يقول الإمام أبوالعزائم
لا يغيب النور عن أهل اليقين كيف ذا والنور في الأفق المبين
نورنا شمس علت تدعو إلى ربنا المعبود مولانا المتين
لم تغب شمس الحبيب محمد وهي نور الروح فوقي عن يمين
من يقل غابت فذاك لحجبه كيف يخفي نور رب العالمين؟
شمسنا طه الحبيب المصطفى لم تغب يا طالب الحق اليقين
نورتنا الشمس أصبح نورها مشرقا في كل فرد في أمين
ربنا أنس بنورك روحنا كي نرى النور بعين المستبين
في حضور في غياب لم تغب شمسنا والشمس غابت عن ضنين
أينما كانت يعم ضياؤها تشهدنها الروح في عين اليقين
ويقول أيضا
فدعني مِن تغَزُّل قيسِ ليلى ومن أبياتِ شِعر جميلِ بُثْنِ
فبي شغَفٌ عن الأشعارِ يُلهي وبي طرَبٌ عن الأوتار يُغني
أُغنّي باسمِ حِبّي لا أُكَنّي وإن أَكُ قد كنَيتُ فذاك أَعني
وما نفعي بدار لستَ فيها وأنتَ القصدُ يا أقصى التَّمنّي
نحنُ من قومٍ إذا عَشِقوا بَذلوا الأَرواحَ في الطَّلبِ
وتفانَوا في محبَّتهِ كتَفاني الذرِّ في اللَّهبِ
كيف يخشى النارَ ذو حُرَقٍ في لظى نارِ الغرامِ رُبِي
إن أمُتْ عِشقاً فلا عَجبٌ هكذا أَوصى إِليَّ أَبي
يعاتبني فينبسط انقباضي """ وتسكن روعتي عند العتاب
جرى في الهوى مذ كنت طفلا """ فمالي قد كبرت على التصابي
بكيتُ ودمع العين للنفس راحة """ ولكن دمع الشوق ينكى به القلبُ
وذكرى لما ألقاه ليس بنافعي """ ولكنه شيء يهيج به الكرب
فلو قيل لي من أنت قلت معذب """ بنار مواجيد يضرمها العتب
بليت بمن لا أستطيع عتابه """ ويعتبنى حتى يُقال لي الذنب
وكان قلبي خالياً قبل حبكم """ وكان بذكر الخلق يلهو ويمزحُ
فلما دعا قلبي هواك أجابه """ فلستُ أراه عن فنانك يبرحُ
رُميت ببين منك إن كنت كاذباً """ إذا كنت في الدنيا بغيرك أفرح
وإن كان شيءٌ في البلاد بأسرها """
إذا غبت عن عيني بعيني يلمحُ
فإن شئت واصلني وإن شئت لا تصل """
فلستُ أرى قلبي لغيرك يصلحُ
تركت الفؤادَ عليلاً يعاد """ وشرّدتُ نومى فمالي رقادُ
أفديكَ بل قلّ أن يفديك ذو دنفٍ """ هل في المذلّة للمشتاق من عار
بي منك شوقٌ لو أن الصخر يحمله """
تفطّر الصخر عن مستوقد النار
قد دبّ حبّك في الأعضاء من جسدي """ دبيب لفظى من روحي وإضماري
ولا تنفّست إلا كنت مع نفسي """ وكل جارحة من خاطري جاري
أنت الحبيب الذي لاشك في خلد """ منه فإن فقدتك النفس لم تعش
يا معطشى بوصال أنت واهبه """
هل فيك لي راحة إن صحت واعطشى
شغلت قلبي عن الدنيا ولذتها """ فأنت والقلب شيء غير مفترق
وما تطابقت الأحداق من سنة """ إلا وجدتك بين الجفن والحدق
أنا راض بطول صدك عني """ ليس إلا لأن ذاك هواكا
فامتحن بالجفا صبري على """ الود ودعني معلقا برجاكا
ولو قيل طأ في النار أعلم أنّه """ رضىً لك أو مدن لنا من وصالكا
لقدّمتُ رجلي نحوها فوطئتُها """ سروراً لأني قد خطرتُ ببالكا
أمسى بخدي للدموع رسوم """ أسفا عليك وفي الفؤاد كلوم
والصبر يحسن في المواطن كلها """ إلا عليك فإنه مذموم
أحلى الهوى أن يطولَ الوجدُ والسقمُ
وأصدق الحب ما حلتْ به التهمُ
ليتَ الليالي أحلاماً تعودُ لنا """ فربما قد شفي داءَ الهوى الحلمُ
يا غائبين ووجدي حاضر بهم """ وعاتبين وذنبي في الغرام هم
بنتم فلا طرف إلا وهو مضطرب "'"
شوقاً ولا قلب إلا وهو مضطرم
أَبداً بِذكْرِكَ تَنْقَضِي أَوْقَاتِي """ مَا بَيْنَ سُمَّاري وَفي خَلَواتي
يَا وَاحِدَ الحُسْنِ البَديع لِذاتِهِ """ أَنَا وَاحِدُ الأَحْزانِ فيكَ لِذَاتي
وَبِحُبِّكَ اشْتَغَلتْ حَواسِي مِثْلَمَا """ بِجَمالِكَ امْتلأَتْ جَمِيعُ جِهَاتي*
لاَ يَقْدِرُ الحِبُّ أنْ يُخْفِي مَحَاسِنَهُ """ وَإِنَّمَا فِي سَنَاهُ الْحُجْبُ تَحْتَجِبُ
أُعَاهِدُ الرَّاحَ أَنَّى لاَ أُفَارِقُهَا """ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الثَّنَايَا شِبْهُهُا الحَبَبُ
وَأَرْقُبُ البَرْقَ لاَسُقْيَاهُ مِنْ أَربَى """ لَكِنَّهُ مِثْلُ خَدَّيْهِ لَهُ لَهَبُ
يَا سَالِماً فِي الهَوَى مِمَا أُكَابِدُهُ """ رِفْقَاً بِأَحْشَاءِ صَبٍّ شَفَّهَا الوَصَبُ
فَالأَجْرُ يَا أَمَلي إِنْ كُنْتَ تَكْسِبُهُ """ مِنْ كُلِّ ذِي كَبِدٍ حَرَّاءَ تَكْتَسِبُ
يَا بَدرَ تَمٍّ مُحَاقِي فِي زِيَادَتِهِ """ ما أَنْ تَنْجَلِي عَنْ أُفْقِكَ السُّحُبُ
صَحَا السُّكَارَى وَسُكْرِي فِيكَ دَامَ وَمَا """
لِلسِّكْرِ من سَبَبٌ يُرْوَى ولاَ نَسَبُ
قَدْ أَيَّسَ الصَّبْرَ وَالسِّلْوَانَ أَيْسَرُهُ """
وَعَاقَبَ الصِّبَّ عَنْ آمَالِهِ الوَصَبُ
وَكُلَّمَا لاَحَ يَا دَمْعِي وَمِيضُ سَنىً """
تَهْمِي وَإِنْ هَبَّ يَا قَلْبِي صَباً تَجِبُ
رَوَتْ نَفَحَاتُ الطِّيبِ عَنْ نَسْمِةِ الصِّبَا """
حَدِيثَ غَرَامٍ عَنْ سُوَيْكِنَةِ الخِبَا
وَأَهْدَى النَّسِيمُ الحَاجِريُّ سَلاَمَهَا """
فَيا لُطْفَ مَا أَهْدَى النَّسِيمُ وَمَا حَبَا
أَيَا صَاحِبي مَا لِلْحِمَى فَاحَ نَشْرُهُ """
فَهَلْ سَحَبَتْ لَيْلَى ذِيولاً عَلَى الرُّبَا
فماذا الشَذا إلاَّ وقد زَار طَيْفُهَا """ فأهْلاً بطَيْفٍ زارَ مِنْهَا وَمَرْحَبا
فَيا طِيبَ عَيْشٍ مَرْ لِي بِفِنَائِهَا """ وَلَوْ عَاد يَوْماً كَأنَ عِنْدِي أَطْيَبا
لَيِاليَّ أُنْسٌ كُلُّهَا سَحَرٌ بها """ وَأَيَّامُ وَصْلٍ كُلُّهَا زَمَنُ الصّبا
مُمُنْعَةٌ رَفْعُ الحِجابِ وَضَوْءُهُا """ كَفَاهَا فَمَا نْحتَاجُ أَنْ نَتَنَقَّبا
هِيَ الشَمْسُ إلاَّ أنْ نُورَ جَمَالِهَا """ يُنَزْهُهَا في الحُسْنِ أنْ تَتَحَجْبا
لَئِنْ أَخْلَفَ الوَسْمِيُّ مَا حِلَ تُرْبِهَا """
فقَدْ رَاحَ مِنْ دَمْعِ المُحِبْينَ يَخْصِبَا
وَإنْ تَشَوَّقْتَكُمْ بَعَثْتُ لَكُمْ """ كُتْبَ غَرَامِي وَمِنْكُمُ الكُتُبُ
وَأَشْرَبُ الرَّاح حِينَ أَشْرَبُهَا """ صِرْفاً وَأَصْحُو بِهَا فَمَا السَّبَبُ
خَمْرَتُهَا مِنْ دَمي وَعَاصِرُهَا """ ذَاتي وَمِن أَدْمُعِي لَهَا الحَبَبُ
إنْ كُنْتُ أَصْحُو بِشُرْبِهَا فَلَقَدْ """ عَرْبَدَ قَوْمُ بِهَا وَمَا شَرِبُوا
هِيَ النَّعِيمُ المُقِيمُ في خَلَدِي """ وَإِنْ غَدَتْ في الكُؤوُسِ تَلْتَهِبُ
