بعد ستاتيكو الركود الطويل والمُمِّل في لبنان والذي شكّل على مدى السنوات الأربع الماضية ترجمة لإرادة دولية باستمرار النزف في سوريا على اعتبار أن الملفّين اللبناني والسوري متلازمان لتصحيح موازين الربح والخسارة بين السنّة والشيعة في أي تسوية قد تنشأ... تسارعت الأحداث مع توقيع الاتفاق النووي بما يكفي لقلب المشهد رأسًا على عقب. ففي خضم بوادر قرار دولي جدّي بإنهاء الحرب في سوريا، جاء أمر المحتل الإيراني ببدء نقل لبنان من قاعة الانتظار الى قاعة انعقاد مؤتمره التأسيسي-التدميري حيث ستُنتزّع تواقيع أفرقائه السياسيين على ما كُتِب تحت طاولة الاتفاق الجيو-سياسي الأميركي-الإيراني ليصبح نافذ المفعول بشقّه اللبناني طبعًا...
هذا هو التفسير الوحيد الذي نجده لحوادث 22و23 آب ذلك "الويك أند" التخريبي الميليشياوي الطائفي والمذهبي الحاقد الذي شهده وسط بيروت حيث تسلّل عشرات القوارض من فئة الجرذان من عديمي الدين والأخلاق والإنسانية واخترقوا صفوف جموع التظاهرة التي دعت إليها حملة "طلعت ريحتكم" المشبوهة انتماءً وتبعية وتسييرًا وإن كانت محقة في مطالبها المعيشية غير السياسية، فافتعلوا معركة مع القوى الأمنية المكلفة حراسة السراي الحكومي قبل أن ينتشروا في شوارع وسط بيروت حيث قَرَضوا الأخضر واليابس وعاثوا فسادا وتخريبًا وسرقة وحرقا وتدميرا للأملاك العامة والخاصة، كاتبين على الجدران عبارات مذهبية ومطلقين هتافات تعرِّف بانتمائهم الحركي والحزبي فضلا عما أبرزوه قصدًا من رموز وأوشام تصب في الخانة نفسها؛ ولم يسلم ضريح الرئيس رفيق الحريري من حقدهم الأعمى فقد كتبوا على صوره العبارات النابية التي تعبّر عن ثقافة حقد وكراهية مارسوها فرحين فخورين بانتمائهم الى الدرك الأسفل من حثالة حثالة من يوصفون تجوُّزًا بالانتماء الى جنس البشرية... كل ذلك وسط غياب مريب للجيش والقوى الأمنية الذين لم يتدخلوا إلا بعد أن أنهى الجرذان مهمتهم التخريبية تحت عدسات المصورّين مطمئنين وكأنهم تلقوا ضمانات بأن حصانتهم من حصانة سلاح الغدر الإرهابي!
نقولها بكل راحة ضمير، إن تحوّل عنوان تظاهرة "طلعت ريحتكم" من المطالبة بحل أزمة النفايات الى المطالبة بإسقاط الحكومة وحل مجلس النواب مع إغفال تام لانتخاب رئيس للجمهورية لم يكن بسحر ساحر إنما بتكليف سيّد عَرف بخبثه ودهائه كيف يُنزل الناس الى الشارع تحت شعارات اجتماعية محقة عابرة للطوائف والأحزاب، ليمتطي فيما بعد ذلك الجمهور الساخط كحصان طروادة آخذًا إياه نحو المطالبة بأجندته الانقلابية الخاصة مستغلاً في آن معًا نقمة ذلك الجمهور على الطبقة السياسية الفاسدة لكن أيضًا جهله الواضح أو لنَقُل سطحية فهمه السياسي لمعاني ونتائج المطالب التي جعله يهتف بها، وهي بالمناسبة متماهية تمامًا مع طروحات حراك الجنرال الفاشل من حيث الحشد الشعبي والفاعل من حيث التسبُّب بتعطيل المؤسسات تمهيدًا لمؤتمر تأسيسي، وهي النتيجة الحتمية لمطالب "طلعت ريحتكم".
قد يتساءل البعض عن سبب هذا التغير الجوهري الطارئ على سياسة الحزب الإرهابي من محافِظ على الاستقرار ومتمسك بالحكومة الى موتِّر للشارع كما المخيمات الفلسطينية ومطالب بإسقاط الحكومة، والجواب هو أن الحزب الإرهابي عمل منذ اندلاع الثورة السورية على مسارين متوازيَين، مسار أول حَرص فيه على تأمين استقرار أمني نسبي ومزيّف أرساه بالتعاون مع صحوات التيار الأزرق في لبنان كي يتيح له إحكام قبضته على لبنان وإطلاق يده في مهمته الوجودية الإرهابية في سوريا باطمئنان... ومسار ثانٍ يتمثّل بتدمير منهجي لمؤسسات الدولة وإهانة وقهر المواطن عبر ضرب أساسيات حياته من سلسلة رواتب وكهرباء ونفايات بحيث يلجأ الحزب حال هزيمته في سوريا الى هدم الجمهورية الثانية بواسطة استثارة مواطنيها (الأكثرية الصامتة) طمعًا بنظام جديد يتنزع فيه الامتيازات للطائفة التي يخطف قرارها، امتيازات تُعمي شيعته عن الخسارة المذلة في سوريا بادعاء انتصار في لبنان وترضي أطماع إيران. وإذا صحّت المعلومات عن بدء الحزب الإرهابي بسحب إرهابييه من سوريا وإعادتهم مدحورين مذلولين خائبين الى لبنان بعد اللقاء الذي جمع أمينه العام بوزير الخارجية الإيراني في 11/8/2015 والذي أبلغه فيه أوامر مرحلة ما بعد الاتفاق العلني بين الشيطانَين فيما يخص لبنان وسوريا، فهذا يعني أننا في عين المسار الثاني وقلب الخطة "ب" التي باشر الحزب بتنفيذها.
باختصار، لقد قطع الحزب الإرهابي كافة أغصان الأرزة اللبنانية ونشر الجزء الأكبر من جذعها بحيث بات سقوطها أرضًا متوقفًا على مجرّد وكزة بسيطة، وكزة لا يريد الحزب (حتى الآن) أن ينال لعنة الاضطلاع بها إنما يريدها أن تأتي من قبل الشعب نفسه، الشعب الذي لم يشتَم بعد رائحة مكونات 8آذار الكريهة التي تفوح من حملة "طلعت ريحتكم" حصان طروادة الإيراني لنسف الجمهورية المحتلة.
التعليقات (0)