احفظ .. باسم ربك
القسم الأول
"الحلقة الثالثة"
في إصلاح العملية التعليمية
عبد الهادي فنجان الساعدي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"كنت انام بهدوء .. ما الذي دهاني" من ديوان الوجد لشاعر مغمور .
×××
في السنة التي تخرجنا بها من الثانوية كان الطالب الأول على العراق قد تخرج من الثانوية ولم يكن يعرف كيف يكتب "مادة الانشاء" وكان احدنا يكتبها له دون حياء ، و "يحفظ" هذا الانشاء ليعيده في اليوم التالي على مسامع المدرس . وهكذا كان فقد حصل على الثانوية البكالوريوس بدرجة عالية وعلى الماجستير .. ولا ادري اين اصبح الان .. لان الطريقة النقدية الابداعية جعلت منا في وسط السلم .. نراوح بين قوسي الثقافة والسياسية .
أن الطريقة التقلينية التقليدية التي بدأت في القرن السابع الهجري وكان أول من أسس لها نظريا الامام الغزالي "رحمه الله" ونفذها رسميا اخر الخلفاء العباسيين وهو المستعصم بالله العباسي الذي قرر ان يكون التدريس في المدرسة المستنصرية على المذاهب الاربعة فقط . وهكذا فقد تم تدمير البنية التحتية لتطور التدريس الفكري والنقدي الابداعي الذي بدأته المدارس الجعفرية والزيدية والمعتزلة والمرجئة والخوارج واخوان الصفا . بالرغم من اختلافنا مع الكثير من طروحات هذه المدارس ولكننا نؤكد على ما بدأته من مبادئ تخص حرية الفكر وحرية الكلام وحرية الرأي التي قتلت المستعصم بالله العباسي قبل ان يقتله التتار بعد احتلال بغداد وسقوط الدولة العباسية فيها بعد محاولته ان يصرع هذه المذاهب ومعظم حملتها بتحريمه الفلسفة والتطور الفكري الذي يبدأ بالنقد والتشكيك ويستمر بالتنوير ثم النهوض .
فاصل :
"وحسب احصائية اليونسكو فان الدول العربية انتجت 6.500 كتاب عام 1991 ، بالمقارنة مع 102.000 كتاب في امريكا الشمالية و 42.000 كتاب في امريكا اللاتينية والكاريبي" انتهى (1).
"لابد من ادراك أن هناك معتقدات اخرى ، وهناك طقوس تكونت لدى شعوب اخرى في التاريخ . ويجب ان يكون النشء على اطلاع عليها . وينبغي ان تكون منهجية العلوم الحديثة ، بنسبيتها ومقارناتها ، واعتبار الاشياء في بعدها التاريخي ، وليس بتكوين الفرد الوثوقي الذي يعتبر كل ما عند الاخر خطأ ، وما عندنا هو الصواب . هذه هي المرتكزات العامة التي ينبغي ان يقوم عليها اصلاح التعليم الديني . وبدون بلورة بحث علمي في الحقل الديني على مستوى الجامعة ، كيف سنحدث مناهج في المستوى الابتدائي والثانوي اذا لم يكن لدينا بحث علمي ، يزودنا بالمعطيات على مستوى الجامعة فالمطلوب اذن هو اصلاح التعليم الديني ، والبحث الديني على مستوى الجامعة"(2).
عندما يقود العملية التربوية "ملا" وقارئ منبر فالعملية ستتحول شكليا من تمجيد اسطوري لرجال مذهب معين الى تمجيد اسطوري من نوع اخر ، لمذهب اخر . انها اشكالية بدأت من القرن السابع الهجري ولم يبدأها ساطع الحصري ، لقد حاول هذا الرجل في بداية تأسيس الدولة العراقية ان يؤسس للمدرسة التلقينية التقليدية لانه ابن بار لهذه المدرسة بالرغم من ان تعلم المبادئ القومية الالمانية من خلال بعض الفلاسفة القوميين الالمان وحاول ان يصوغ مبادئ القومية العربية من خلال ذلك بالرغم من انه كان يتكلم التركية بطلاقة ولم يكن يجيد الخطاب بالعربية .
أن الطريق الملكي لهذه الطريقة في التطبيق هي المدارس والتعليم ، فحاول ان يستغل منصبه لكي يلقن التلاميذ والطلاب كل المبادئ التي يعتقد بانها هي المبادئ الصحيحة وان طريقته هي الطريقة الصحيحة ، وهو من الناس الذين يعتقدون بما تعتقده انكلترا في بعض عصورها الارستقراطية المتخلفة "انكلترا وما بعدها الاحراش" . وهنا "مذهبي وما بعده هراء وهرطقة" . الم يعتبر الامام الغزالي بان الفلسفة هرطقة والهرطقة هي الطريق الى الزندقة ؟!! .
فاصل :
"ان اليابان تترجم حوالي 30 مليون صفحة سنويا . في حين ان ما يترجم سنويا في العالم العربي هو حوالي خمس ما يترجم في اليابان والحصيلة الكلية لما يترجم الى العربية منذ عصر المأمون الى العصر الحالي 10.000 كتاب وهي تساوي ما تترجمه اسبانيا في سنة واحدة" انتهى (3).
جبال من الفوضى والمناهج التدميرية وبعد كل هذا نقول بمبدأ "المؤامرة" ان المؤامرة ليست من الخارج ، انها في داخلنا ، في هذه المناهج اللعينة ، وفي هذه الكتل من المسؤولين البررة .
لم يمت ساطع الحصري فمناهجه ما زالت تدرس ، ولم يمت الغزالي ، فطريقته ما زالت سارية لاننا لا نملك فيلسوفا يعتد به وان وجد فسنقلته صبرا كما قتلنا من قبله .
كل الاعصارات واكبرها "تسونامي" تمر على الامم والبلدان اما اعصارنا ، اعصار التربية والتعليم والبكاء على الاطلال فلا يمكن ان يشابهه أي اعصار في تدميره المستمر منذ سبعة قرون ولحد اللحظة الحالية . وباعتقادي فانه سيستمر اكثر الى حين ان نستبدل البندقية بالقلم والسيف بالمحراث وحينها يقول المعلم لتلاميذه ..
- : "اقرا باسم ربك" .. بدل "احفظ باسم ربك" .
الحواشي:
(1) وكالات / محمد الامير : صحيفة الاهالي ص9 .
(2) محمد الصغير جنجار . لقاء مع جريدة "الاحداث المغربية" 21/5/2005 .
(3) وكالات / المصدر السابق
كاتب وصحفي عراقي
التعليقات (0)