فَغَنِّ لي إِنْ سَقَيْتَ يَا أَمَلي """ بِاسْمِ التَّي بي عَليَّ تَحْتَجِبُ
عَيْنَاكِ إنْ سَلَبَتْ نَوْمي بِلاَ سَبَبِ """
فَالنَّهْبُ يَا أُخْتَ سَعْدٍ شِيَمةُ العَرَبِ
وَقَدْ سَلَبْتِ رُقَادَ النَّاسِ كُلِّهُمُ """ لِذَاكَ جَفْنُكِ كَسْلانٌ مِنْ التّعَبِ
هَلْ ذاكَ لاَمِعُ بَرْقٍ لاَحَ مِنْ إِضمِ """ أَمْ ابْتَسَمْتِ فَهَذَأ بَارِقُ الشَّنَبِ
وَتِلكَ نَارُكِ بِالجَرْعَاءِ سَاطِعَةٌ """ أَمْ ذَاكَ خَدُّكِ وَهَّاجُ مِنَ اللَّهَبِ
لاَ أَنْقَذَ اللهُ مِنْ نَارِ الجَوَى أَبَداً """ قَلْبي الَّذي عَنْ هَوَاكُمْ غَيْرُ مُنْقَلِبِ
إِنْ عَذَبَتْهُ بِنَارٍ مِنَ مَحَبَّتِهَا """ نُعْمَ فَذَاكَ نَعِيمٌ غَيْرُ مُحْتَجُبِ
منْ رامَ ذِكْرَ سِوَاهَا يَلْتَمِسْ أَحَداً """
غَيْرِي فَذِكْرُ سِوَاهَا لَيْسَ مِنْ أَرَبي
إِنْ حَدَّثَتْهُ الأَمَانِي أَنَّنِي أَبداً """ أَسْلُوا هَوَاهَا فَقَدْ أَصْغَى إِلى الكَذِبِ
يَا حَبَذَا الكاَسُ بِكَفِّ الحَبِيبْ """ أَذَابَت الأَنَوْارَ وَسْطَ اللَّهِيبْ
وحَبَذَا الرَّاحُ الَّتِي لَمْ تَزَلْ """ تَصْرِفُنِي بِالسُّكْرِ حَتَّى أَغِيبْ
يَا غُصْنَ البَانِ أَدِرْ وَرْدَهُ """ والوَرْدُ في البَانِ لَعَمرِي عَجِيبْ
وَنَاوِلِ الأَقْمَارَ شُهْبَ الدُّجَى """ يَا شمْسُ والأَمْرُ أَيْضاً غَرِيبْ
أَفْدِيكَ مَا فِي صَبْوَتِي رَيْبَةٌ """ وَلاَ لِسُلْوَانِي بِقَلْبِ تَصِيبْ
فَاحْكُمْ بِمَا شئْتَ سِوَى جَفْوَتِي """ فِعْلُ حَبِيبي كُلُّهُ لي حَبِيبْ
لاَ تَلُمْ صَبْوَتِي فَمَنْ حَبَّ يَصْبُو """ إِنَّمَا يَرْحَمُ المُحِبَّ المُحِبُّ
كَيْفَ لا يُوقِدُ النَّسِيمُ غَرَامِي """ وَلَهُ فِي خِيَامِ لَيْلَى مَهَبُّ
مَا اعْتِذَارِي إِذَا خَبَتْ لِيَ نَارٌ """ وَحَبِيبي أَنْوَارُهُ لَيْسَ تَخْبُو
يَا نَسْمَةَ البَانِ هُبِّي """ عَلَى رُسُومِ المُحِبِّ
وَمَا عَلَيْكِ إِذَا مَا """ وَقَّدْتِ نِيْرَانَ قَلْبي
إنْ تَكْتُمِي سِرَّ لَيْلَى """ فطِيبُهَا عَنْهَا يُبْنِي
أَوْ لاَ فَمَا لَشَذَاهَا """ يُسْبِي العُقُولَ وَيُصْبِي
أهْدَتْ إِليَّ حَدِيثاً """ فَهِمْتَهُ دُونَ صَحْبِي
فَحَلَّ فِي الحَالِ سَلْبِي """ دُونَ الجَمِيعِ وَنَهْبِي
يَا طَالِباً حَيَّ لَيْلَى ذ """ ذَاتِي حِمَاهَا فَطُفْ بِي
وَنَادِ بَاسْمِي تَجِدْهَا """ عَلَى لِسَانِي تُلَبِيِّ
يَا ساكِنينَ بِقَلْبِي """ مَتَى أَفُوزُ بِقُرْبِ
سَلَبَتُمُونِي وَلَكِنْ """ أَنَا السَّعِيدُ بِسَلْبِي
يَا عُرْبَ وَاديَ المُصَلاَّ """ لأَنْتُمُ خَيْرُ عُرْبِ
نَزِيلُكُم مُسْتَهَامُ """ مُوَلَّهُ القَلْبِ مَسْبي
وَلَسْتُ أَسْلُو هَوَاكُمْ """ حَاشَا غَرَامِي وَحُبِّي
إذا رَضِيتُمْ تَلاَفِي """ فَذَاكَ مَطْلُوبُ قَلْبِي
رُوحِي لَكُمْ إِنْ قَبِلْتُمْ """ وَالرُّوحُ جَهْدُ المُحِبِّ
أَنْتُمْ ذَخِيرَةُ قَلْبِي """ يَوْمَ المَعَادِ وَحَسْبِي
عَشِقْتُكُمْ وَبِحَقِّي """ إِنْ تِهْتُ مِنْ فَرْطِ عُجْبي
وَمِلْتُ سُكْراً وَلِمْ لاَ """ وَمِنْكُمُ كَانَ شُرْبي
وَقَدْ سَقَانِي حَبِيبي """ وَخَصَّنِي دُونَ صَحْبِي
وَلَسْتُ بَعْدَ عَيَانِي """ جَهْراً سَنَا وَجْهِ رَبِّي
أَصْبُو لِرَنْدٍ وَبَانٍ """ وَذِكْرِ غَارٍ وَكُثْبِ
عَلَى حُبِّكُمْ أَنْفَقْتُ حَاصِلَ أَدْمُعِي """ وَغَيْرَ وَلاَكُمْ عَبْدُكُمْ مَا تَكَسْبا
وحَاشَكُمُ أَنْ تُبْعِدُوا عَنْ جَنَابِكُمْ """ حَلِيفَ هَوىً بالرُّوحِ فِيْكُمْ تَقَرَّبا
وَأَنْ تَهْجُروا مَنْ وَاصَلَ السُّهْدُ جَفْنَهُ """ وَهَذْبَ فِيْكُمْ عِشْقَهُ فَتَهَذَّبا
وَأَحْسنْتُمُ تَأْدِيبَهُ بِصُدُودِكُمْ """ فَلاَ تَهْجُروهُ بَعْدَ مَا قَدْ تَأَدَّبا
وَلِي مُهْجَةٌ دِينُ الصَّبَابَةِ دَيْنُهَا """ فَكَيْفَ تَرى عَنْكُمْ مَدَى الدَّهِرْ مَذْهَبا
وَلِي فِي ظِلاَلِ السِّرحَتَينِ تَنَزُّلٌ """ لَبِسْنَا بِهِ بُرْداً مِنَ الوَصْلِ مُذْهَبا
يَرُوقُكَ أَنْ يَرْوِي أَحَادِيثَ وُرْقِهِ """ وَتَصْبُوا إِلى الأَلْحَانِ شَجْواً فَتْطْرَبا
وَتَسْتَنْشِقَ الأَنْفَاسَ مِنْ نَسَمَاتِهِ """ فَتَفْهَمَ مَعْنَى الزَّهْرِ مِنْ مَنْطَقِ الصَّبا
أُحْكُمْ فَفِيكَ العَذَابُ عَذْبُ """ مَا بَعْدَ حُلْوِ الخِطَابِ خَطْبُ
لِي وَلَهُ فِي هَوَاكَ فَارَ """ وَدَمْعُ صَبٍّ عَلَيْكَ صَبُّ
وَمَا تَنَزَّهْتُ فِيكَ حَتَّى """ فِيكَ نُزِّهْتُ حِينَ أَصْبُو
وَأَمْكَنَنِي مِنْ لَمَاكَ بَرْقٌ """ مِنَ الحَيَا لاَ يَكَادُ يَخْبُو
يَا سَائِلي عَنْ شَذَا نَسِيمٍ """ قَمِيصُهُ بِالوِصَالِ رَطْبُ
ذَاكَ سَلاَمُ الحَبِيبِ وَافَى """ فِي عَهْدِهِ لِلِّثَامِ قُرْبُ
إِذَا تَجَلَّى عَلَى النَّدَامى """ فَهْوَ لَهُمْ خُضْرَةٌ وَشُرْبُ
وَعَاذِلِي عَادَ لِي بِلُطْفٍ """ تَكَادُ مِنْهُ الصِّبَا تَهِبُ
أَضْمَرَ غَدْراً فَعَادَ عُذْراً """ إذْ رُفِعَتْ للمُحِبِّ حُجْبُ
هَلُمُّوا فَعِنْدي لِلمَحَبَّةِ وَالهَوَى """ سِقَامُ غَرَامٍ لَسْتُ أُحْسِنُ طِبَّهُ
هِبُوا لِيَ جَفْناً يَمْلِكُ العَقْلُ دَمْعَهُ """ وَإِلاَّ فقَلْباً يَحْكُمُ الصَّبْرُ لُبَّهُ
هَوَتْ قَدَمي فِي الحُبِّ عَنْ غَيْرِ خِبْرَةٍ """ فَأَلْفَيْتَهُ حُلْوَ التَّجَرُّعِ عَذْبَهُ
هُوَ الشَّهْدُ مَمْزُوجاً بِسُمِّ وَعَلْقَمٍ """ أُؤَمَّلُ عَتْبَاهُ وَأَحْذَرُ عَتْبَهُ
هَوَيْتُ حَبِيباً لَسْتُ أَهْلاً لِحُبِّهِ """ وَأَنَّي لِمِثْلِي أَنْ يَكُونَ مُحِبَّهُ
هَلاَلُ فُؤَادِي كُلَّمَا ذُقتُ غَفْوَةً """ وَصُبْحُ عَيَانِي كُلَّمَا أَتَنَبَّهُ
هَمَمْتُ بِإِدْرَاكٍ فَقَصَّرتُ هَيَبةً """
وَعَجْزِي عَنِ الإِدْرَاكِ أَوْلَى وَأَشْبَهُ
هَفَا بِكَ قَلْبٌ أَنْتَ أَوْرَيْتَ زَنْدَهُ """ وَنَالكَ طَرْفٌ أَنْتَ أَهْمَلْتَ سَحْبَهُ
هَنِيِئاً لِهَذِي النَّفْسِ إِنْ كُنْتَ حِبّهَا """
وَطُوبَى لِهَذا القَلْبِ إِنْ كُنْتَ حِبَّهُ
بَدَا عَلَمٌ لِلحُبِّ يَمَّمْتُ نَحْوَهُ """ فَلَمْ أَنْقَلِبْ حَتَّى احْتَسَبْتُ بِهِ قَلْبِي
بَلَوْتُ الهَوىَ قَبْلَ الهَوىَ فَوَجَدْتُهُ """ إِسَاراً بِلاَ فَكٍّ سُقَاماً بِلاَ طِبِّ
