اثنان وستون عاما على التطهير العرقي
حلم الوطن الذي ينعم فيه اليهود الاوروبيون المضطهدون بالامن والسلام يتبخر
المشروع الصهيوني قام على اساس اضطهاد اوروبا المسيحية للمتهودة الاوربيين وحلم المؤسسين في منطقة ينعم فيها اما يسمى بالشعب اليهودي بالسلام والامان ولكن التيار المتطرف في مؤسسيه فضل ان يرتهن الى السياسات الاستعمارية وان يجعل من اليهود بيادق في مخطط منع العرب من النهوض
اذا فالوجود الصهيوني في فلسطين وظيفي لخدمة الغرب مقابل منافع مادية يلتهمها الساسة والعسكريون وما فضائحهم المالية وغيرها عنا ببعيد
ترى لوان التيار الاخر انتصر لكان ذلك خيرا لليهود بان يصير لهم كيان في بلد او جزيرة نائية في المحيط ولنعموا بالامن اما الان فهم تحت تهديد وجودي مؤكد مما يعني فشل المشروع الصهيوني وحتمية نهايته باذن الله .
علينا أن نتذكر فيما (اسرائيل )تحتفل بعيد "استقلالها الثاني والستون " في هذه الأيام، أن هذا الكيان قام على أشلاء الشعب الفلسطيني، هذه الحقيقة تكاد تتلاشى من الذاكرة الفلسطينية المليئة بالأحزان والذكريات المريرة، ولكن هناك أيضا جهد يبذل اليوم مدعوما بالأموال الأميركية لتعديل المناهج العربية والاسلامية لمحو هذه الذكرى حتى من سطور المناهج التاريخية، بل وربما تصوير الفلسطينين كمعتدين على الحق الاسرائيلي الذي يحتفل باستقلال وكأن الشعب الفلسطيني كان يحتل الأرض الاسرائيلية التي تحررت على أيديهم.
أما الحال الفلسطيني قبل "النكبة" وبعدها فمازال واحدا ... الشهداء تترى، ومظاهر الدمار والقتل والحصار لم يسبق لها مثيل منذ بدء الصراع إلى الآن. وحتى في أوج التسوية لم يتوقف العدوان، وحتى التسوية كانت ولازالت وهما يخفي خلفه وجه القوي الذي يفرض الاستسلام ولا يعطي الحق، حتى وصلنا إلى نقطة كامب ديفيد التي أماطت اللثام عن أقصى ما يمكن أن يعطيه أقصى يساري صهيوني، فانفضح المستور وانكشف زيف التسوية، إلا أن تذكرة اليوم علينا ان نقرأها بشكل مغاير، فديمومة الصراع واستمرار هذا الشعب بتقديم سيل الشهداء، كل هذه الحقائق المتأصلة طوال زمن الصراع تؤكد أن النكبة اسم لا يناسب هذا الشعب الأبي.
نعم ..قد تكون أرقام ونسب اللاجئين والشهداء والمعتقلين والجرحى مفزعة، وحقائق القوة مخيفة، واستمرار الصمت العربي والإسلامي الرسمي محبطا، وإمعان الصلف الصهيوني المدعوم أميركيا بكل أسباب البقاء مالياً وعسكرياً مثبطا. ولكن هذا التماثل بين الأمس واليوم في صور العدوان وتبدل قوى الهيمنة الداعمة للكيان الصهيوني ... مضللة كثيراً لعدة أسباب هامة :
أولهـا : إن الشعب الفلسطيني لم يستسلم وأبقى النار مفتوحة ضد الوجود الصهيوني ورغم الطعنات التي تلقتها كل الثورات من الخط الرسمي العربي إلا أنها لم تستكن، وكانت تعاود الكرة باستمرار وحتى اتفاقية أوسلو التي عبَرت بالأمس عن واقع انهزامي, والتي تكاد تصلح لتكون نكبة ثانية، إلا أنها في حقيقة الأمر هي مسارعة صهيونية نحو إيقاف مؤثرات الإنتفاضة الأولى التي بدأت تهز الروح المعنوية الصهيونية في الداخل والمعنى الأخلاقي لوجوده في الخارج حتى لدى الرأي العام الغربي، لهذا كانت أوسلو من زاوية مقابلة تماماً هي تعبير عن اعتراف صهيوني بالهزيمة... ولولا تسرع نفر من منظمة التحرير الفلسطينية بالتجاوب مع متطلبات الصهاينة لاستطاعت الانتفاضة أن تحقق الإنسحاب من الضفة وغزة دون أن يدفع شعبنا أثماناً أمنية وسياسية مكلفة ومستنزفة، ولعل أقساها أن يتحول الفلسطيني إلى جلاد لفلسطيني آخر مقاوم، والأقسى من كل ذلك ما جرى من تسليم لثمانين بالمائة من أرض فلسطين وكأنها حق لإسرائيل .
