اثبات وجود الله عن طريق الفطرة
الفطرة :
الفطرة منبع كامن في باطن الإنسان يجذبه نحو المبدأ الأعلى.
وهذا المنبع هو الذي يرشد الإنسان إلى حقائق كامنة في أعماق ذاته ويدفعه نحو البحث عمّا يروي تعطّشه الروحي في الصعيد الديني والمعنوي.
خصائص الأمور الفطرية :
1 ـ موجودة في أعماق ذات كلّ إنسان .
2 ـ تتحرّك بوحي داخلي، ولا تحتاج إلى تعليم وتعلّم.
3 ـ لا تخضع لتأثير العوامل الخارجية(1).
4 ـ تعتريها حالة الشدّة والضعف، ولكنّها ثابتة، ولا يمكن استئصالها أو القضاء عليها.
الفطرة والإيمان بوجود الله :
إنّ الايمان بوجود الله أمر فطري.
دليل ذلك :
وجود "الرغبة الدينيّة" بين أبناء البشر على مرّ العصور واختلاف الشعوب، وهدا ما يدفعنا إلى الإذعان بأنّ هذا الشعور أمر فطري .
ولو كان هذا الشعور:
1 ـ يتواجد عند بعض الناس دون غيرهم.
2 ـ يحتاج إلى تعليم وتعلّم .
3 ـ يخضع للعوامل والظروف الخارجية.
4 ـ غير ثابت في الذات البشرية.
لوجب أن تكون هذه الرغبة الدينيّة فقط عند من تتوفّر عندهم هذه الشروط .
ولوجب أن توجد هذه الرغبة الدينيّة عند بعض الأشخاص أو بعض الطبقات الخاصة أو بعض الشعوب فقط دون غيرهم.
ولكن الواقع يكشف عكس هذا الأمر تماماً، ونحن نرى بأنّ الرغبة الدينيّة تستيقظ في باطن كلّ إنسان، ويشعر بها الإنسان تلقائياً سواء كان في برهة من حياته ولا سيما في حالة الشدّة والبلاء .
فيثبت أنّ "الرغبة الدينيّة" أمر فطري في الذات الإنسانيّة، وهي تمتلك كلّ خصائص الأمور الفطرية التي ذكرناها آنفاً .
تنبيهات :
1 ـ إنّ الأمور الفطرية ـ في خصوص معرفة الله ـ تنقسم إلى قسمين :
أوّلاً: المدركات الفطرية، من قبيل: معرفة الله الفطرية.
ولهذا تسمّى معرفة الله التي لا تحتاج إلى تعلّم بـ "معرفة الله الفطرية".
ثانياً: الميول والرغبات الفطرية، من قبيل: عبادة الله الفطرية.
ولهذا يسمّى الشعور بوجود اللّه والرغبة في عبادته في كلّ إنسان بـ "عبادة الله الفطرية" أو "التديّن الفطري"(2).
2 ـ يتّجه الإنسان بفطرته نحو "عبادة الله" كما يتّجه بغريزته نحو حبّ الذات وحبّ الخير وحبّ الجاه وحبّ الاستطلاع.
3 ـ تعتبر الفطرة الدافع الابتدائي نحو الإيمان بوجود الله، ثمّ يتكامل هذا الإيمان بمساعدة العقل.
بعبارة أخرى :
إنّ "الفطرة" تقوم بعملية الاستعداد والتوجّه نحو الله تعالى.
أمّا الطريق إلى الله تعالى فهو "العقل".
ودور "الأنبياء" هو التنبيه ومخاطبة العقل وإقناعه بالدليل والبرهان.
4 ـ إنّ التيارات المعاكسة والمخالفة للإيمان بوجود الله قد تؤدّي إلى تضعيف الاتّجاه الفطري للإنسان نحو الإيمان، ولكن هذه التيارات لا تستطيع أبداً أن تستأصل هذا الاتّجاه أو تقضى عليه بالمرّة.
5 ـ كانت أبرز وظائف الأنبياء تحذير الناس من عبادة الموجودات التي لا تستحق العبادة، من قبيل: الأصنام، الشمس، القمر و... كي لا يروي الناس تعطّشهم الفطري للعبادة بمصاديق كاذبة للآلهة.
الفطرة في أحاديث أهل البيت(عليهم السلام) :
1 ـ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "كلّ مولود يولد على الفطرة، يعني: المعرفة بأنّ الله عزّ وجلّ خالقه"(3).
2 ـ أقوال أهل البيت(عليهم السلام) حول قوله تعالى: { فطرة الله التي فطر الناس عليها } [ الروم: 30 ]:
قال الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام): "هي الفطرة التي فطر الناس عليها، فطر الله الخلق على معرفته"(4).
وقال(عليه السلام) أيضاً: "فطرهم على معرفته أنّه ربّهم، ولولا ذلك لم يعلموا ـ إذا سُئلوا ـ من ربّهم؟ ولا من رازقهم؟"(5).
قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "فطرهم على التوحيد"(6).
3 ـ سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: { وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى } [ الأعراف: 173 ].
فقال(عليه السلام): "ثبتت المعرفة في قلوبهم، ونسوا الموقف، وسيذكرونه يوماً ما، ولولا ذلك لم يدر أحد مَن خالقه ولا مَن رازقه"(7).
1- من قبيل العوامل الجغرافية والسياسية والاقتصادية وغيرها.
2- انظر: نظرة حول دروس في العقيدة الإسلامية، محمّد تقي مصباح اليزدي، إعداد: عبدالجواد الإبراهيمي: الدرس الخامس، ص 31.
3- الكافي، الشيخ الكليني: ج2، كتاب الإيمان، باب فطرة الخلق، ح3،ص13.
4- المحاسن، أبو جعفر البرقي: ج1، باب جوامع من التوحيد، ح [824] 226، ص 375.
5- المصدر السابق: ح [825] 227، ص 375 ـ 376. وعنه البحار ك 3 / 279 ح 13.
6- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 53: باب فطرة الله، ح5،ص321.
7- المحاسن، أبو جعفر البرقي: ج 1، باب جوامع من التوحيد، ح [826] 228، ص 376. وعنه بحار الأنوار: 3 / 280ح16.
المصدر: موقع الأستاذ علاء الحسون alhassoon.com من كتابه: التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
التعليقات (0)