بِرُوحِي حَبِيبٌ لاَ أُصَرِّحُ بِاسْمِهِ """ وَكُلًّ مُحِبٍّ فَهْوَ يُكْنِ عَنِ الحُبِّ
بَرانِي هَوَاهُ ظَاهِراً بَعْدَ بَاطِنٍ """ فَجِسْمِي بِلاَ رُوحٍ وَقَلْبِي بِلاَ لُبِّ
بِحُبِّكَ هَلْ لِي فِي لِقَائِكَ مَطْمَعٌ """ فَإِنِّيَ مِنْ كَرْبٍ عَلَيْكَ إلى كَرْبِ
بِكُلِّ طَرِيقٍ لي إِلَيْكِ مَنِيَّةٌ """ كَأَنِّي مَعَ الأَيّامِ بَعْدَكَ فِي حَرْبِ
بَكَيْتُ فَقَالُوا أَنْتَ بِالحُبِّ بَائِحٌ """ صَمَتُّ فَقَالُوا أَنْتَ خُلْوٌ مِنَ الحُبِّ
بَوَارِقُ لاَحَتْ لِلْوِصَالِ فَثَّمَّهَا """ فَيَا بَعْدَ بُعْدٍ قَدْ دَنَا زَمَنُ القُرْبِ
بَقِيتُ وَهَلْ يَبْقَى صَبٌ بهِ لَوْعَةٌ """ تُقَلِّبُهُ الأَشوَاقُ جَنْباً إِلى جَنْبِ
بَلَغْتُ المُنَى مِمَّنْ أُحِبُّ بِحُبِّهِ """ ولاَ بُدْ لِلمَرْبُوبِ مِنْ رَحْمَةِ الرَّبِّ
أَحِنُّ إِليْهَا وَهَىْ قَلْبي وَهَلْ تَرَى """ سِوَاىَ أَخُو وَجْدٍ يَحِنُّ لِقَلْبِهِ
وَيُحْجَبُ طَرْفِي عَنْهُ إِذْ هُوَ نَاظِرِي """ فَمَا بُعْدُهُ إلاَّ لإِفْرَاطِ قُرْبِهِ
مَا هَب مِنْ نحوكُمْ نَسِيمُ صَبَا """ إِلاَّ وَأَذْكَى بمُهْجَتِي لَهَبا
وَلاَ شَدَا مُطْربٌ بذِكْرِكُمْ """ إلاَّ وَنَادَى المَشُوُقُ واطرَبا
وَلاَ تَذكُرْتُ عِيشَةَ سَلفَتْ """ بالخِيفِ إلاَّ وَقلْتُ وَا حَرَبا
لا نَالَ مِنْكَ المَشُوُقُ بُغْيَتَهُ """ إِنْ كان يَوْماً إلى سِوَاكَ صَبَا
يَا حَبْذا لَوْعَتي عَليْكَ وَيَا """ بُشْرَاىَ إنْ مُتُّ فِيكَ مُكْتَئِبا
أحْبَابَنا هَلْ بقُرْبِكُمْ أَمَلُ """ أَمْ هَلْ بوَصْلِكُمُ أَرَى سَبَبا
آهاً لأَيَّامِنَا بقُرْبكُمُ """ وطِيبِ عَيْشٍ بِوَصْلِكُمْ ذهَبا
يَا سَائقَ العِيسِ نَحْوَ كاظِمَةٍ """ أَبْلغْ سَلامِي لِنَازِليِنَ قَبا
وقلْ قضَى ذلِكَ المَشُوُقُ بِكُمْ """ وَمَا قضَى مِنْ وصَالِكُمْ أَرَبا
أَيُنْكِرُ الوَجْدُ أَنِّي فِي الهَوىَ شَحِبُ """ وَدُونَ كُلِّ دُخَانٍ سَاطِعٍ لَهِبُ
وَمَا سَلَوتُ كَمَا ظَنَّ الوِشَاةُ وَلاَ """ أَسْلُو كَمَا يَتَرجَّى العَاذِلُ التَّعِبُ
فَإِنْ بَكَى لِصَبَابَاتِي عَذُولُ هَوىً """
فَلى بِمَا مِنْهُ يَبْكِى عَاذِلي طَرَبُ
نَاشَدْتُكَ الَّلهَ يَا رُوحي اذْهُبَى كَلَفاً """
بِحُبِّ قَوْمٍ عَنِ الجَرْعَاءِ قَدْ ذَهَبُوا
لاَ تَسْأَلِيْهُمْ ذِمَاماً فِي مَحَبَّتِهمْ """ فَطَالَمَا قَدْ وَفَا بِالذِّمَةِ العَرَبُ
هُمْ أَهْلُ وُدِّي وَهَذَا وَاجِبٌ لَهُمُ """ وَإِنَّمَا وُدهُمْ لي فَهْوَ لاَ يَجِبُ
هُمْ أَلْبَسُونِي سِقَاماً مِنْ جُفُونِهِمُ """ أَصْبَحْتُ أَرْفُلُ فِيهِ وَهْوَ يَنْسَحِبُ
وَصَيَّرَتْ أَدْمُعي حُمْراً خُدُودُهمُ """
فَكَيْفَ أَجْحَدُ مَا مَنُّوا وَمَا وَهَبُوا
هَلِ السَّلاَمَةُ إِلاَّ أَنْ أَمُوتَ بِهِمْ """ وَجْداً وَإِلاَّ فبُقْيَاىَ هُوَ العَطَبُ
إِنْ يَسْلُبُوا البَعْضَ مِنِّي فَالجَميعُ لَهُمْ """
وَإِنّ أَشْرفَ أَجْزَائِي الَّذِي سَلَبُوا
لِي فِي هَوَاكُمْ مَذْهَبٌ مُذْهَبُ """ ومَطْلَبٌ مَامِثْلُهُ مَطْلَبُ
أًَصْبَحْتُ عَبْداً رَاضِياً بالَّذِي """ تَرْضُونَ لاَ أَرْجُو وَلاَ أَرْهَبُ
إِذَا تَجَلَّى كَاسُ سَاقِيكُمُ """ كُنْتُ لَهُ أَوَّلَ مَنْ يَشْرَبُ
وَإِنْ تَغَنَّى بِاسْمِكُمْ مُنْشِدٌ """ فَإِنَّني أَوَّلُ مَنْ يَطْرَبُ
يَا قَمَراً في مُهْجَتِي لَمْ يَزَلْ """ مَطْلَعُهُ المَّشْرقُ وَالمَغْرِبُ
وَيَا غَزَالاً في فُؤادِي لَهُ """ مَرْعىً وَمِنْ دَمْعِي لَهُ مَشْرَبُ
مَا العَيْشُ إلاَّ في هَوَاكَ الَّذِي """ كُلُّ نَعِيمٍ فَلَهُ يُنْسَبُ
لَوْلاَ الحَيَاءُ وَأَنْ يُقَال صَبَا """ لَصَرَخْتُ مِلْءَ السَّمْعِ وَاطرَبا
حَضَرَ الحَبيبُ وَغابَ حَاسِدُنا """ مِنْ بَعْدِ طُولِ تَحَجُب وَخَبا
فَاليَوْمَ أخْلَعُ فِيكَ يا أَمَلي """ ثَوْبَ الوَقارِ وَأطْرَحُ الرُّتَبا
يَا عَاذِلي كُنْ عَاذِرِي فِي حُبِّهمْ """ لَمْ ألْقَ للسِّلْوَانِ عَنْهُمْ مَذهَبا
لاَ تَلْح فِيْهمْ مُغْرَماً أَلِفَ الضَّنَا """ يَجدُ السِّقَامَ بهُمْ لَذِيذاً طَيِّبا
نَزَلَ الغَرَامُ بِهِ فرَحْلَ صَبْرَهُ """ عَنْهُ وَخَيْمَ في حَشَاهِ وَطَنْبا
غِبْتُمْ وَأَنْتُمْ حَاضِرونَ بمُهْجَتي """ أفْدِي الحُضُورَ بمُهَجَتِي وَالغَيْبا
أُحِبُّ حَبِيباً لاَ أُسَمِّيهِ هَيْبَةً """ وَكَتْمُ الهَوَى لِلقَلْبِ أَنْكَى وَأَنْكَأُ
أَخَافَ عَلَيْهِ مِنْ هَوَاىَ فَكَيْفَ لاَ """ أَغَارُ عَلَيْهِ مِنْ سِوَاىَ وَأَبْرَأُ
أَبِيتُ أُعَانِي فِيهِ حَرَّ جَوَانِحِي """ وَبَيْنَ جُفُوني مَدْمَعٌ لَيْسَ يَرْقَأُ
أَرَاهُ بِقَلبِي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ """ وَإنْ كُنتُ عَنْ وِرْدِ الوِصالِ أُحَلأُ
أَتاني كِتَابُ مِنْهُ قُمْتُ بِحَقِّهِ """ فَهَا أَنَا أبْكي مَا اسْتَطَعْتُ وأَقْرَأُ
أَتَانيِ هَوَاهُ مِلءُ سَمْعِي وَنَاظِرِي """ وَقَلْبي فَمَالِي مِنْهُ مَلْجاً وَمَنْجَأُ
أَغِثْني بِيَوْمٍ مِنْ لِقَائِكَ وَاحِدٍ """ فَإني بِيَوْمٍ مِنْ لِقَائِكَ أُجْزَأُ
أُغَالِطُ نَفْسِي مِنْكَ بِالوَصْلِ وَالرِّضَى """
وَمَنْ لي بِهِ وَهْوَ النَّعِيمُ المُهَنَّأُ
يَا قَاتِلي وَجَوَانِحِي أَبَداً """ تَشْتَاقُهُ فِي القُرْبِ والبُعْدِ
لَكَ أَنْ تَجُورَ عَليَّ يَا أَمَلي """ وَعَلَيَّ أَنْ أَرْضَى بِمَا تُبْدِي
وَلَئِنْ أَرَاقَ دَمِي هَوَاكَ فَيَا """ شَرَفِي وَيَا حَظِّي وَيَا سَعْدي
أَخْفَيْتُ حُبْكَ إِذْ خَفِيتَ ضَناً """ فَكَأَنَّنَا كُنَّا عَلى وَعْدِ
بِالَّلهِ لاَ تُرْسِلِ الجُفُونَ إِلى """ قَلْبِي فَمَا لِلقُلُوبِ مِنْ عَدَدِ
وَخلِّ جَفْنِي لاَ تُفِْنِهِ سِقماً """ لاَ بُدَّ لِلرُّوحِ فِيكَ مِنْ جَسَدِ
مَا خُلْدِيَ بِالقُرْبِ مِنْكَ فَلِمْ """ رَمَيْتَ سَهْمَ الجُفُونِ فِي خَلَدِي
فَدَيْتُكِ هَلْ أَذَبْتِ سِوَى جَمِيعي """ وَمِنيِّ هَلْ تَرَكْتِ سِوَى وِدَادِي
وكَيْفَ يَكُونُ فِيكِ خَفَاءُ وَجْدي """ وَهَذَا حُسْنُكِ الفَتَّانُ بَادِ
