مواضيع اليوم

اتحاد المغرب العربي.. الضرورة الاستراتيجية والاكراهات الإقليمية

شريف هزاع

2010-03-09 15:44:27

0


أحيت الجماهير الشعبية المغاربية الذكرى ال21 لقيام الاتحاد المغرب العربي، - وكان القادة المغاربيون قد أعلنوا عن تأسيسه سنة 1989 بمدينة مراكش المغربية- وكلهم أمل في أن يسارع قادة بلدانهم إلى تفعيل مؤسساته، والذي توقفت مسيرته لصراعات إقليمية.
ويصر القادة المغاربيون اليوم على إحياء ذكرى الإعلان عن بناء اتحاد المغرب العربي، بتبادل برقيات التهنئة، وهم في ذلك يسعون إلى التناغم مع الطموحات الشعبية المغاربية التي ظلت تعتبر أن بناء الاتحاد يعد خيارا استراتيجيا ثابتا ومطمحا حضاريا تمليه حتمية تأمين مصالح شعوب المنطقة وضمان التعامل بندية مع التجمعات الإقليمية. ولم يعد إذن بناء اتحاد المغرب العربي اليوم حاجة الحكام والجنرالات بدول المنطقة وإنما مطلب شعبي، طال عدم تفعيل هياكله.
ويبرز تنامي وعي الجماهير الشعبية المغاربية المطالبة بإلزامية خلق الظروف المواتية للاندماج الاقتصادي والاجتماعي ضمن المجال المغاربي، وفتح الحدود واضحا في برقيات تهنئة التي يتبادلها القادة المغاربيون بالمناسبة، وهو ما يجعل هذه البرقيات تتضمن عبارات اللوم إلى فاعل غير معلن.
وقد بعث العاهل المغربي محمد السادس برقيات تهاني إلى رؤساء الدول المغاربية، جاء فيها "إني واثق أنكم تشاطروننا الإيمان الراسخ، بأن تفعيل الاتحاد المغاربي يعتبر استجابة لتطلع تاريخي متجذر لدى شعوبنا الشقيقة، إلى الوحدة والتكامل... مجددا حرصه على مواصلة العمل سويا مع كل قادة الدول المغاربية من أجل النهوض بالاتحاد، وتجاوز العوائق الظرفية، التي تحول دون تفعيل مؤسساته.
وأكد وزير الشؤون الخارجية التونسي باسم الرئيس زين العابدين بنعلي أن تعزيز التكامل بين البلدان المغاربية ودعم اندماجها الاقتصادي، أصبح في الوقت الحالي، ضرورة حتمية ومطلبا ملحا في ظل ما يشهده العالم من تحولات متسارعة وما فرضته المنظومة الاقتصادية العالمية من واقع جديد لا مكان فيه للكيانات الضعيفة الهشة ولا مجال فيه للتقوقع والانعزال".
وأكد الوزير التونسي أن هناك اتصالات ومشاورات تتم بين الرئيس زين العابدين بنعلي وقادة الدول المغاربية، "من أجل تجاوز العقبات وتذليل الصعوبات التي تقف في طريق استكمال بناء الاتحاد المغاربي والتأسيس لمرحلة جديدة واعدة للعمل المغاربي المشترك".
وأشار الأمين العام للاتحاد المغرب العربي من جهته في برقيته بالمناسبة أن "الظرف الدولي يقتضي اليوم المزيد من التكامل، وتشبيك المصالح بين دول الاتحاد، وهياكله الفاعلة في مجالات التنمية الشاملة".
ويستغرب الخبراء الاقتصاديون المغاربيون أن البراغماتية الاقتصادية لم تحرز تقدما في العلاقات بين البلدان المغاربية، ففي الوقت الذي يبلغ فيه حجم التبادل بين دول الاتحاد المغاربي والاتحاد الأوربي 70%، و 19% مع دول أخرى، فإن المبادلات المغاربية لا تمثل سوى 2% من إجمالي تبادلاتها مع بقية العالم. ولا تتجاوز نسبة التجارة البينية المغاربية حاليا 3% من إجمالي تجارتها الخارجية، التي تقدر بحوالي 70 مليار دولار، وذلك على الرغم من مرور 20 سنة على إنشاء الاتحاد.
