عنوان هذا الإدراج تحريف للعبارة التحذيرية التي نجدها في ردهات القطارات وحافلات النقل العمومي ببلادنا, وفحواها:( احذر أن تمد ذراعك إلى الخارج).
وأذكر أنني كنت شديد الشغف بتتبع وقراءة مثل هذه العبارات والإشارات التنبيهية التي يمكن أن يصادفها أحدنا في عربة أو حافلة أو قطار، أو حتى في المرافق العمومية ذات الاستخدام العام.
ومن هذه العبارات المستفزة أحيانا: (ممنوع البصق والتنخيم)، (الفرامل قوية تمسك بالمقابض والقضبان)، (لا تتكلم مع السائق)، (ممنوع الخروج قبل الوقوف النهائي للقطار)… وغير ذلك من الأمثلة العجيبة التي تحمل في طياتها كثيرا من الأمراض اللغوية على مستوى بناء الجملة وتركيبها النحوي، وقد نعود إلى هذا الموضوع الطريف بنوع من التفصيل في إدراج لاحق.
وربما أدرك القارئ الكريم منذ الوهلة الأولى السبب الذي أوحى لنا بهذا العنوان أعلاه؛ ففي هذه الأيام العالمية الموبوءة بأنفلونزا الخنازير، ومن خلال الصور القادمة إلينا من البوابات الحدودية العالمية عند المرافئ والموانئ والمطارات نفهم سبب هذه القيامة التي قامت حول الأنوف المتورمة المزكومة والأجسام المحمومة.
ولم يحدث في أي وقت مضى أن جهزت محطات استقبال المسافرين في كل نقط العبور العالمية بأجهزة الرصد الحراري فائقة الدقة، وهي تنذر بصفيرها كلما رصدت ارتفاعا غير طبيعي في حرارة أحد القادمين أو العابرين ليعم الهلع وتنتشر الفوضى وتقوم القيامة ويعزل ذلك المسافر المسكين سيء الحظ عن العالم الخارجي في المحجز الصحي ويحكم عليه وعلى المرافقين له والمحيطين به بوضع الكمامات وكتم الأنفاس ويسأل سؤال منكر ونكير: من أنت ، ومن أين قدمت؛ هل من بلاد الخنازير أم من بلاد الحمير أم من المكسيك أم من بلاد العم سام؟، وماذا قدمت وماذا أخرت؟. وكأنه في يوم الحشر، وكأن زبانية جهنم قد أحاطت به من كل جانب…
حقا إنها لدنيا غريبة أن تتساوى فيها عولمة المعلومات والفيروسات الإلكترونية الفتاكة بالأجهزة الرقمية مع عولمة الأوبئة والجراثيم الفتاكة بالأجساد الآدمية. وأن يكتب على أحدنا أن يكون بين صبح أو مساء في وضع المسجون داخل زنزانة بحيث لا يستطيع أن يمد أنفه إلى الخارج قيد أنملة.
وقديما قيل: تتجاوز حريتك عند أرنبة أنفك!…
التعليقات (0)