دُمُوعِي أَبَتْ إِلاَّ انْسِكَاباً لَعَلَّهَا """ بِمَكْنُونِ حُبِّي عِنْدَ حِبِّيَ تَشْهَدُ
دَنَوْتُ فَأَقْصَانِي فَعْدْتُ فَرَدَّنِي """ فَلاَ هُوَ يُدْنِينِي وَلاَ أَنَا أَبْعُدُ
دُهِيتُ بِفُقْدانٍ لِمَنْ قَدْ وَجَدْتُهُ """ فَلاَ مَدْمَعٌ يَرْقَا وَلاَ وَجْدُ يُحْمَدُ
دَبِيبُ الهَوىَ بَيْنَ الضُّلُوعِ مُؤَجَّجٌ """ لَهِيبُ اشْتيِاقي فِيه لِلقْلَبِ مُورِدُ
دَعَانِي فَمَنْ ذَاقَ الهَوىَ ثُمَّ لَمْ يَنَلْ """ وِصَالَ حَبِيبٍ كَيْفَ لاَ يَتَنَهَّدُ
دَعَاوىَ الأَسَى عِنْدي عَلَيْكَ صَحِيحَةٌ """ فَقَلْبِيَ خَفَّاقٌ وَجَفْنِي مُسَهَّدُ
دَمِي بِكَ مَسْفُوكٌ وَدَمْعِي مُسَفَّحٌ """ فَيَصْلُحُ قَلْبِي فِيكَ مِنْ حَيْثُ يَفْسَدُ
دَفَائِنُ حُبٍّ فِي لُحُودِ جَوَانِحِ """ لَهَا بِكَ حَشْرٌ كُلَّ يَوْمٍ وَمَوْعِدُ
دُجَايَ إِذَا وَاصَلْتَ يَوْمٌ مُؤَبَّدٌ """ وَيَوْمِي إِذَا أَبْعِدْتُ لَيْلُ مُسَرْمَدُ
دُنُوُّكَ أَقْصَى مَا أُحِبُّ وَأَشْتَهِي """ فَإِنْ نِلْتُهُ فَهْوَ النَّعيِمُ المُخَلَّدُ
أَبداً تَحنُّ إِلَيكُمُ الأَرواحُ """ وَوِصالُكُم رَيحانُها وَالراحُ
وَقُلوبُ أَهلِ وِدادكم تَشتاقُكُم """ وَإِلى لَذيذ لقائكم تَرتاحُ
وَا رَحمةً للعاشِقينَ تَكلّفوا """ سرّ المَحبّةِ وَالهَوى فَضّاحُ
***
أهل الهوى قسمان: قسم منهمو """ كتموا، وقسمٌ بالمحبة باحوا
فالباحئون بسرهم شربوا الهوى """ صرفاً فهزهموا الغرام فباحوا
والكاتمون لسرهم شربوا الهوى """ ممزوجةً فحَمتْهمو الأقداحُ
***
بِالسرِّ إِن باحوا تُباحُ دِماؤُهم """ وَكَذا دِماءُ العاشِقينَ تُباحُ
وَإِذا هُم كَتَموا تَحَدّث عَنهُم """ عِندَ الوشاةِ المَدمعُ السَفّاحُ
أَحبابنا ماذا الَّذي أَفسدتمُ """ بِجفائكم غَير الفَسادِ صَلاحُ
خَفضَ الجَناح لَكُم وَلَيسَ عَلَيكُم """ لِلصَبّ في خَفضِ الجَناح جُناحُ
وَبَدَت شَواهِدُ للسّقامِ عَلَيهمُ """ فيها لِمُشكل أمّهم إِيضاحُ
فَإِلى لِقاكم نَفسهُ مُرتاحةٌ """ وَإِلى رِضاكُم طَرفه طَمّاحُ
عودوا بِنورِ الوَصلِ مِن غَسَق الدُّجى """ فَالهَجرُ لَيلٌ وَالوصالُ صَباحُ
***
صافاهُمُ فَصَفوا لَهُ فَقُلوبهم """ في نُورِها المِشكاةُ وَالمِصباحُ
وَتَمَتّعوا فَالوَقتُ طابَ لِقُربِكُم """ راقَ الشّراب وَرَقّتِ الأَقداحُ
يا صاحِ لَيسَ عَلى المُحبِّ مَلامَةٌ """ إِن لاحَ في أُفق الوِصالِ صَباحُ
لا ذَنبَ لِلعُشّاقِ إِن غَلَبَ الهَوى """ كِتمانَهُم فَنما الغَرامُ فَباحوا
سَمَحوا بِأَنفُسِهم وَما بَخِلوا بِها """ لَمّا دَروا أَنّ السَّماح رَباحُ
وَدعاهُمُ داعي الحَقائقِ دَعوة """ فَغَدوا بِها مُستَأنسين وَراحوا
رَكِبوا عَلى سنَنِ الوَفا وَدُموعهُم """ بَحرٌ وَشِدّة شَوقهم مَلّاحُ
وَاللَّهِ ما طَلَبوا الوُقوفَ بِبابِهِ """ حَتّى دعوا فَأَتاهُم المفتاحُ
لا يَطربونَ بِغَيرِ ذِكر حَبيبِهم """ أَبَداً فَكُلُّ زَمانِهم أَفراحُ
حَضَروا وَقَد غابَت شَواهِدُ ذاتِهم """ فَتَهَتّكوا لَمّا رَأوه وَصاحوا
أَفناهُم عَنهُم وَقَد كشفَت لَهُم """ حجبُ البقا فَتَلاشتِ الأَرواحُ
فَتَشَبّهوا إِن لَم تَكُونوا مِثلَهُم """ إِنَّ التَّشَبّه بِالكِرامِ فَلاحُ
قُم يا نَديم إِلى المدامِ فَهاتها """ في كَأسِها قَد دارَتِ الأَقداحُ
مِن كَرمِ أَكرام بدنّ ديانَةٍ """ لا خَمرَة قَد داسَها الفَلّاحُ
هيَ خَمرةُ الحُبِّ القَديمِ وَمُنتَهى """ غَرض النَديم فَنعم ذاكَ الراحُ
وَكَذاكَ نوحٌ في السَّفينة أَسكَرَت """ وَلَهُ بِذَلِكَ رَنَّةً وَنِياحُ
وَصَبَت إِلى مَلَكوتِهِ الأَرواحُ """ وَإِلى لِقاءِ سِواه ما يَرتاحُ
وَكَأَنَّما أَجسامهُم وَقُلوبهُم """ في ضَوئِها المِشكاةُ وَالمِصباحُ
مَن باحَ بَينَهُم بِذِكرِ حَبيبِهِ """ دَمهُ حلالٌ لِلسّيوفِ مُباحُ
كُلّ يَومٍ يَروعُني مِنكَ عَتب """ أَيّ ذَنبٍ جَناهُ فيكَ المُحبُّ
إِن تَكُن أَحدَثت وشاتي حَديث """ بِسلوّي هَواك حَشاي كذبُ
وَضُلوعي لَها هَواك ضُلوعا """ بَل وَقَلبي لَها المَحبّة قَلبُ
مُتّ مِن جَورِ سادَة قَد أَحَلّوا """ قَتلَ مَن لا لهُ سِوى العشقِ ذَنبُ
صارَ لي في هَواهُ رُتبة ما """ حازَها في هَواهم قَطُّ صَبُّ
عَبراتٌ تَهمي وَجِسمٌ نَحيلٌ """ وَفُؤادٌ عَلى التَّقاطعِ يَصبو
وَضُلوعٌ مِنَ الجَوى واهِيات """ وَدُموعٌ بِذائِبِ القَلبِ سكبُ
يا سَميري وَلَم أَقُل يا سَميري """ قَط إِلّا أَجابَ عِشق وَحُبُّ
هَل لِداء الهَوى سَمعت دَواء """ هَل لِمَيت الغَرام في الحُبّ طبُّ
بَينَ جِسمي وَالسَّقم سلم وَبَينَ ال """ جفنِ وَالنَّوم عِندَما صَدّ حَربُ
مَن مُجيري مِن ظالِم وَلي القَل """ ب لَهُ اليَوم فيهِ قَتلٌ وَنَهبُ
جاءَ لِلنّاسِ فتنة بِخدودٍ """ نارها في قُلوبنا لَيسَ تَخبوا
إِنَّ عَيني لِشمس وَجهِكَ شَرق """ ما لِدَمعي سِوى الجفن غَربُ
أَحنّ لِذكراهُ إِذا ما ذَكَرتُهُ """ وَتَنهل عَبراتٌ تَفيض غُروبها
حَنينُ أَسيرٍ نازحٍ شدّ قَيدهُ """ وَأَعوال نَفسٍ غابَ عَنها حَبيبها
آيات نبوَة الهَوى بي ظَهَرَت """ قَلبي كَتَمت وَفي زَماني اِشتَهرت
هَذي كَبدي إِذا السَماء اِنفَطَرَت """ شَوقاً وَكَواكِب الدُموع اِنتَثَرَت
أَبداً تَحنُّ إِلَيكُمُ الأَرواحُ """ وَوِصالُكُم رَيحانُها وَالراحُ
وَقُلوبُ أَهلِ وِدادكم تَشتاقُكُم """ وَإِلى لَذيذ لقائكم تَرتاحُ
وَا رَحمةً للعاشِقينَ تَكلّفوا """ سرّ المَحبّةِ وَالهَوى فَضّاحُ
بِالسرِّ إِن باحوا تُباحُ دِماؤُهم """ وَكَذا دِماءُ العاشِقينَ تُباحُ
وَإِذا هُم كَتَموا تَحَدّث عَنهُم """ عِندَ الوشاةِ المَدمعُ السَفّاحُ
أَحبابنا ماذا الَّذي أَفسدتمُ """ بِجفائكم غَير الفَسادِ صَلاحُ
خَفضَ الجَناح لَكُم وَلَيسَ عَلَيكُم """ لِلصَبّ في خَفضِ الجَناح جُناحُ
وَبَدَت شَواهِدُ للسّقامِ عَلَيهمُ """ فيها لِمُشكل أمّهم إِيضاحُ
فَإِلى لِقاكم نَفسهُ مُرتاحةٌ """ وَإِلى رِضاكُم طَرفه طَمّاحُ
عودوا بِنورِ الوَصلِ مِن غَسَق الدُّجى """ فَالهَجرُ لَيلٌ وَالوصالُ صَباحُ
صافاهُمُ فَصَفوا لَهُ فَقُلوبهم """ في نُورِها المِشكاةُ وَالمِصباحُ
