اتقوا دعوة المظلوم

إن الفطر السليمة مفطورة بحمد الله على حب الخير للآخرين، لكنها حين تحاط ببيئة فاسدة تفسد عليها هذا الحب الجميل للآخرين، فيضعفها لدرجة أن تظلم الآخرين بدل أن تحب الخير لهم. وأقصد بالظلم كما قال أهل اللغة: وضع الشيء في غير محله، ولهذا كان من الضروري أن نحذر أنفسنا وإياكم من الظلم.

فالظلم مرتعه وخيم وهذا ما أكده رب العزة في كتابه الخالد حين قال: ]ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا[ وأثبته النبي الكريم في الحديث الشريف الصحيح الذي رواه الإمام مسلم: وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله  قال: ((اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)) [1]. فالظلمة يوم القيامة لا نور لهم، على عكس المقسطين الذين يجلسون على منابر من نور، كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولّوا ))[2] وقد أخرج الإمام مسلم أيضاً حديثاً رائعاً وهو يصف رب العزة وهو ينزه ذاته عن الظلم، فعن أبي ذر الغفاري أنه روى حديثاً قدسياً طويلاً وفيه: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا.. )) [3].

وقد أجاد الشاعر حين قال:

لاتظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم ترجع عقباه إلى الندم

تنام عينـاك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم

وقد صنف العلماء الظلم إلى ثلاثة أنواع:

النوع الأول: ظلم المشركين لربه، وذلك باتخاذ شريك له في العبادة والاستعانة قال عز وجل: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾[ لقمان:13]

النوع الثاني: ظلم الإنسان لنفسه، وذلك باقتراف الذنوب والمعاصي وارتكاب الكبائر والمحرمات واتباع الشهوات، حيث لا يقدر لله قدره بذلك. قال تعالى: ﴿ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾[ النحل:33]

النوع الثالث: ظلم الإنسان لغيره المخلوقات، وذلك بأكل أموال اليتامى ظلماً، أو الوشاية بهم للسلطات وهم برءاء مما اتهموا به، كحادثة الإفك حيث اتهمت عائشة أطهر خلق الله من النساء بأفحش ما تتهم به امرأة فاضلة، فكيف إذا اجتمع لها مع ذلك كونها زوج النبي أطهر البشر، وكونها بنت الصديق أطهر أتباع الأنبياء من البشر، وكما اتهم سعد بن أبي وقاص بأنه لا يحسن أن يصلي والقصة بتمامها كما وردت في البخاري:

مارواه جابر ابن سمُرة _رضي الله عنه_ عن سعد ابن أبي وقاص  كما في الصحيحين قال( شكا أهلُ الكوفةِ سعداً حتي قالوا : إنه لا يحسنُ يصلي ، فأرسل عمرُ إلى سعد ، فقال له : لقد شكاك أهلُ الكوفةِ في كل شيءٍ حتى قالوا : إنك لا تحسنُ تصلي ، فقل لي كيف تصلي؟

(قال: والله يا أمير المؤمنين : أنا لا أخرِمُ بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم  أنا أركُدُ في الأوليين(من التطويل أي يقرأ بعد الفاتحة بسورة  في الركعتين الأوليين)وأحذفُ في الأخريين (أخف)قال عمر: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق.

ومن التهم  التي اتُهِمَ بها سعد :

1-             - أن سعداً لا يسير بالسرية - 2-ولا يعدل في القضية و3-لا يقسم بالسوية بالإضافة إلى التهمة الرابعة: ( أنه لا يحسن أن يصلي )

فأرسل عمر رضي الله عنه سعداً رضي الله عنه مع جماعة إلى الكوفة ، فمنتدي الناس الذي كانوا يجتمعون في ذلك الوقت المسجد فدخلوا كل مساجد الكوفة، ثم ينادوا الصلاة جامعة فجميع الناس تجتمع ، ومن ثم يتم سؤاله من قبل الموفدون من قبل عمر_ ضي الله عنه_ : ما تقولون في سعد ، فيثني أهلُ المسجد عن بكرةِ أبيهم خيراًويقولون معروفاً ، وهكذا من مسجد إلى آخرحتى وصلوا لمسجدٍ لبني عبس: فعندما سألوهم عن سعد : أثنى أهل المسجد جميعاً خيراً ماعدا واحداٍ، يُكنيَ (أبا سعدة اسمه أسامة بن قتادة) قال: أما إذ ناشدتنا (أي طالما حلفتنا) فقال: إن سعداً لا يسير بالسرية ولا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية.

فلما سمع سعداً هذا الكلام قال: أما إني سأدعوا بثلاث دعوات: اللهم إن كان عبدُك هذا قام مقامَ رياءٍ وسمعة، 1- فأطل عمُرهُ، 2- وأطل فقرهُ، 3- وعرضه للفتن[4].

واستجاب الله عز وجل لسعد في هذا الرجل خاصة أن سعدا كان مستجاب الدعوة. يقول عبد الملك ابن عُمير  راوي الحديث عن جابر بن سمُره (لقد رأيت هذا الرجل (أبو سعدة) طال عمره يقعد في الطرقات يتعرض للجواري يغمزُهُن فإذا قيل كيف اصبحت: يقول: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد).

