احفظ .. باسم ربك
القسم الأول
"الحلقة الأولى"
في إصلاح العملية التعليمية
عبد الهادي فنجان الساعدي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الثقافة هي ما يدرب انسانا ما على استخدام جميع وسائله لمجابهة وضع جديد، وحل مشكلة جديدة ، فهي تعلمنا التعلم"(1).
×××
"تراصف" .. من كلمات ايام الخدمة العسكرية وهي من الكلمات الكريهة التي يذكرها كل الذين خدموا في الجيش العراقي الباسل . الفترة ، أو الحقبة ، أو التركيبة أو المرحلة التي ضاعت فيها اجمل ايام العمر وهي الشباب . حيث خرجنا "لنتراصف" في عسكرية اخرى ، لان النظام التسونامي عسكر المجتمع كله .
"تراصف" الى جانب الفقر ، والكفر ، وضياع العدالة في التوزيع والوظيفة والخدمة وحتى في صف الحصول على "الصمون" حيث تضيع ضمن تهكم وتعليقات الواقفين الذين يفصل بينك وبينهم بعض السنتمترات في المكان ولكن الاف الاميال الضوئية في الزمن .
فاصل :
"في احصائية نشرت مؤخرا تبين ان العالم العربي لم ينتج خلال سبعة عشر عاما "1967-1983" غير "23" الف بحث علمي ، في حين ان اسرائيل لوحدها انتجت في المدة نفسها "49" الف بحث علمي ، أي اكثر من ضعف ما انتجته الامة العربية مجتمعة" . (2) انتهى
لقد بقيت اعلم اولادي سنوات عديدة على النهوض مبكرا لانهم سيذوقون المر في الخدمة العسكرية ، كل ذلك باسم الوطن ، و "خدمة العلم" و "من لا ينضح عرقا في بناء وطنه لن ينزف دما دفاعا عنه"(3).
كل هذه الشعارات البعثية علمونا اياها في المدارس وفي الكليات ثم في الجيش ولم نكن نعلم حينها بانها شعارات مسروقة من النظام الصيني وكأن اللغة الصينية لا يمكن ان تترجم في يوم ما .
السنا سراق الموسيقى التركية والغربية والشرقية وحتى سراق الموسيقى العربية – العربية . ولاننا تعلمنا ذلك في المدارس الابتدائية فهاهو الابداع في السرقات الموسيقية والتلفزيونية والسينمائية وفي ادق تفاصيل الحياة .
فاصل :
"تكشف الاحصاءات الحديثة ان المواطن الاوربي يقرأ بمعدل 35 كتابا في السنة والاسرائيلي 40 كتابا في السنة . أما العربي فان 80 شخصا يقرأون كتابا واحدا في السنة . وطبعا هذا متوسط الاحصاءات ، بعبارة اخرى وحسب لغة الارقام
× 80 عربيا يقرأون كتابا واحدا .
× اوربي واحد يقرأ 35 كتابا
× اسرائيلي واحد يقرأ 40 كتابا
إذاً لكي يتم قراءة 35 كتابا باللغة العربية فاننا نحتاج "2800 عربي" وهو رقم 80 عربي × 35 كتابا !!!
ولكن يتم قراءة 40 كتابا ، فاننا نحتاج الى (3200 عربي) وهو رقم 80 عربي × 40 كتابا !!!
الحصيلة : ثقافة اوربي واحد = ثقافة 2800 عربي
ثقافة اسرائيلي واحد = ثقافة 3200 عربي" انتهى(4).
كارثة التربية والتعليم – يلومني الكثير من الناس على استعمال كلمة كارثة – في الحين الذي يمثل كل شيء هنا الكارثة .
"الصبي منذ يدخل المدرسة موجه للامتحان اكثر مما هو موجه للعلم ، مهيأ للامتحان اكثر مما هو مهيأ للحياة"(5).
أول كلمة خاطب بها الله سبحانه ، نبيه محمد "ص" هي كلمة "اقرأ.." "لماذا لم يقل له احفظ ؟!!" . اول كلمة يخاطب بها المعلم تلاميذه هي كلمة "احفظ" . ثاني كلمة يطلبها المعلم من تلاميذه هي كلمة "اعطِ معاني الكلمات التالية" وهي ايضا متفرعة من كلمة "احفظ" .
السؤال الأول في امتحانات البكالوريا هو "اكتب قطعة انشائية عن احد المواضيع الثلاثة الاتية" . وهذا السؤال ايضا متفرع عن كلمة "احفظ" لان الطلبة تهيأوا له وبدل ان يقرأوا مجموعة من الكتب الخارجية لتقوية اسلوبهم في الانشاء .. كتب لهم احد ذوي القربى انشاء في احد هذه المواضيع و "حفظوه" "عن ظهر قلب" وكتبوه بكل امانه .
ثاني سؤال في امتحانات البكالوريا الكارثية هي كلمة اكتب خمسة ابيات من قصيدة الشاعر اللعين .. وهي ايضا متفرعة من كلمة "احفظ" .
أن أهم نقطة في التقليل من حجم الكارثة هو "التقليل جدا من مواد التحفيظ والتلقين التي تحيل النشء الى اجهزة تسجيل تحفظ ، ولكن لا تفهم ما تحفظ ، واعتماد اساليب البحث والنقاش والاستنباط بدلا من اساليب الحفظ والتقلين . فما كان الحفظ والتقلين يوما سبيلا الى التعلم ، ذلك ان التلقين من بقيا انظمة التعليم بالقهر ، والتعلم بالاكراه"(6).
كان احد مدرسينا في اللغة الانكليزية "الشعر" يتكلم طيلة دقائق الدرس ، ولم يكتب أي كلمة على السبورة في كل السنة الدراسية . لم يستوعب ما كان يقوله الا حفنة من الطلاب الذين كانوا يكتبون بعض الملاحظات ويراجعون ما يؤشر عليه من كتب . لقد رسب معظم الطلبة في هذا الدرس لانهم تعلموا على الكتب المنهجية التي يحفظون ما بها ويعيدون ترديده ويحصلون على الدرجات التي تؤهلهم ان يعيشوا كالاجيال التي سبقتهم في بطالة مقنعة وسبات فكري دائم .
اعيرت خدمات هذا الاستاذ الى احدى الدول الخليجية ولم يعد بعدها ابدا الى العراق .
الحواشي:
(1) اولفيه ربول / انظر الطائر الخشبي / شاكر النابلسي ص9 .
(2) المصدر نفسه ص31 .
(3) من شعارات حزب البعث .
(4) وكالات / محمد الامير / صحيفة الاهالي عدد 279 في 21/12/2008 ص9 .
(5) طه حسين / مستقبل الثقافة في مصر .
(6) انظر محامي الشيطان / شاكر النابلسي ص320 .
كاتب وصحفي عراقي
التعليقات (0)