وَتَمَتّعوا فَالوَقتُ طابَ لِقُربِكُم """ راقَ الشّراب وَرَقّتِ الأَقداحُ
يا صاحِ لَيسَ عَلى المُحبِّ مَلامَةٌ """ إِن لاحَ في أُفق الوِصالِ صَباحُ
لا ذَنبَ لِلعُشّاقِ إِن غَلَبَ الهَوى """ كِتمانَهُم فَنما الغَرامُ فَباحوا
سَمَحوا بِأَنفُسِهم وَما بَخِلوا بِها """ لَمّا دَروا أَنّ السَّماح رَباحُ
وَدعاهُمُ داعي الحَقائقِ دَعوة """ فَغَدوا بِها مُستَأنسين وَراحوا
رَكِبوا عَلى سنَنِ الوَفا وَدُموعهُم """ بَحرٌ وَشِدّة شَوقهم مَلّاحُ
وَاللَّهِ ما طَلَبوا الوُقوفَ بِبابِهِ """ حَتّى دعوا فَأَتاهُم المفتاحُ
لا يَطربونَ بِغَيرِ ذِكر حَبيبِهم """ أَبَداً فَكُلُّ زَمانِهم أَفراحُ
حَضَروا وَقَد غابَت شَواهِدُ ذاتِهم """ فَتَهَتّكوا لَمّا رَأوه وَصاحوا
أَفناهُم عَنهُم وَقَد كشفَت لَهُم """ حجبُ البقا فَتَلاشتِ الأَرواحُ
فَتَشَبّهوا إِن لَم تَكُونوا مِثلَهُم """ إِنَّ التَّشَبّه بِالكِرامِ فَلاحُ
قُم يا نَديم إِلى المدامِ فَهاتها """ في كَأسِها قَد دارَتِ الأَقداحُ
مِن كَرمِ أَكرام بدنّ ديانَةٍ """ لا خَمرَة قَد داسَها الفَلّاحُ
هيَ خَمرةُ الحُبِّ القَديمِ وَمُنتَهى """ غَرض النَديم فَنعم ذاكَ الراحُ
وَكَذاكَ نوحٌ في السَّفينة أَسكَرَت """ وَلَهُ بِذَلِكَ رَنَّةً وَنِياحُ
وَصَبَت إِلى مَلَكوتِهِ الأَرواحُ """ وَإِلى لِقاءِ سِواه ما يَرتاحُ
وَكَأَنَّما أَجسامهُم وَقُلوبهُم """ في ضَوئِها المِشكاةُ وَالمِصباحُ
مَن باحَ بَينَهُم بِذِكرِ حَبيبِهِ """ دَمهُ حلالٌ لِلسّيوفِ مُباحُ
قَد كنتُ أَحذَر أَن أَشقى بِفُرقَتِكم """ فَقَد شَقيتُ بِها لَم يَنفَعِ الحَذَرِ
المَرءُ في كُلّ يَومٍ يَرتَجي غَده """ وَدونَ ذَلِكَ مَخبوء لَهُ القَدرُ
القَلبُ يَأملُ وَالآمالُ كاذِبة """ وَالمَغشي يَلهو وَفي الأَيّامِ مُعتبرُ
وَمِمّا شَجاني أَنَّها يَومَ وَدّعت """ تَوَلَّت وَماءُ العَينِ في العَينِ حائرُ
فَلَمّا أَعادَت مِن بَعيدٍ بِنَظرَةٍ """ إِلَيّ اِلتفاتاً أَسلَمَته المَحاجرُ
اليَوم أَيقَنتُ أَن الحُبَّ مُتلِفةٌ """ وَأَنّ صاحِبهُ منّي عَلى خَطرِ
كَيفَ الحَياة لِمَن أَمسى عَلى شَرَفٍ """ مِنَ المَنيّةِ بَينَ الخَوفِ وَالحَذَرِ
يَلومُ عَينَيهِ أَحياناً بِذَنبِهُما """ وَيَحملُ الذَّنبَ أَحياناً عَلى القدرِ
أَفي كُلِّ يَومٍ نَظرَةٌ ثُمّ عَبرةٌ """ لِعَينيك يَجري ماؤُها يَتَحدّرُ
مَتى يَستريحُ القَلبُ إِمّا مُجاور """ حَزين وَإِمّا نازِحٌ يَتَذَكّرُ
تَوَلَّت بِهجَةُ الدُّنيا """ فَكُلُّ جَديدها خَلقُ
وَخانَ النّاسَ كُلَّهُم """ فَما أَدري بِمَن أَثقُ
رَأَيتُ مَعالِمَ الخَيرا """ تِ سدَّت دونَها الطُّرقُ
فَلا حَسبٌ وَلا نَسَب """ وَلا دين وَلا خلقُ
فَلَست مُصَدّق الأَقوا """ مِ في شَيءٍ وَلَو صَدَقوا
بِكُلِّ صُبحٍ وَكُلِّ إِشراق """ أَبكي عَلَيكُم بِدَمع مُشتاقِ
قَد لَسَعت حيّة الهَوى كَبدي """ فَلا طَبيب لَها وَلا راقي
إِلّا الحَبيب الَّذي شغفت بِهِ """ فَإِنَّهُ رقيَتي وَترياقي
هَبَّت عَلي صَبا تَكاد تَقول """ إنّي إِلَيكَ مِن الحَبيبِ رَسولُ
صَرَّفت أَخباري فَقُلت أحبّها """ في قِصَّتي طول وَأَنتَ مُلوكُ
قَد بَقينا مُذَبذبينَ حَيارى """ نَطلُبُ الوَصلَ ما إِلَيهِ سَبيلُ
فَدعاوى الهَوى تَخفّ عَلَينا """ وَخِلاف الهَوى عَلَينا ثَقيلُ
شَوقي يَجلُّ عَنِ الوَسائل """ وَهوَى ينزّه عَن مُماثِل
شَوقي يُجدّدهُ الزَّمان """ إِلَيكَ لا نَحوَ المَنازل
بُشّرتُ أَنّك قاتِلي """ يا حَبَّذا إِن كُنتَ قاتل
زَوّد فُؤادي نَظرَة """ مِن حُسنِ وَجهِكَ فَهوَ راحِل
روحي فِداء مُبَشِّري """ إِن صَحَّ أَنَّكَ لي مُواصِل
مُستَشفِعٌ بِوَسائلٍ """ وَأَلَذّ مِن إِحدى الوَسائل
سَهَري لِغَيركَ ضائِعٌ """ وَتَيمّمي بِسِواكَ باطِل
بَيني وَبَينَكَ في المَوَدّةِ نِسبَةٌ """ مَكتومَة عَن سرّ هَذا العالَمِ
نَحنُ اللّذان تعارَفَت أَرواحُنا """ مِن قَبلِ خَلق اللَّه طينَةَ آدمِ
ما عَلى مَن باحَ مِن حَرَجٍ """ مِثل ما بي لَيسَ يَنكتِمُ
زَعَموا أَنَّني أُحِبّكُم """ وَغَرامي فَوقَ ما زَعَموا
عَلى العَقيق اِجتَمَعنا """ نَحنُ وَسودُ العيونِ
أَظنّ مَجنونَ لَيلى """ ما جنّ بَعضَ جُنوني
إِن مُتّ وَجداً عَلَيهم """ بِأَدمُعي غَسَلوني
نوحوا عَلَيَّ وَقُولوا """ هَذا قَتيل العُيونِ
أَيا عُيوني عيوني """ وَيا جُفوني جَفوني
فَيا فُؤادي تَصبّر """ عَلى الَّذي فارَقوني
قِف بِنا يا سَعد نَنزل ها هُنا """ فَأثيلات النَّقا ميعادُنا
وَاِبتغِ لي عبرةً أَبكي بِها """ فَدُموعي نَفَذَت بِالمُنحَنى
هَذِهِ الخيفُ وَهاتيكَ مُنى """ فَتَرفَّق أَيُّها الحادي بِنا
وَاِحبِس التَّدليجَ عَنّا ساعَةً """ نَندُب الحَيَّ وَنَبكي الوَطَنا
أَهلُ مَكّةَ هَكَذا مكّتكم """ كلّ مَن حَجَّ إِلَيها فُتِنا
قَتَلت سُمركمُ سادَتنا """ لَستُ أَعني بِكُم سُمرَ القَنا
كُلُّ مَن آمل شَيئاً نالَهُ """ يَومَ عيدٍ في مُنى إِلا أَنا
قُلتُ يا صَيّاد قَلبي حلّهُ """ حرمَ الصّيد عَلى مَن في منى
قال مَن تَعني وَقَد أَبرَزَ لي """ مِن خبا البُرقعِ وَجهاً حَسَنا
قُلتُ إِيّاكَ فأَوما خَجَلا """ قالَ وَالصَّياد مَن قُلت أَنا
بانوا وَأَضحى الجِسمُ مِن بعدِهِم """ ما تُبصِرُ العَينُ لَهُ فيّا
يا أَسَفي مِنهُم وَمِن قَولِهُم """ ما ضَرَّكَ الفَقدُ لَنا شيّا
بِأَيّ وَجهٍ أَتَلَقّاهُم """ إِن وَجَدوني بَعدَهُم حَيّا
وفي شعر الجيلاني الحنبلي المذهب الذي عمل بالتدريس والإفتاء، نجد حقائق التصوف وقد إختبأت بين حروف الكلمات، ويشار إليها تلويحا وتلميحا لنفس الأسباب، التي جعلت شعر الصوفية رمزياً.
ومن أهم قصائد ديوان الجيلاني رائعته المعروفة باسم الوسيلة، وتقع في 48 بيتاً، وهي تعبير -كما يقول الباحث الجليل يوسف زيدان الذي قام بجمعها- عن فرط المحبة وفيضان الوجد، وقد عمد الامام فيها إلى الرموز الصوفية كالخمر والحان والكأس، وغير ذلك من الرموز الحسية، التي طالما أشار بها الصوفية لمعانيهم الذوقية.