فإن كنت أخي المسلم في مكان ظلمت فيه فإني أدلك على بعض الدعاء على ظلمك، فإني والله قد ظلمت من بعض الزملاء الذين كنت أظنهم أصدقاء أوفياء لي:  

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين وبعد: اللهم رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين، اللهم خذ عدوي (وتسمي اسمه) بالصيحة، واجعله غثاءاً، واخلف الأمة خيراً منه، يا رب العالمين. اللهم اجعله أحاديث فبعداً لقوم لا يؤمنون، اللهم اجعله من المهلَكين، وخذه بالعذاب، ولا تنصره من عذابك، اللهم خذه بالعذاب فما يستكين لربه ولا يتضرع، اللهم افتح عليه باباً ذا عذاب شديد إذا هو فيه مبلس.

رب إما تريني ما يوعدون، رب فلا تجعلني في القوم الظالمين، رب أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون.

اللهم اجعله من الذين يخسرون أنفسهم في جهنم خالدون، تلفح وجوههم النارُ وهم فيها كالحون، واجعله من الذين يقولون: ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين، ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون، فيقال لهم: اخسؤوا فيها ولا تكلمون، إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين، فاتخذتموهم سخريا، حتى أنسوكم ذكري وكنتم  منهم تضحكون، إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون.

رب آمني مما أخاف واجعلني من الآمنين ونجني من القوم الظالمين، اللهم نجني من مَكْرِه ودهائه وكيده وكيد مسؤوليه وزملائه وأصدقائه الذين شاركوه بالظلم، اللهم خذه ومن أيده على ظلمي وانبذهم في اليم واجعلهم من المنهزمين في الدنيا ويوم القيامة لا ينصرون، اللهم شد عضدي بك فلا يصلوا إلي بمكرهم واجعلني عليهم من الغالبين.

اللهم أتبعه في هذه الدنيا لعنة واجعله يوم القيامة من المقبوحين، اللهم اخسف به وبداره الأرض، ولا تجعل له فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين

رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين. اللهم اهدني سواء السبيل، واجعلني ممن يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه.

دعاء تقي نفسك فيه الظلم  الواقع عليك: "بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله خير الاسماء، بسم الله الذي لايضر مع اسمه اذى بسم الله الكافي بسم الله المعافي، بسم الله الذي لايضر مع اسمه شئ في الارض ولا في السماء وهو السميع العليم.. بسم الله على نفسي وديني بسم الله على اهلى ومالي .. بسم الله على كل شئ اعطاني أياه ربي .. الله اكبر الله اكبر الله اكبر

أعوذ بالله مما أخاف وأحذر .. الله ربي لا أشرك به شئ عز جارك وجل ثناؤك، وتقدست أسمائك ولا إله غيرك .. اللهم اني اعوذ بك من كل شيطان مريد .. و من شر قضاء السوء ومن شر كل دابه انت آخذ بناصيتها .. ان ربي على كل شئ قدير .. ان ربي على صراط مستقيم ..

اللهم فارج الهم .. و كاشف الغم .. مجيب دعوة المضطرين .. ان ترحمني ، ان ترحمني .. رحمة تغنيني  بها عن من سواك اللهم اجعل لي من كل هم يهمني فرجا و مخرجا .. وارزقني من حيث لا احتسب يا غياث المستغيثين، يا مجيب دعاء المضطرين .. وجهت وجهي اليك وتوكلت عليك .. خاشع بين يديك ، فأيدني يا رب بجلالك واجعلني من عبادك المتقين ولا تجذب قلبي الا الى بابك .. قربني مما تحب .. و احفظني من صحبه اعدائك واطلق لساني وقلبي بشكرك وذكرك ..

ربي اني مسني الضر وانت ارحم الراحمين، لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين.. ياعظيم فرج عني ما اهمني وتولى امري بلطفك ورحمتك وكرمك انك على كل شئ قدير..

اللهم يا سامع لكل شكوى ادعوك دعاء الغريب .. الغريق .. المضطر .. المظلوم اكشف ما بي وتداركني .. فاني الوذ بك فعليك كل اعتمادي واليك قراري .. ومنك انتصاري.. اتوسل اليك ان تفرج عني ما امسيت فيه وما اصبحت عليه حتى لا اخاف غيرك و احفظني حال لااله الا انت سبحانك تعظيما لوجهك .. اصرف اللهم عني شر عبادك .. وهب لي امنك وحمايتك .. ولطفك وكرمك واحسانك .. وارفع مقامي .. وفرج كربتي .. يا من اذا اراد شيئا فحسبه يقول له كن فيكون ..اللهم فاستجب.....اللهم فاستجب...

لكن من باب الود والأخوة والنصيحة لكل، فإني أدعوه إلى كظم الغيظ؛ فقد ورد فيه حديث: "من كظم غيظاً وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور شاء" صحيح البخاري. ثم تدعو الله بمثل قولك: "اللهم إني أنزلت بك حاجتي فانتصف لي من ظلمني، وقبل ذلك راجع نفسك لعل الحق مع غيرك". والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.