ثانيها : إن اثنان وستون سنة من تفاعلات الصراع أثبتت أن هذا العدو الصهيوني من السهل هزيمته وكسر شوكته، وقد استطاعت أحداث الانتفاضة الأولى وقبلها ملحمة الكرامة أن تثبت ذلك وجاء الانتصار في الجنوب اللبناني تأكيدا جليا لهذه الحقيقة. والستون سنة التي قدم خلالها الشعب الفلسطيني عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى على امتداد تاريخه - وهي بالمناسبة قليلة نسبة لعهود الإستعمار المشابهة- إلا أنها على قلتها استطاعت أن تجعل العدو يذوق مرارة الهزيمة، فإسرائيل اليوم دولة في ظاهرها موحدة قوية ولكن خلف صلفها تخفي حقيقة تتهرب منها، فشعبها مشتت بين علماني ومتدين ويساري ويميني، بين شرقي وغربي، بين روسي ومغربي، والخلافات أعمق مما نتصور، وتزداد وتيرتها باستمرار الصراع، لذا لم يكن مقتل (رابين) حادثاً عابراً بل هو دليل على صحة ما نذهب إليه، مما يؤكد على أن الشعب الفلسطيني بعمقه العربي والاسلامي استطاع أن يستنزف المشروع الصهيوني، والخلاف بينهم يتعدى بكثير ما يمنون به لقاء التسوية مع العرب، بل هو يتناول الهوية والتاريخ, والدين الذي بات حضوره في كل تفاصيل الخلاف، إذن فمنطق المقاومة يستنزف المشروع الصهيوني ونحن عملياً نسجل النقاط ضده، وبعدها سندرك جميعاً أن استمرار المقاومة قادر على إزالة هذا الكيان الدخيل على هذه المنطقة، ولكن ذلك مرهون فقط بالصبر وطول النفس، خاصة وأن مقاومتنا مقارنة بتاريخ الإستعمار وحملات الإحتلال لا زالت متواضعة .
ثالثها : اليوم كما هي بالأمس، هناك قوة داعمة للكيان الصهيوني. في السابق، كانت بريطانيا العظمى، واليوم الولايات المتحدة التي وصلت إلى أوج صلفها وغرورها بإدارتها اليمينية، و القوة الكبرى اليوم لم تخسر فقط مصداقيتها حتى في تأمين ما هو ظلم - في ذات التسوية- ، بل هي تفقد أيضا شرعيتها الدولية - مع تحفظنا الشيديد على تلك الشرعية - ، وهي بغرورها وإصرارها على الإنفراد والهيمنة تجلب كل يوم لنفسها أعداء جدد, حتى شركاءها الغربيون في حماية تلك الحريات المزعومة يتململون منها، إذن هذه الدولة العظمى التي يتكئ عليها الكيان الصهيوني هي فاقدة لدورها متخبطة في خطواتها، مكانتها تتناقص ولا تتعاظم وإن كان منحنى قوتها المتألق يخفي ذلك، وقانون سقوط الحضارات يؤكد ذلك، فما من قوة وصلت إلى أوج قوتها وغرورها إلا بدأت بالإنكسار شيئا فشيئا، كل ذلك يحتاج لقليل من الوقت, عندها ستفقد هذه الدولة مكانتها وبالتالي ستفقد إسرائيل أساس عمادها وشريان حياتها الوحيد.