وها هي ذي "الوسيلة" بأبياتها التي تمثل أحد روائع الشعر الصوفي:
وَلَما صَفَا قَلْبي وَطَاَبتْ سَرِيرَتِي """ وَنَادَمَنِي صَحْويِ بِفَتْحِ الْبَصِيرة
شَهِدْتُ بِأَنَّ الله مَوْلَى الْوِلاَيَةِ """ وَقَدْ مَنَّ بِالتَّصْرِيفِ فِي كُلِّ حَالَةِ
سَقَانِي إِلهيِ مِنْ كؤوس شَرَابِهِ """ فَأَسْكَرَنِي حَقَاً فَهِمْتُ بِسَكْرتِي
وحَكْمَنِي جِمْع الدِّنَانِ بِمَا حَوَى """ وَكُلُّ مُلُوكِ الْعَالمِينَ رَعِيَّتي
وَفيِ حَانِنَا فادْخُلْ تَرَ الْكَأْسَ دَائِراً """ وَمَا شَرِبَ العُشَّاقُ إِلاَّ بَقِيَّتي
رُفِعْتُ عَلَى مَنْ يَدَّعِي الْحُبَّ فِي الْوَرَى """ فَقَرَّبَني الْمَوْلَى وَفُزْتُ بِنَظْرَةِ
وَجَالَتْ خُيُولِي فِي الأَرَاضِي جَمِعَها """ وَزُفَّتْ لِيَ الْكَاسَاتُ مِنْ كُلِّ وِجْهَةِ
وَدُقَّتْ لِي الْرَايَاتُ فِي الأَرْضِ وَالسَّمَا """ وَأَهْلُ السَّمَا والأَرْضِ تَعْلَمُ سَطْوتِي
وَشَاءُوسُ مُلْكِي سَارَ شَرْقاً وَمَغْرِباً """ فَصِرْتُ لأَهْلِ الْكَرْبِ غَوْثاً ورَحْمَةِ
فَمَنْ كَانَ مِثْلِي يَدَّعِي فِكُمُ الْهَوَى """ يُطَاوِلُني إنْ كَانَ يَقْوَى لِسَطْوَتِي
أَنَّا كُنْتُ في الْعُلْيَا بِنُور مُحَمَّدٍ """ وَفِي قَابَ قَوْسَيْنِ اجْتِمَاعُ الأَحِبَّةِ
شَرِبْتُ بِكَاسَاتِ الغَرَامِ سُلاَفَةً """ بِهَا انْتَعَشَت روحِي وَجِسْمِي وَمُهْجَتِي
وَصِرْتُ أَنَا السَاقِي لِمَنْ كَانَ حَاضِراً """ أُدِيرُ عَلَيهِمْ كَرَّةً بَعْدَ كَرَّةِ
وَقَفْتُ بِبَابِ اللهِ وَحْدِي مُوَحِّدَاً """وَنُودِيتُ يَا جِيلاَنِيَ ادْخُلْ لِحَضْرتِي
وَنُوديتُ يَا جِيلاَنِيَ ادْخُلْ وَلا تَخفْ """ عُطيتُ اللوا مِنْ قَبْلِ أَهْلِ الحَقِيقَةِ
ذِرَاعِيَ مِنْ فَوْقِ السَّمَواتِ كُلَّهَا """ وَمِنْ تَحْتِ بَطْنِ الحُوتِ أَمْدَدْتُ رَاحَتي
وَأَعْلَمُ نَبْتَ الأَرضِ كَمْ هُوَ نَبْتَةٌ """ وَأَعْلَمُ رَمْلَ الأَرْضِ عَدَّاً لِرَمْلَةِ
وَأَعْلَمُ عِلْمَ اللهِ أُحْصِي حُروفَهُ """ وأَعْلَمُ مَوْجَ الْبَحْرِ عَدَّا لِمَوْجَةِ
وَمَا قُلْتُ هَذَا القَوْلَ فَخْراً وإنَّمَا """ أَتَى الإِذْنُ حَتَّى تَعْرِفُوا مِنْ حَقِيقَتي
وَمَا قُلْتُ حَتْى قِيلَ لِي قُلْ وَلاَ تَخَفْ """ فَأَنْتَ وَلِييِّ فِي مَقَامِ الْوِلاَيةِ
أَنَا كُنْتُ مَعْ نُوْحٍ أُشَاهِدُ فِي الْوَرَى """ بِحَاراً وَطُوقَاناً عَلَى كَفِّ قُدْرَتي
وَكُنْتُ وَإِبْراهِيمَ مُلْقَىً بِنَارِهِ """ وَمَا بَرَّدَ النِّيرانَ إِلاَّ بدَعْوَتِي
وَكُنْتُ مَعَ اسْمَعِيلَ في الذَّبْحِ شاهِدَاً """ وَمَا أَنْزَلَ المَذْبُوح إِلاَّ بِفُتْيَتي
وَكُنْتُ مَعَ يَعْقُوبَ فِي غَشْوِ عَيْنِهِ """ وَمَا بَرِئَتْ عَيْنَاهُ إِلاَّ بِتَفْلَتِي
وَكُنْتُ مَعَ إِدْرِيسَ لَمَّا ارْتَقَى الْعُلا """ وَأُسْكِنَ فِي الْفِرْدَوْسِ أَحْسَنَ جَنَّةِ
وَكُنْتُ وَمُوسَى فِي مُنَاجَاةِ رَبِّهِ """ وَمُوسَى عَصَاهُ مِنْ عَصَايَ اسْتَمَدَّتِ
وَكُنْتُ مَعَ أيِّوبَ في زَمَنِ الْبَلا """ وَمَا بَرِئَتْ بَلْوَاهُ إلاَّ بِدَعْوَتِي
وَكُنْتُ مَعَ عِيسَى وَفِي الْمَهْدِ ناطِقَاً """ وَأَعْطَيْتُ دَاوُداً حَلاَوةَ نَغْمَتِي
وَلِي نَشَأَةَ في الْحُبِّ مِنْ قَبْلِ آدمِ """ وَسِرِّي سَرَى فِي الْكَوْنِ مِنْ قَبْلِ نَشْأَتِي
أَنَا الذَّاكِرُ المَذْكُورُ ذِكْراً لِذَاكِرٍ """ أَنَا الشاكِرُ المَشْكُورُ شُكْراً بِنِعْمَتِي
أَنَا الْعَاشِقُ الْمَعْشَوقُ فِي كُلِّ مُضْمَرٍ """ أَنَا السَّامِعُ الْمَسْمُوعُ فِي كُلِّ نَغْمَةِ
أَنَا الْوَاحِدُ الْفَرْدُ الْكَبِيرُ بِذَاتِهِ """ أَنَا الْوَاصِفُ الْمَوْصُوفُ عِلْمُ الطَّرِيقَةِ
مَلَكْتُ بِلاَدَ اللَّهِ شَرْقَاً وَمَغْرِباً """ وَإِنْ شِئْتُ أَفْنَيْتُ الأَنَامَ بِلَحْظَةِ
وَقَالَوا فَأَنْتَ الْقُطبُ قُلْتُ مُشَاهدُ """ وَنَالٍ كِتَابَ اللهِ فِي كُلِّ سَاعَةِ
وَنَاظِرُ مَا فِي اللَّوْحِ مِنْ كُلِّ آيَةٍ """ وَمَا قَدْ رَأَيْتُ مِنْ شُهُودٍ بِمُقْلَتِي
فَمْن كَانَ يَهْوَانَا يَجِي لِمَحَلِّنَا """ وَيَدْخُلْ حِمَى السَّادَاتِ يَلْقَ الْغَنِيمَة
فَلاَ عَالِمٌ إِلاَّ بِعِلْمِيَ عَالِمٌ """ وَلاَ سَالِكٌ إِلاَّ بِفَرْضِي وَسُنَّتِي
وَلاَ جَامِعٌ إِلاَّ وَلِي فِيهِ رَكْعَةٌ """ وَلاَ مِنْبَرٌ إِلاَّ وَلِي فِيهِ خُطْبَتِي
وَلَوْلاَ رَسُولُ اللهِ بِالْعَهْدِ سَابِقٌ """ لأَغْلَقْتُ أَبْوَابَ الْجَحِيمِ بِعْظمَتِي
مُرِيدِي لَكَ الْبُشْرَى تَكُونُ عَلى الْوَفَا """ وَإِنْ كُنْتَ فِي هَمٍّ أُغِثْكَ بِهِمَّتي
مُرِيدِي تَمَسَّكْ بِي وَكُنْ بِيَ وَاثِقَاً """ لأَحْمِيكَ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَكُنْ يَا مُرِيدِي حَافِظَاً لِعُهُودِنَا """أَكُنْ حَاضِرَ الْميِزَانِ يَوْمَ الْوَقِيعَةِ
وَإِنْ شَحَّتِ الْميزَانُ كُنْتُ أَنَا لَهَا """ بِعَيْنِ عِنَايَاتٍ وَلُطْفِ الْحَقِيقَةِ
حَوَائِجُكُمْ مُقْضِيَّةً غَيْرَ أَنَّنِي """ أَرِيدُكُمُو تَمْشُون طُرْقَ الْحَمِيدَةِ
وَأَوْصِيكُمُو كَسْرَ النُّفُوسِ فإِنَّها """ مَرَاتِبُ عِزِّ عِنْدَ أَهْلِ الطَّرِيقَةِ
وَمَنْ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ بِتَكَبُّرٍ """ تَجِدْهُ صَغِيراً في عُيُونِ الأَقِلَّةِ
وَمَنْ كَانَ فِي حَالاتِهِ مُتَواضِعَاً """ مَعَ اللهِ عَزَّتْهُ جَميعُ الْبَرِيَّةِ
مَا فِي الصَبابَةِ مَنْهَلٌ مُسْتعْذَبُ """ إِلاّ وَلِي فِيهِ اْلأَلَذُ الأَطْيَبُ
أَوْ فِي الْوِصَالِ مَكَانَهُ مَخْصوْصَةٌ """ إلاَّ وَمَنْزلَتي أَعَزُّ وَأَقْرَبُ
وَهَبَتْ لِيَ الأَيّامُ رَوْنَقَ صَفْوِهَا """ فَحَلَتْ مَنَاهِلْهَا وَطَابَ الْمَشْرَبُ
وَغَدَوْتُ مَخْطُوباً لِكُلِّ كَرِيمةٍ """ لاَ يَهْتَدي فِيهَا اللَّبِيبُ فَيَخْطُبُ
أَنَا مِنْ رِجَالِ لاَ يَخَافُ جَليسُهُمْ """ رَيْبَ الزَّمَانِ وَلاَ يَرى مَا يَرْهَبُ
قَوْمٌ لَهُمْ فِي كُلِّ مَجْدٍ رُتْبَةٌ """ عُلْويَّةٌ وَبِكُلِّ جَيْشٍ مَوْكِبُ
أَنَا بُلْبُلُ الأَفْرَاحِ أَمْلأَ دَوْحَها """ طَرَباً وَفِي الْعَلْيَاءِ بَازٌ أَشْهَبُ
أَضْحَتْ جُيُوشُ الحُبِّ تَحْتَ مَشِيئَتي """ طَوْعاً وَمَهْمَا رُمْتُهُ لاَ يَعْزُبُ
أَصْبَحْتُ لاَ أَمَلاً ولاَ أُمْنِيَّةً """ أَرْجُو وَلاَ سَوْعُودةً أَتَرَقَّبُ
مَا زِلْتُ أَرْتَعُ فِي مَيَادِينِ الرِّضَا """ حَتَّى بَلَغْتُ مَكَانَةً لاَ تُوهَبُ
أَضْحَى الزَّمَانُ كَحُلَّةٍ مَرْقُومَةٍ """ نَزْهُو وَنَحْنُ لَهَا الطِّرَازُ المُذْهَبُ
أَفَلتْ شُمُوسُ الأَوَّلِينَ وَشَمْسُنَا """ أَبَداً عَلَى فَلَكِ الْعُلَى لاَ تَغْرُبُ
رُفِعَ الحَجْبُ عَنْ بُدُورِ الجَمَالِ """ مَرْحَباً مَرْحَباً بِأَهْلِ الجَمَالِ
مَلَكُونِي بِحُبِّهِمْ وَرَضُوا عَنْ """ عَبْدِ رِقٍّ فَسُدْتُ بَيْنَ المَوَالِي
عَامَلُونِي بِلُطْفِهِمْ فِي غَرَامِي """ فَحَلَى فِي بَصَائِرِ النَّاسِ حَالِي
فَرَّحُونِي بِصَرْفِ رَاحِ هَوَاهُمْ """ فَتَرَبَّيْتُ فِي حُجُورِ الدَّلاَلِ
إنْ أرَادُوا الصَّدُودَ يَفْنَ وُجُودِي """ رَحَمُونِي وأَنْعَمُوا بالوِصَالِ
وَإِذَا مَا ضَلَلْتُ عَنْهُمْ هَدُونِي """ هَكَذا هَكَذَا تَكُونُ المَوِالي
سَادَتِي سَادَتِي بِحَقِّي عَلَيْكُمْ """ إِنَّنِي عِنْدَكُمْ عَزِيزٌ وَغَالِ
مَا بَقَى لِي حَبيبُ قَلْبِ سِوَاكُمْ """ مَاتَ وَهْمِي بِكُمْ وَبَانَ خَيَالِي
بِحَيَاتِي عَلَيْكُمُ يَا سُقاتِي """ رَوِّقُوا الكَأْسَ إنَّ حِبِّي مَلاَلِي
وَأَدِيرُوا الكُئُوسَ بَيْنَ النَّدَامَى """ فَجَمِيعُ الأَنَامِ سَكْرَى بِحَالِي
لكن تنازع شوقي تارة أدبي """ فأطلب الوصل لما يضعف الأدبولست أبرح في الحالين ذا قلق """ نام وشوق له في أضلعي لهب
ابن الخيمي
أيا من سَلَوا عنا ومالوا إلى الغدرِ """ ومالزموا أخلاق أهل الهوى العذري
وبعد حلاوات التواصل والهوى """ جنوا مُرّ طعم الهجر من علقم الصبر
اذا ما رجعتم عن محبتكم لنا """ مشاةً رجعنا عن محبتكم نجري
وإن كنتم في الجهر عنا صددتم """ ففي سرِّنا عنكم نصدُّ وفي الجهر
سكنتم فؤادي مرةً ورحلتم """ فأصبح منكم خالياً خالي السرِّ
وقال لي العذالُ هل أنت راجعٌ؟ """ إذا رجعوا عن غدرهم قلت لا أدري!