ويقول اقتصاديون غربيون أن عدم تحقيق الاندماج المغاربي يكلف دول المنطقة خسارة سنوية تقدر بنحو 4.6 مليارات يورو، جراء هروب استثمارات خارجية، وان إرساء هذا التكتل الإقليمي سيسرّع بنمو كل بلد بما لا يقل عن 2 في المائة سنوياً، وسيخلق 20 ألف فرصة عمل جديدة كل عام. بمعنى أخر أن بناء اتحاد المغرب العربي تصل قيمته الإضافية إلى أزيد من 10 مليارات دولار في العام، أي ما يعادل 5 في المائة من قيمة ناتجها الداخلي الخام المتراكم.
وتشير تقارير البنك الدولي أن دول شمال إفريقيا تفوت على نفسها معدلات نمو إضافية قد تصل إلى 3 % من الناتج الإجمالي، يمكن تحقيقها من العمل على تفعيل اتحاد المغرب العربي، وفتح الحدود وتحرير التجارة البينية وتنقل رؤوس الأموال، وتنفيذ مشاريع وتجمعات اقتصادية ومالية مشتركة على غرار ما يجري في الضفة الأخرى للبحر المتوسط.
فالحجم الإجمالي للمبادلات التجارية في دول "الاتحاد" الخمس ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا بلغ عام 2004 نحو 131.7 مليار دولار، منها 66 في المائة مع الاتحاد الأوروبي، فيما لو نجحت هذه الدول في تحرير تجارتها الإقليمية لاستطاعت أن تجلب استثمارات جديدة لسوق كبيرة تفوق 84 مليون نسمة، وتوفر حوالي 100 ألف فرصة شغل.
وتوقع وزير المالية المغربي صلاح الدين مزوار وصول النمو الاقتصادي في المنطقة المغاربية إذا ما تحقق الاندماج الاقتصادي بين بلدانها، إلى 8 في المائة من الناتج الداخلي الخام، مقابل 4.5 في المائة حاليا، إسوة بما تحققه تكتلات اقتصادية في آسيا وأمريكا اللاتينية.
وقال: "هل تستوي الفرص التي توفرها سوق تحوي 84 مليون مستهلك وناتج داخلي بقيمة 365 مليار دولار، مع سوق تضم 60 مليارا و30 مليون دولار؟ وهذا ما يدفع إلى التأكيد على أن الاندماج الاقتصادي، إذا ما تحقق بين البلدان المغاربية، سوف يقوي حظوظها في جذب الاستثمارات الأجنبية وتوسيع مجالات تنافسية المنطقة في الفضاء المتوسطي والدولي".
وتبقى المبادلات التجارية بين البلدان المغاربية ضعيفة رغم الانتعاشة التي تعرفها بفضل اتفاقيات من خارج الاتحاد المغاربي، فقد أوضح السيد محمد النورى الجويني وزير التنمية والتعاون الدولي التونسي أن حجم المبادلات التجارية بين تونس وليبيا تطور إلى ما يناهز 2374 مليون دينار سنة 2008 مقابل 1718 م د سنة 2007 أي بزيادة بنسبة 40 بالمائة.
كما بلغ حجم المبادلات بين تونس والجزائر حوالي 1389 مليون دينار سنة 2008 مقابل 750 مليون دينار سنة 2007 أي بزيادة بنسبة 85 بالمائة. أما بالنسبة للمغرب فقد ارتفع حجم المبادلات إلى ما قيمته 395 مليون دينار سنة 2008 مقابل 317 م د سنة 2007 أي بزيادة بنسبة 24 بالمائة. وشهدت المبادلات مع موريتانيا زيادة بنسبة 52 بالمائة حيث بلغت قيمتها 33 م د سنة 2008 مقابل 22 م د سنة 2007.