رابعها : حقائق القوة والضعف هي أيضاً اليوم ليست واحدة, صحيح أن العدو الصهيوني لا زال يملك القوة النووية الرادعة ولكنه ضعيف متهاو معنوياً فاقد لأمنه الشخصي، يشعر أكثر من ثمانين بالمائة منه أنهم مهددون أو قد يكونون بين الأموات في عمليات فدائية قادمة،
خامسها : معادلة النظام الرسمي وعلاقته بالشعب العربي لم تعد هي الأخرى واحدة ، فعهد الاستبداد والتخاذل الرسمي لم يعد مقبولاً من الشعوب العربية، فثمة جيل وأجيال قادمة أصبحت أكثر وعياً وأكثر تحدياً، وعهد الحقيقة لم يعد حكراً على وسائل الإعلام الرسمية التي تريد صياغتها كما تشاء، باختصار شرعية الرسميين من العرب والمسلمين أصبحت مهزوزة ضعيفة لا تملك الصمود لعشر سنوات قادمة، لأن عصر المعلومات وضع كل الحقائق على الطاولة ولا مجال لإخفائها كل الوقت، وهذا يرفع من وتيرة الوعي والصحوة لدى الشعوب.
سادسها : معادلة التسوية والوثوق بحلولها هي الأخرى أصبحت ضعيفة متضعضة، انكشف زيف السلام المزعوم مع الصهاينة، ولم يعد هناك مكان لمنطق التفاوض ولن يرضى الشعب الفلسطيني بالرجوع لمربع تجاوزته انتفاضة الأقصى، مهما زُين ذلك ... ومن يريد أن يتأكد فليراجع أحاديث الناس والمفكرين والمثقفين(من قبل) انتفاضة الأقصى، لقد كان منطق المقاومة وحيداً ضعيفاً محصوراً في جهة واحدة وكادت شباك التسوية أن تأخذ كثيراً من الناس، ولكن أوهام التسوية تحطمت بعد سنوات من "الديكور" الذي أخفى حقيقة اليسار واليمين الصهيوني.
هذه الأسباب الماثلة تؤكد حقائق ناصعة، إن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وعندما تكون الأوطان محتلة فلا يتوقع أحد أن تمنح أو توهب لأهلها وهم نيام .... بل هي تؤخذ بالمقاومة والصمود، ومن أراد فليقرأ تاريخ الشعب الفلسطيني ومنحنى علاقة التسوية بالمقاومة، بل إن تاريخ الأمم، حاضرها وماضيها يؤكد أنه لا يمكن انتاج وئام وتعايش أو مكان لتسويات مع محتل سلب الأرض وأهلك الحرث والنسل؟.
إن النكبات والنكسات لم تصادر وعي الشعوب بحقوقها، بل إن مقاومة الشعب الفلسطيني ومن خلفه مساندة الشعوب العربية والاسلامية المتصدية لمظاهر الهيمنة ومحاولات التطبيع أثبت أن النكبات التي ألمت بنا كانت قادرة على تحفيزنا نحو مزيد من المقاومة وليس العكس، وبذا تكون مناسبة النكبة ورفع العلم (الاسرائيلي) في ما يسمى عيد الاستقلال المزعوم فرصة أخرى للتذكير أن واجب المقاومة والإسناد لم يتجاوز حدودا معينة، وأمامه مشوار صعب، وسنن التاريخ تؤكد أن التغيير آت والأيام دول، كما أن موازين القوة و الضعف ليست على الدوام ثابتة.
بقلم الاستاذ ابراهيم ابو الهيجا بتصرف يسير
التعليقات (0)