يا مطلباً ليس لي في غير أربُ """ إليك آل التقصِّي وانتهى الطلبُ
وما أراني أهلاً أن تواصلني """ حسبي علواً بأني فيك مكتئبُ
"""
لكن ينازعُ شوقي تارةً أدبي """ فأطلب الوصلَ لما يضعفُ الأدبُ
ولستُ أبرح في الحالين ذا قلق """ نام وشوقٍ له في أضلعي لهب
"""
ومدمعِ كلما كفكفت صَيِّبَهُ """ صوناً لذكرك يعصيني وينسكبُ
ويدَّعي في الهوى دمعي مقاسمتي """ وجدي وحزني ويجري وهو مختضبُ
كالطرف يزعم توحيدَ الحبيب ولا """ يزالُ في ليلهِ للنجمِ يرتقبُ
"""
يا صاحبي قد عدمت المسعدين فسا """ عدني على وَصَبي لا مَسَّكَ الوصبُ
بالله إن جزتَ كثباناً بذي سَلَمٍ """ قفْ بي عليها وقُلْ لي: هذه الكثبُ
ليقضي الخدُّ من اجراعها وطراً """ في تُربها ويؤدي بعض ما يجبُ
"""
وملْ إلي البان من شرقّي كاظمة """ فلي إلى البان من شرقيِّها أربُ
وكلما لاح معنى من جمالهم """ لباه شوقٌ إلى معناه منتسبُ
أظلُّ دهري ولي من حبهم طربٌ """ ومن أليم إشتياقي نحوهم حَرَبُ
"""
لله قومٌ بجرعاء الحي غُيُبُ """ جنوا عليّ ولما أن جنوا عتبوا
يا ربِّ هم أخذوا قلبي فلم سخطوا؟ """ وأنهم غصبوا عيشي فلِمَّ غضبوا؟
هم العُرَيْبُ بنجدٍ مُذُ عرفتهمُ """ لم يبقْ لي معهم مالٌ ولا نَشَبُ
شاكون للحرب لكن من قدودهمُ """ وفاتراتُ اللحاظِ السمرُ والقضبُ
فما ألموا بحيٍّ أو ألمّ بهمْ """ إلا وغادرو على الأبيات وانتبهوا
عاهدتُ في زمن البطحاء عهدي هوى """ إليهم وتمادتْ بيننا حِقَبُ
فما أضاعوا قديمَ العهد بل حفظوا """ لكن لغيري ذاك العهدَ قد نسبوا
"""
من منصفي من لطيفٍ منهم غَنِجٍ """ لدنِ القوام لاسرائيل ينتسبُ
مُبدِّلِ القول ظلماً لا يفي بموا """ عيد الوصال ومنه الذنبُ والغضبُ
تُبينُ لثغتُهُ بالراء نسبَته """ والمينُ منه بزور الوعدِ والكذبُ
"""
موَحدٌ فيرى كل الوجود له """ ملكاً ويبطل ما يأتي به النسبُ
فعن عجائبه حدِّثْ ولا حرجُ """ ما ينتهي في المليح المطلقِ العجبُ
بدرٌ ولكن هلالاً لاح اذ هو بالـ """ ورديِّ من شفق الخدين منتقبُ
"""
في كأس مبسمه من حلو ريقته """ خمرٌ ودُرُ ثناياه لها حَبَبُ
فلفظة أبداً سكران يسمعنا """ من مغرب اللحن ما يُنسي به الأدبُ
تجنى لواحظه فينا ومنطقه """ جناية تجتني من مرها الضربُ
"""
حلو الأحاديث والألحاظ ساحرها """ تُلقى إذا نطقَ الألواحُ والكتبُ
لم تبقِ ألفاظه معنىً يرق لنا """ لقد شكتْ ظلمه الأسعارِ والخطبُ
فداؤه ما جرى في الدمع من مهجٍ """ وما جرى في سبيل الحبِّ محتسَبُ
"""
ويح المتيَّم شامَ البرقَ من إضم """ فهزّه كاهتزاز البارق الحَرِبُ
وأسكن البرقَ من وجد ومن كلفٍ """ في قلبه فهو في أحشائه لهبُ
وكلما لاح منه بارقٌ بعثت """ ماء المدامع من أجفانه سُحبُ
وما أعادت نسيماتُ الغوير له """ أخبار ذي الأثل إلا هزّه الطربُ
واهاً له أعرضَ الأحبابُ عنه وما """ أجدتْ رسائله الحُسنى ولا القربُ
بالأثل لنا حديث وجد طابا """ عاهدت على صحته الأحبابا
أصبحت به مستغنيا مشتغلا """ ما أعرف انسانا ولا أنسابا
جزعت لان جيش الروم وافى """ ومثلى ليس يجزع فى الخطوب
وما جزعى لشيء غير أني """ أخاف من العدو على الحبيب
يا مذهبين بجسمي """ وذاهبين بقلبي
مالى على البعد الاّ """ ارسال دمعي وكتبي
وحق ما كان منكم """ من طيب وصل وقرب
لولا هواكم حياتى """ قضيت بالبين نحبي
ما أشوقني ولم أزل مقتربا """ ما زادني الدنو الا طلبا
جاد الاحباب بالتداني ورضوا """ بالوصل وما شكواى الا الرقبا
لم توف أشواقي ولا لوعاتي """ حق الهوى لكم ولا عبراتي
مع أن أيسر ما عدمت بلوعتى """ روحي وأهون ما وجدت مماتى
يا من يعز وصالهم أن يشترى """ بنفائس الاموال والمهجات
جهد الصبابة في هواكم سلوة """ ونهاية البلوى من اللذات
وفوات جسم الصب آفات الضنى """ في حبكم من أعظم الآفات
فسقام جسمي في هواكم صحتى ال """ كبرى وموتي فيه عين حياتي
إذا ما بثثت الشوق يا عز فاعلموا """ بأن يسير الشوق يعجز عن بثي
تجدد لي الاشواق فى كل ساعةٍ """ على بالي البالى ومصطبرى الرث
وانفث أشكو فرقة فيطبها """ بأخرى كأن البين يطرب من نفثى
ماذا أبث إليكم مما غدا """ حكم الزمان به علي وراحا
أأقول أنى قد بكيتم دما """ حتى كأن بمقلتي جراحا
أو أننى ألقى الركائب او أسشيم """ البرق أو أتنسّم الارواحا
شوقي اليكم فوق وصفي والصبا """ به فوق أن أشتاق أو أرتاحا
لي من دمشق حبيب """ بالشخص عني بعيد
فنهر دمعي للوج """ د في دمشق يزيد
يا من أدار بحسنه المعبود """ صهباء وصل فى كؤوس صدود
ملأت محاسنك الوجود محاسنا """ لم يبق قلب فيك غير عميد
يا من دعانى قبل أوجد حسنه """ فقضى جمال وجوده بوجودى
إني بحسنك قد حييت وإنني """ سأموت من شوق عليك شديد
وإذا رضيت بان أموت هوى فقد """ أحييتنى يا مبدئى ومعيدى
أضحى جمالك مفرطا وصبابتى """ لورودها فمتى يكون ورودي
ولقد رأيت مياهها لكنها """رؤيا صدٍ عن ذوقها مصدود
أمعذبي بدلاله ومنعمي """ بجماله وبهائه المشهود
إن كنت فى يوم العذاب معاتبى """ فمتى أفوز بيومه الموعود
لى من جمالك حسن وعد يرتجى """ ومن الدلال علي حسن وعيد
خطوات ذكرك لا تفارق خاطري """ وجمال حسنك لم يزل مشهودى
واذا نطقت فأنت مقصودى وان """ أصمت فحين فناي في مقصودى
لولاك لم ينض المساق مطيتى """ ولما أنست بموحشات البيد
ولما حبست على معالم رامة """ نضوي أسائل صامت الجلمود
ولعى بغزلان الصريم قضى به """ ولهى عليك وموقفى بزرود
فى كل وقت لى هوى متجدد """ لغريب حسن لاح فيك جديد
خفيت به ذاتى وأظهر صبوتي """ فتبين المعدوم بالموجود
شهدت لى الاشجان فيك بأنني """ فان فقد ثبت الفنا بشهود
غلب الغرام على رسومى فاعجبوا """ لغرامي الموجود فى مفقود
يا أهل ودى وانهى """ قصدى وانس مرادي
بنتم فوجدي عليكم """ باق ليوم المعاد
وحقّ طيب التلاقي """ وحسن عهد الوداد
لم يعرف الصبر عنكم """ ولا الهدو فؤادي
ان كان قلبي سلاكم """ فلا ارتوى منه صادي
وان أردت سواكم """ فلا بلغت مرادي
ما أملك الميل عنكم """ يا مالكين قيادي
حاشاكم أن تضيعوا """ فيكم جميل اعتقادى
ما ضرّ من ملك فؤادى بأسره """ لو لم يضع بعض الجميل بهجره
فيضم شمل جميله وجماله """ ويجوز حب محبه مع أجره
مالي أبوئه الفؤاد جميعه """ ويطيره بصدوده من وكره
بدر له في كل قلب منزل """ متحجب من عزه عن سرّه
يا ليته اذ كان قلبى بيته """ لو كان يبرد بالرضا من حره
لم أسمه بالشمس حيث طلوعه """ ما كان الا في دجنه شعره
منح الغزال ملاحة من لحظه """ وكسا الغزالة خلعة من بشره
وأقام في قلبي وأوقد ناره """ فيه ورد فقيره عن برّه
تدعو محاسنه ويزجر صده """ قد حرت فى اذن الحبيب وزجره
يممت خيرا من وصال جماله """ ويزيد العذول بسره
يا عاذلي ما أنت إلا مذنب """ لكن أتيت بشافع من ذكره
ضاع في آثارهم قلبي فلا """ معهم قلبي ولا قلبي معي
عاذلي عذلك من يسمعه """ ولئن كنت سميعا من يعى
ملأوا قلبي وعينيّ فما """ لسواهم فيهما من موضع
وأحاديثهم ما تركت """ لسواهم موضعا فى مسمعى
بى هوى يعجز رضوى حمل ما """ حملت منه حنايا أضلعي
وغرام شهو الواشى به """ قبل دعواى وغيري يدعي
بالرغم مني أن تنأى الديار بكم """ وان يفرق شمل كان مجتمعا
وان تعود ديار الانس موحشةً """ وأن يكون طريق الوصل منقطعا
لم يبق غيركم مني سوى طمعتي """ فيكم ويا ليته يبقى لي الطمعا
أصبحت أقنع بالآمال بعدكم """ والصب ان هو لم يعط الرضا قنعا
ما لاح برق ولا هبّت يمانية """ الا تعاظم خرق الوجد واتسعا
ولا شدا طائر الا وضعت يدي """ على فؤادي أظن القلب قد وقعا
يا من يراعيه قلبى كلما نظرت """ عيناى او سمعت أذناى مستمعا
الحسن منك بدا معناه ثم غدا """ مفرقا فى الورى لكن لك اجتمعا
أقررت عينى اذا ما زلت أشهد أن """ كل المرائى جمالا منك مظبعا
إن تنظر العين الا أنت لانظرت """ وان دعا السمع الا منك لا سمعا
