مواضيع اليوم

احترموا رغبات أبناءكم في اختيار مستقبلهم

محمد كريم

2016-07-13 10:32:30

3

سنحت لي مؤخراً فرصة محاورة أحد أصدقاء الطفولة في أثناء زيارتي الخاصة لمنزله لتهنئته بعيد الفطر. وبجانب مواضيع ونقاشات متنوعة، سألته لماذا لم يتزوج حتى الآن، بالرغم من مظاهر الثراء والنعيم الظاهرة عليه.


فأجاب "باسل" قائلاً: لا أحب التعليم، ولا أستوعب شرح المدرس. أنا شاب لا أصلح كي أكون تلميذاً، لدي موهبة إصلاح السيارات. المهنة اليدوية ليست عيباً. لكن المجتمع لا يقبل من ليس لديه شهادة علمية.


وأضاف: وصلت إلى الأربعين، وأنا غارق بين الزيت والمفكّ، بين الإطارات وتنزيل مكائن السيارات، بين المواعيد والتوسلات من الزبائن بأن أُصلح سياراتهم بسرعة.


كسبت كثيراً .. ولله الحمد. ولبست أجمل الملابس، وسافرت لمعظم بلدان الدنيا. ولكنني لم أُقبل اجتماعياً، ولم أتمكن من الزواج كوني لا أحمل شهادة، على الرغم من أن الفلوس، هذه الأيام، أكبر شهادة في نظر الكثيرين.


تقدمت أختي الكبرى لأكثر من عائلة كي تخطب لي. وكان عيبي الوحيد أنني لا أحمل شهادة علمية مرموقة. ضقت ذرعاً بالمجتمع. قررت الهجرة كي لا أتحمل "وزرَ" أفكار اجتماعية بالية بالنسبة إليّ. فأنا أعتقد أن المال يحقق السعادة، وما فائدة شهادة لا يستطيع صاحبها أخذ زوجته لمطعم فاخر مرة في الشهر؟ وما فائدة شهادة إن كان حاملها لا يقدر على مصاريف شهر في عاصمة أوروبية مع زوجته؟ أو يتناسى عيد ميلاد زوجته كي لا يأتي لها بهدية لائقة؟


قبل فترة قصيرة، كنت مستلق على أحد الشواطئ في بلد آسيوي، تحف بي الطبيعة ونعماؤها من كل صوب، ومن كل أكل وشرب، وحسناوات، أشرب أفضل الشراب، وأتناول أجود الأطعمة، وأسهر أحسن السهرات دونما واجبات أو مساءلات، والبحث عن الأصل والفصل، والشهادة والثقافة. أسافر في السنة مرتين إلى ذلك المكان، بعد أن اشتريت شقة متواضعة، أسرح وأمرح بعيداً عن منغصات الحياة واشتراطات العائلة. توسعت تجارتي في السيارات، وكبر حجم "الكراج" الذي أمتلكه، وفتحت له فروعاً في مدن صغيرة في بلدي.


أدرك أن هناك جامعيين أو حاملي شهادات عليا يعيشون على حافة الحياة، وبالكاد يوفرون أدنى أساسيات الحياة لعائلاتهم، بل ويسبب ضعف الحال المادي مشاكل قد تنتهي بالطلاق. أنا تزوجت الحياة ولله الحمد. فليست لديّ مشاكل مع أحد. وتجارتي تكفيني وتزيد. بل ما عدت أعمل في ماكينات السيارات وزيوتها، بعد أن أحضرت عمالاً مهرة من الخارج وأصبحت أشرف عليهم من بعيد، وأقوم بعمل "علاقات عامة" فحسب.


ثيابي معطرة، سهراتي في أرقى الأماكن، أصدقائي من الوسط "المخملي". اشتريت يختاً وبدأت تعلم صيد السمك، والخروج للاستمتاع في الجزر القريبة منا، مع أعز الأصدقاء.


هل أكون على خطأ عندما خرجت من المدرسة، كوني غير مستعد لذلك، وكوّنت نفسي بناءً على موهبتي وميولي؟


وهنا أود أن أقول: لا تظلموا أبناءكم كثيراً. اتركوا لهم فرصة اختيار مستقبلهم، فأنتم لن تبقوا كي تعيشوا في زمانهم. لا تحسبوا هذه دعوة إلى رفض العلم، إنها تجربة فحسب.




التعليقات (3)

1 - رائع

عبد الله مشرف - 2016-07-13 11:41:30

تحية كبيرة للأخ فارس كريم. تأخذنا مقالاتك وكتاباتك لعالم آخر مع انك مقصر كثيرا في المشاركة على مدونات إيلاف. بانتظار المزيد ... وتقبل تحياتي

2 - العراق

موسى - 2016-07-14 07:24:18

اعتقد ان الفلوس والمال صار أهم بكثير من الشهادات العلمية وهي ضمان مؤكد للعيش بعزة وكرامة والحصول على كل ما يبتغيه الانسان في حياته

3 - تحياتي لك اخ فارس

يونس - 2016-07-14 13:37:10

كلامك جميل جيدا هنري فورد هو فاشل دراسيا ولكنه نجح في جهة اخرى واستطاع تصنيع محرك سيارات وطور نفسه الى ان اصبح يملك شركة سيارات عالميه وذات جوده ومواصفات عظيمه واسماها بأسمه شركة فورد وايضا اصبحت شركته تمثل ثقل اقتصادي لدولته امريكا بينما الناجحين بالدراسه لم يساهموا بإقتصاد بلدهم!!! انا لست ضد الدراسه ولكن ضد من يصنّف الذي لم يكمل دراسته بالفاشل. النجاح له الوان واشكال مختلفه لاتحصروا النجاح بزاويه ضيقه ياعالم . تحياتي لك اخ فارس

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !