العربي لغياب الاحصائيات الدقيقة ، فان الكتب الاكثر مبيعا حسب معرض القاهرة الدولي للكتاب هي الكتب الدينية ، تليها الكتب المصنفة بانها تعليمية ، ومن خلال متابعتنا لاخبار معارض الكتب في الدول العربية فان ترتيب الكتب الاكثر مبيعا هي التالي : الكتب الدينية ، كتب الطبخ ، كتب الابراج ، وهذا يشير الى شكل الاهتمامات العربية .
كما ان اخر التقارير الصادرة حول التعليم ومستوى طلبة المدارس الابتدائية والمتوسطة في العالم العربي تؤكد ان الطالب العربي في ادنى سلم طلاب العالم في مادتي الرياضيات والعلوم" انتهى(4).
"يعرِّف العفيف الاخضر الشعبوية الاصولية بأنها "اسلام" بالتنكير وليس "الاسلام" وان مصدرها هو المدرسة التقليدية والاصولية السائدة في الفضاء العربي – الاسلامي التي لقنت وما تزال النشيء كراهية الاخر والمرأة والحداثة قيما ومؤسسات، حتى غدت المدرسة في الواقع مدرسة كوادر اصولية اكثر مما هي مدرسة عقلانية وحديثة . فمناهجها العتيقة قائمة على التلقين والحفظ الذي يغتال الوعي النقدي ويقتل ملكة الاستقراء والاستنتاج . اما برامجها فما زالت مستوحاة من عقلية ومعارف الحضارات الزراعية المشبعة بالاساطير والتفكير المضاد السحري الايحائي ، فيما تجاوزت البرامج التعليمية الحديثة في العالم عصر الثورتين الصناعيتين الأولى ، الثانية الى عصر الثورة الصناعية الثالثة . وهي ثورة التكنلوجيا والمعلومات بحيث اصبح من لا يعرف استعمال الكومبيوتر امياً"(5).
اذا لم ننس تاريخنا المقدس البطولي فاننا لن ننهض من جديد .. لن نهض من جديد أبداً.

الحواشي:
(1) افلاطون في جمهوريته / انظر : الطائر الخشبي ، شاكر النابلسي ص45 .
(2) انظر محامي الشيطان / شاكر النابلسي ص281 .
(3) وكالات / محمد الامير / انظر صحيفة الاهالي / تقارير العدد 279 في 21/12/2008 .
(4) المصدر نفسه .
(5) انظر : العفيف الاخضر "اسلام" ضد الاسلام ، جريدة "الشرق الاوسط" لندن 29/9/1998

كاتب وصحفي عراقي