وعنك ان بردت أحشاى لا بردت """ ودونك الطرف ان يهجع فلا هجعا
فقرى اليك غنى والشغل عنك عنا """ والعذل فيك الى طيب الغرام دعا
وقد بلغت بحبّي فيك منزلةً """ جلالها عن حضيض النطق قد رفعا
يا جامع الشمل حقا للمتيم أن """ يفنى سرورا بأن الشمل قد جمعا
لولا هواكم ما شاقنى طلل """ بالخيف ناء عن مقلتى شاسع
كلا ولولا بروق بشركم """ ما راقنى بارق الغضا اللامع
لا نال قلبى الذى يؤمله """ ان كان يوما بغيركم قانع
هذا جمال الحبيب مقتدر """ صيّر كل امرىء له طائع
أعرفت ما ألقاه بعدك """ قرب العواذل لي وبعدك
والقلب خلف لى الجوى """ والوجد ثم أقام عندك
والبعد لم يقنع به """ حتى ضممت اليه صدّك
ونسيت عهد مودّتي """ وأنا الذي لم أنس عهدك
وتواترت خدمى الي """ ك فلم تجب حاشاك عبدك
إني أعيذ من الجفا """ والغدر يا مولاي ودك
لم يضن بحبّى لك جسمى البالي """ يا صحّة جسمي ونعيم البال
بل حبّك صحتي ولكن غرضي """ في سقمي أن اخفى عن العذال
وعزوا الى أن لم تصلهم رسائلى """ ولو وصلت ما أقنعتنى الرسائل
أملاك أمرى أننى متوسل """ بانى من كل الرسائل عاطل
وان حياتى أن أموت بحبكم """ وعيشي في أن الضنى لي منازل
وبر فؤادى أن يذوب بحره """ وراحة طرفى أن يرى وهو هامل
خليلى قد اقترت من طيب وصلهم """ وعندى من الشوق الأليم حواصل
تعلّل بأخبار الزمان الذى مضى """ اذ العيش غض والحبيب مواصل
وساعة اخذ العهد اذ أنا عاشق """ هناك ومعشوق ومصغ وقائل
وما بيننا إذ ذاك شيء مكدّرٌ """ وما بيننا الا الهوى والتواصل
قرأنا سور السلوا """ ن عنكم وحفظناها
وآيات الهوى لما """ محوناها نسيناها
ليالى صدكم عنا """ شكرناها ونمناها
ولو مر بنا فيها """ بكم طيف سهرناها
واقوال اللواحي قد """ سمعنا وأطعناها
وأما أدمع العين """ فللقلب رددناها
فأطفأنا بها نارا """ لكم كنّا وقدناها
صباباتي لكم قد كا """ ن في قلبي معناها
فقد أقفر من معنى """ صباتاتي مغناها
فكونوا كيفما شئتم """ فأهواكم بلوناها
وقد نلنا من السل """ وة أقصاها وأدناها
شوقي إليكم مثل وجدي فيكم """ أبدا يزيد حضرتم أو غبتم
والقلب أصبى ما يكون لوصلكم """ والجسم أضنى والمدامع سجّم
وحقكم لم يطف دمعي لا ولا """ برد الصبا ناراً بقلبي تضرم
كلا ولا سكن الذى هو ساكن """ في القلب من قلق الحنين اليكم
وأنا الذى لم يسله ما يفعل ال """ أحباب فيه وما تقول اللوّم
يا من يقربني التذكر والنهى """ عنهم وتبعدنى المهامه عنهم
ومن انتهى طلبي اليهم وانتهى """ فالآن مالي مطلب الاّ هم
كليّ لكم متوجه ويصدّني """ اجلالكم عن أن أقول اليكم
فالشوق يحبرنى وقدرى حابسى """ والقلب ينجد والجوارح تتهم
أترى لداء صبابتي ابلال """ ولذلك الصدر الصدى بلال
هيهات كل دواء وجد بعدكم """ داء لدىّ وكل ماء آل
أمسي وأصبح آيساً من صحتي """ وصلاحى العوّاد والعذال
واسوّدت الأيام بعدكم أسىً """ فلذا ليالى المستهام طوال
امخيمين بذى الأراك وواردى """ ماء هناك اليه يهدى الضال
ان كان عن ميت الكرى غبتم ففى """ حيّ الصبابة أنتم نزال
وعلى الحقيقة ما يزل تعطشى """ أبداً ولو أنّ الغرام وصال
ما زلت صبّا فى الدنوّ وفي الأسى """ متشوقا لكم ولست أزال
ويزيدني لكم تعاليل المنى """ شوقاً فمن آلامي الآمال
وأكاد شوقا أن أطير اليكم """ لكن علىّ من الجوى أثقال
ويضيق بى رحب الفضاء واننى """ مما نحلت كأنما أنا آل
ولئن بقيت فلا يحادث سلوة """ حاشا غرامى يعتريه كلال
فلقد خفيت عن العيون فانما """ أنا فى الظنون لدى الانين خيال
يا ساكنى البلد الحرام تحية """ من مغرم لندنوّكم يحتال
عودوا لموطنكم الذى من بعده """ ماء الحياة من الجفون مذال
لله ذاك العيش مرّ فما حلت """ من بعده حال لنا أو مال
وهذه بعض المختارات من شعرهم:
ابن عربي
وقفا بي على الطلول قليلاً """ نتباكى، بل أبك مما دهاني
الهوى راشقي بغير سهام """ الهوى قاتلي بغير سنان
أحمد البدوي
إلهي قلتَ ادعوني أجبِبكمْمُ """ فهاك العبد يدعو يا وكيل
إلهي كيف حالي يوم حشرٍ """ إذا ما ضاق بالعاصي مقيلُ
إلهي لا اله سواكَ ربي """ تعالى، لا تمثله العقول
إلهي مسني ضرٌّ فأضحى """ به جسمي يبلبله النحول
جلال الدين الرومي
بكت عيني غداة الدمع دمعاً """ وأخرى بالبكا بخلتْ علينا
فعاتبتُ التي بخلت علينا """ بأن غمضتها يوم التقينا!
ابراهيم الدسوقي
ويبني عني فأصبحت سائلاً """ لذاتي عن ذاتي لشغلي بغيبتي
وأنظر في مرآة ذاتي مشاهداً """ لذاتي بذاتي وهي غاية بغيتي
فأغدوا وأمري بين أمرين واقفٌ """ علومي تمحوني ووهمي مثبتي
الشيخ علي عقل
وإن الورد يذبل بعد وقتٍ """ وورد الحب كان به ذبولي
وريُّ الناس من ماءٍ ولكن """ شراب الحب يذكي من غليلي
أداري الحب حتى لو يراني """ أخو وجدٍ تشكك في نحولي
وبي نارٌ لو استقصى لظاها """ لحقر وجده وحذا سبيلي
ولي بالوجد سرٌ لا يُضاهى """ وما أنا في المحبة بالهزيل
الحلاج
لي حبيب أزور في الخلوات """ حاضر غائب عن اللحظات
ما تراني أصغي إليه بسري """ كي أعي ما يقول من كلمات
كلمات من غير شكلٍ ولا نقطٍ """ ولا مثل نعمة الأصوات
حاضرٌ غائب قريبٌ بعيدٌ """ وهو لم تحوه رسم الصفاتِ
والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت """ إلا وحبك مقرونٌ بأنفاسي
ولا جلست إلى قومٍ أحدثهم """ إلا وأنت حديثي بين جلاسي
ولا ذكرتك محزوناً ولا فرحاً """ وإلا أنت بقلبي بين وسواسي
الحب ما دام مكتوماً على خطر """ وغاية الأمن أن تدنو من الحذر
وأطيب الحب ما تم الحديث به """ كالنار لم تؤت نفعاً وهي في الحجر
الششتري
رضي المتيم في الهوى بجنونه """ خلوه يفني عمره بفنونه
لا تعذلوه فليس ينفع عذلكم """ ليس السلو عن الهوى من دينه
محمد اقبال
كلام الروح للأرواح يسري """ وتدركه القلوب بلا عناء
هتفت به فطار بلا جناح """ وشق أنينه صدر الفضاء
ومعدنه ترابي ولكن """ جرت في لفظه لغة السماء
لقد فاضت دموع العشق مني """ حديثاً كان علوي النداء
فحلق في ربى الأفلاك حتى """ أهاج العالم الأعلى بكائي
ذا النون المصري
أموت وما ماتت إليك صبابتي """ ولا رويت من صدق حبك أوطاري
مناي المنى كل المنى أنت لي منى """ وأنت الغني كل الغنى عند أقصاري
ابن الفارض
أترى من أفتاك بالصدّ عني """ ولغيري بالود من أفتاكا
بانكساري بذلتي بخضوعي """ بافتقاري بفاقتي بغناكا
لا تكلني إلى قوي جَلَدٍ خان """ فإني أصبحت من ضعفاكا
كنت تجفو وكان لي بعض صبرٍ """ أحسن الله في اصطباري عزاكا
كم صدوداً عساك ترحم شكواي """ ولو باستماع قولي عساكا
شنّع المرجفون عنك بهجري """ وأشاعوا أني سلوت هواكا
ما بأحشائهم عشقت فأسلو """ عنك يوماً، دع يهجروا، حاشاكا
عبيدك ربى اسلمته يد القضا ***الى حكم اهواء بطشن به بطشا
عجزت عن التقوى وحدت عن الهدى ***وغشى على قلبى من الذنب ماغشا
وقد انحلت جسمى الهموم وتهت فى ***مناهج امال دهشت بها دهشا
وانت بامالى عليم وانها ***الى فضلك المأمول لابرحت عطشا
وانت الذى اوجدتنى ورزقتنى*** ودبرتنى مذ كنت فى ظلمة الاحشا
فيامن اذا ماشاء فى قول كن جلا ***بانواره قلبى وارغد لى العيشا
دخيل على الهادى الشفيع محمد ***ملاذ الورى عين العلا علة الانشا
دخيل على اسم خصه وقرنته ***مع اسمك مذ لاكون لاعرش لافرشا
دخيل على روح الحبيب الذى له ***فرشت بساط القرب لما ارتقى فرشا
دخيل على من قد رحمت ببعثه ال***ملائك والانسان والجن والوحشا
دخيل على اعتاب حضرته التى ***لتقبيلها الاملاك لا برحت تغشى
دخيل على قبر تضمن جسمه ***دخيل على جسم لروح الهدى منشا
دخيل على الارض التى قد مشى بها ***دخيل على نعل به وطى العرشا
وصل وسلم ياالهى على الذى ***تفجر من كفيه ماء روى الجيشا
انلنى الذى املت منك واحمنى ***الهى فى الدارين من كل مااخشا
التعليقات (1)
1 - إيلاف
إيلاف - 2017-02-17 15:09:03
إيلاف