وكان الاتحاد قد انتهى أمره بسبب اشتداد الصراع بين المغرب والجزائر على قضية الصحراء، لكن عاد المغاربيون ليعيشوا على نشوة الأمل من جديد بعد اجتماع لجنة المتابعة في الجزائر 17 و18 مايو أيار 1999، بعدما كان أوشك الاتحاد على الوفاة الطبيعية. ثم التقى وزراء خارجية بلدان المغرب العربي في 19 و20 مارس 2001 من أجل التحضير لعقد القمة. لكن كان الفشل سيد الموقف، ثم تكررت المحاولة في 16 و17 يناير 2002، ليحصل اتفاق على اجتماع قادة دول المغرب العربي في 21 و22 يونيو 2002، إلا أن تفاجأ الجميع بإعلان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عن تأجيل القمة لأجل غير محدد، بسبب اشتداد الخلاف الجزائري المغربي حول مشكلة الصحراء.
ولا تزال الجزائر تشترط تقرير المصير لما تسميه "الشعب الصحراوي"، مقابل بناء اتحاد المغرب العربي، حيث ما فتئ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يعلن أن مشكلة الصحراء الغربية تقف حجر عثرة أمام تشييد المغرب العربي الكبير الذي يتوقف عليه مستقبل المنطقة بأسرها. وشدد القول على "انه بات يتأكد يوماً بعد يوم أن إنجاز هذا المشروع لن يكون على حساب الشعب الصحراوي وحقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف".
والحق أن مختلف الدول لا ترى أن في تأخر حل الصحراء ما يدعو إلى التضحية بالعدد الهائل من إيجابية الاندماج المغاربي. ويتساءل خبراء اقتصاديون إلى أي حد تستمر الجزائر بالتضحية بمصالح الملايين من المغاربين انتصارا لمبدأ ترى فيه الجزائر أنه مقدس حسب تصريحات مسؤوليها الدبلوماسيين، مؤكدين أن العالم لم ير مطلقا أن دولة ضحت بمستقبلها التنموي والاقتصادي مقابل مثاليات، خاصة أن ملف الصحراء يوجد بين يدي الأمم المتحدة.
واعتبر سياسيون دوليون، أنه بالإمكان أن ينعم المغاربيون بمردودية الاندماج المغاربي مع تحييد نزاع الصحراء جانبا إلى حين حله عبر مسطرة التفاوض بإشراف الأمم المتحدة، أو على الأقل يمكن للجزائر أن تقتنع أن للصحراويين رب يحميهم، وذلك بعدما تم تدويل قضية الصحراء.
ويعتبر عدد من المحللين السياسيين أن هذا موقف الجزائر يحتمل مثالية مبالغ فيها، ولا يستند إلى مرجعية دبلوماسية برغماتية في تدبير العلاقات الدولية، إذ لا يعقل أن تهدر المصالح الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الهائلة مقابل إقرار مبدأ استقلالية الصحراء. خاصة أن ملف الصحراء على كل حال هو بين يدي الأمم المتحدة وهي المؤهلة وحدها للبث فيه.
ويسجل المراقبون انقلابا في المواقف الرسمية الجزائرية، ذلك لأنها ظلت تؤكد أن نزاع الصحراء الغربية هو مسألة إزالة استعمار مطروحة على الأمم المتحدة وليس لها أي تداعيات على اتحاد المغرب العربي.
وهو الرأي الذي ظل يردده رئيس الحكومة الجزائرية عبد العزيز بلخادم، والذي سبق وأعلن أن نزاع الصحراء الغربية "لم يشكل أبدا عائقا" أمام تقارب الدول المغاربية؛ وان "الجزائر البلد الوحيد الذي له حدود مع كافة دول المغرب العربي كانت دائما تفي بالتزاماتها إزاء شركائها".
