اتفاقية وادي عربة المشؤومة ... إبراهيم أبو عواد ... نشرت في صحيفة القدس العربي ... لندن ... 27 /10/ 2009م .
تبرز في هذه الأيام الذكرى الخامسة عشرة لتوقيع اتفاقية وادي عربة المشؤومة . ولا يخفى أن اتفاقيات السلام مع العدو الصهيوني عبارة عن صفقات تجارية لا أكثر ولا أقل . فاليهود الذين يسيطرون على مثلث الشهوات الأرضي ( المال ، الجنس ، الإعلام ) قادرون على إيجاد نخبة لديها الاستعداد لاحتضانهم ، وتثبيت وجودهم مقابل بعض المزايا .
وفي هذا السياق تأتي اتفاقية وادي عربة المشؤومة لتمنح شرعية وهمية لاغتصاب فلسطين ، والتنازل عن حق العودة ، وإتاحة الفرصة لغزو يهودي للمشرق العربي الإسلامي عبر بوابة الأردن . وبالطبع فإن ثقافة معاهدات السلام عبارة عن حلقات متواصلة من الضياع العربي ، والانتحار التدريجي للأمة ، وتمزقها على كل المستويات . بحيث صارت رجع صدى لتاريخ مجيد سابق . وتتلقى الصفعة إثر الصفعة دون وجود بشائر بتغيير شامل على الرغم من وجود بؤر مقاومة في العالم العربي تتركز في فلسطين والعراق ولبنان . وللأسف فالتآمر على حركات المقاومة صارت موضة عند غالبية الأنظمة العربية .
وإذا عدنا إلى تحليل الخطاب السيكولوجي لمعاهدة وادي عربة سنجد أنها تكريس لشريعة الغاب ، فالقوي يفرض شروطه على الضعيف . فالأردن لم يحصل على الحد الأدنى من حقوقه . فموارده المائية مصادرة ، وأراضيه ما زالت محتلة . وفي واقع الأمر لم يحصل على أية فوائد من هذه الاتفاقية التي فصلها اليهود على مقاسهم _ كعادتهم _ بما يضمن امتدادهم السرطاني في الجسد العربي ، ووصولهم إلى مناطق كانوا يحلمون بها منذ أمد بعيد .
والبعض قد يعتقد أن الأردن باعتباره الطرف الأضعف لا يملك أوراقاً للضغط على هذا الكيان السرطاني . والواقع يخالف هذه القناعة المغلوطة . فالذي فرض على السلطات الصهيونية إحضار الدواء للسيد خالد مشعل إثر محاولة اغتياله قادر على فرض شروطه عبر امتلاك أدوات ضغط .
وبالتالي فإن فرضية الاستسلام للأمر الواقع ، ومحاولة تسويق هذه المعاهدة الميتة في مهدها على أنها خيار الشعب الأردني كله ، وأنها الخلاص السياسي ، والحل الاقتصادي السحري ، والدواء المذهل لكل أمراض المجتمع . كل ذلك قد سقط ، وانتهى الحلم الوهمي المؤقت في حينه ، وظهر الكابوس الذي أظهر أن تلك المعاهدة الخديعة لعبة يهودية مبنية على الأخذ دون العطاء ، والحصول على السلام من العرب مقابل الحرب عليهم .
والحق يقال إن كل الأنظمة العربية بدون استثناء تؤمن بأن السلام مع الكيان الصهيوني وهم ، ولكن الإنسان قد يعشق الوهم طمعاً في بعض المكاسب الشخصية ، وسيارات المرسيدس ، وربطات العنق ، والأبواب المفتوحة في المحافل الدولية ، واللقطات التلفزيونية في وسائل الإعلام العالمية .
وتظهر الحاجة الماسة _ وأكثر من أي وقت مضى_ إلى إلغاء هذه المعاهدة البائسة التي كانت وبالاً على الشعب الأردني الواقع تحت ضغوطات الحياة اليومية بشكل شرس للغاية ، ولا نعرف لماذا لم يأت " أبناء عمنا اليهود " الذين ألقوا على مسامعنا رومانسية السلام والأخوة البشرية والتعاون الإستراتيجي لإنقاذ الميزانية الأردنية من هذا العجز المذهل ، أو حل مشكلة العنوسة ، أو إيجاد فرص عمل للشباب الأردني في المصانع الأردنية_ الإسرائيلية المشتركة التي تعكس الشراكة الاقتصادية الأخوية ! .
لذلك علينا العمل جاهدين على الانعتاق من هذا الوهم الكابوسي ، وبناء الدولة الأردنية مستغلين طاقة أبنائها ، وعدم التعويل على هذا العدو الغاصب الذي ينظر إلى الأردن كوطن بديل . ولنتعلم من اتفاقية كامب ديفيد التي جلبت الشقاء للشعب للمصري ، وانتحار دور مصر السياسي إقليمياً وعالمياً ، وفوق كل ذلك لم يسلم الرئيس المصري من تهجم وزير الخارجية المتطرف ليبرمان ، وتهديده بضرب السد العالي . فأين ذهبت اتفاقيات السلام مع أبناء العمومة ؟! .
التعليقات (0)