وتؤكد عدة مصادر دبلوماسية عليمة أن الجزائر تعمل عند عقد كل مفاوضات رسمية أو غير رسمية للضغط على دول الاتحاد الإفريقي وباقي أعضاء الاتحاد المغاربي لاشتراط استقلال الصحراء مقابل بناء الاتحاد.
ويرى الخبراء الاقتصاديون أن دوافع بناء الاتحاد المغرب العربي هي أكبر من الادعاء بالالتزام بتطبيق العدالة التي تريدها الجزائر مثاليا "تقرير المصير" بالصحراء، وتبطل هذه الادعاءات على حد تعبير خبراء مغاربيين أن دواعي ربط الصحراء ببناء المغرب العربي لا يستقيم منطقيا ولا جيوسياسيا وإقليميا، ذلك لأن نزاع الصحراء موضوع يتولاه مجلس الأمن الدولي، وهو ما يجعل ادعاءات الجزائر غير موضوعية، إذ كيف لها أن تنصب نفسها مدافعة عن تقرير المصير والقضية معروضة على مجلس الأمن، ويرون أن تأكيد المغرب بأن النزاع حول الصحراء هو نزاع جزائري مغربي رغم نفي الجزائر ذلك، إنما هو اتهام له ما يبرره على أرض الواقع، وهو ما بدى يستشعره المنتظم الدولي، لذلك لم تعد للدبلوماسية الجزائرية أي مردودية في هذا النزاع.
والحق أن لا أحد يمكنه اليوم أن يدوس على مزايا التكامل الاقتصادي المغاربي للتقارب الجغرافي، بل لا أحد يمكنه التضحية ببحبوحة التكامل الاقتصادي لسواد عيون تقرير المصير لصالح جبهة البوليساريو، خاصة أن الصحراء توجد في واجهة حدودية لا تمنع التقارب المغاربي، فلا تلغي القيود على حركة السلع والأشخاص ورؤوس الأموال فيما بين البلدان المغاربية.
ويرى كثير من المتتبعين أن استراتيجية الجزائر بعدم حل قضية اتحاد المغرب العربي إنما هي وسيلة لممارسة الضغط الاقتصادي على المغرب الفقير إلى المواد البترولية، عكس الجزائر التي تعيش بحبوحة ارتفاع ثمن عائداتها النفطية.
وتساءل عدد من المحللين عن الفرص والطاقات المهدورة بسبب استمرار تعثر بناء الاتحاد المغاربي، وتساءلوا بالقول إلى أي حد سيستمر رأي الجزائر في ظل انعدام أي أفق لحل قضية الصحراء.
إذا كان المغرب قد برهن، مرات عدة، على تمسكه بهذا الاتحاد الذي يعتبر مجديا بشكل كبير في عالم تتنامى فيه التحالفات، فإن الجزائر ضاعفت الجهود التي تلغم طريق بناء هذا المشروع المنقذ، ورغم كل ذلك لم يفتأ المغرب أن جعل من بناء الصرح المغاربي وباعتباره مقدمة للوحدة العربية، أحد أهم اختياراته الاستراتيجية، وذلك عبر مد اليد إلى الجزائر لتطبيع العلاقات.
وتوقف الفاعلون السياسيون المغاربيون على انعدام إرادة سياسية لدى بعض القادة المغاربيين لبناء الاتحاد المغاربي، ودعوا بلدانهم إلى إحياء اتحاد المغربي العربي، وتجاوز أزمة نزاع الصحراء وتركها لمسارها الطبيعي في الأمم المتحدة، كما سبق واتفق عليه موقعو وثيقة تأسيس اتحاد المغرب العربي في مراكش.
هذا ولا يزال يحافظ الاتحاد المغاربي المجمد على بعض الهياكل الهامشية للاشتغال دون أن تكون لها قرارات ملزمة، ويسجل العديد من المتتبعين حضورها الرمزي وخاصة المؤسسات المدنية أو ذات الصبغة الاستشارية وتبادل الخبرات والتجارب في عدد من الميادين...

عبـد الفتـاح الفاتحـي
Elfathifattah@yahoo.fr




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات