كثير من التساؤلات تثيرها الاحاديث التي تتردد في اروقة البيت الخليجي حول تطورات العلاقة ما بين دول مجلس التعاون,وعلامات استفهام اكثر تقتحم ذهن المراقب لتواتر الانباء عن قرب الاعلان عن شكل من اشكال الاتحاد ما بين المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين..وعلى الرغم من ان كثير من هذه الاسئلة ستتعلق بالتأكيد بطبيعة وتوقيت هذا الاعلان ,الا ان الجزء الاكبر سوف يتجه الى محاولة فهم واستيعاب آليات صنع القرار في منظومة التعاون الخليجي,وفي دوائر الحكم السعودية العليا بالتحديد..
فمع ان البعض قد يذهب الى ان"الاتحاد السعودي البحريني تدخل جراحي استدعته الحاجة الطارئة"وعلى الرغم من وجاهة حديث الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة حول ان "الحلم الأكبر لشعوب المنطقة هو رؤية اليوم الذي تذوب فيه كل الحدود من أجل وحدة منتظرة",الا ان التصريح-الاقرب الى الاحجية-للوزيرة سميرة رجب,التي قلما ترددت في اطلاق الاحكام التامة القاطعة,حتى تلك التي تتعلق بالنوايا,والذي تتحدث فيه عن ان "ليس شيئا متوقعا لكن عندي توقع كبير. أتوقع يكون هناك إعلان بين اثنين أو ثلاث دول."قد يشير الى ان هذا الاتحاد قد لا يكون الا فقرة من مسلسل طويل من القرارات الفردية المنهكة والمستنزفة للجهد السياسي والاعلامي الخليجي والتي ليس للدولة والمجتمع فيها الا دور التفسير والترويج-والتهليل على الاصح-والبعيدة عن اي نوع من شرعية الاعتماد على الخيارات الشعبية الحرة..
فلا نستطيع ان نعد من الطبيعي الانتقال مباشرة من مستوى الجدل حول تشكيل لجان ذات مهام استشارية لتنسيق السياسة الخارجية والدفاعية,او النقاش حول العقبات التي تعترض مشروع ربط السعودية بالبحرين بسكة حديد,الى الحديث عن اتحاد بين البلدين حتى لو كان ترجمة لـ"تجاوز مرحلة التعاون الى مرحلة الاتحاد في كيان واحد".
كما ان السجل الطويل للمبادرات السعودية التي تولد ميتة عادةً وتعاني من التعجل وسوء القراءة السليمة للمعطيات على الارض قد لا تشجع على انتظار الكثير من هذا الاتحاد"او الالحاق"ولا من تداعياته وتأثيره على مسيرة العمل الخليجي المشترك وجهود توحيد الرؤى والسياسات الخليجية تجاه القضايا الدولية والاقليمية الكبرى..فليس بعيدا عنا مبادرة الملك عبدالله في دعوة القوى السياسية العراقية للاجتماع في الرياض وتزامنها مع مقررات اربيل والتي شهدت فشلا لم تكن تحتاجه الدبلوماسية السعودية ولا نواياها "المعلنة" في تقريب وجهات النظر..ولا الارتجال المدوي لمشروع انضمام الاردن والمغرب الى مجلس التعاون والذي انتهى الى مجرد دعم مالي مغلف باحاديث التعاون والشراكة..كما ان مصير القرارات الخليجية الواعدة والطموح مثل قرار قرار الاتحاد الجمركي و العُملة الخليجية الموحدة قد يجعل من المشاريع الاعلى سقفا والاشد اندفاعا نوعا من القفز في الهواء بعيون مغمضة..
ان المعضل الذي تواجهه المؤسسة الرسمية السعودية هو ان قراراتها عادة ما تكون فجائية و طارئة بصورة اقرب الى العبثية ومحكومة بردود الافعال المتشنجة اكثر من كونها نتيجة دراسة معمقة مدعمة بالاتصالات الكافية والخبرة والدراية والبحث المستفيض لاوضاع معينة تساعد على اتخاذ القرار نحو ما يحقق الحاجة الفعلية من اصداره..فصدور مثل هذه القرارات التي تقترب من الانعطافة في مسيرة الثوابت الخليجية المبنية على الانغلاق والتاكيد على الخصوصية, وفي هذه المرحلة المفصلية من تاريخ المنطقة..ومع كل هذه الاعتراضات والتحفظات التي تخللتها.. قد يكون مما يشير الى وجود خلل واضح وجلي ومربك وبنيوي في آلية التوصل الى القرار ضمن الحكم السعودي الذي يشهد المزيد من الفردية والتطرف في المواقف المؤدية الى مزيد من التقاطع والازمات اكثر مما تقدم من حلول..
ان المطلوب من المملكة-والدول الخليجية عموما- في حالة رغبتها في ترصين جبهاتها الداخلية وسد المنافذ امام التدخلات الاجنبية في شؤونها الداخلية العمل على استباق الاحتجاجات الشعبية من خلال توسيع المشاركة السياسية في اتخاذ القرار وعدم الاسراف في الخيارات الامنية المبنية على خصوصية خليجية ملتبسة في مواجهة هذه المطالب..والنظر الى حق الشعوب في التعبير عن تطلعاتها على انها من الامور المشروعة التي يمكن الوصول معها الى نقاط التقاء تحفظ للاسر الحاكمة وجودها في ظل ثقافة تحترم الخيارات الشعبية وحقوق المواطنة والانتماء وضمن وعي تام بعدم امكانية الاستمرار بتهميش الشعوب تحت ذرائع التخوين والتطاول على الثوابت الوطنية..والاهم,وفي الحالة مدار البحث بالذات,النظر الى معطيات الحراك الشعبي في البحرين على انها ازمة سياسية وليست امنية,وهي حركة مطلبية اكثر من كونها صراع اقليمي,والاستفادة من درس التدخل العسكري السعودي وفشله في منع استمرار الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحرية والمساواة والتي قد يكون اخر ما تتمناه هو الانضمام الى اتحاد -اوالحاق- مع المملكة العربية السعودية..
ولكل هذا ..وقد يكون للكثير من غيره ايضا..نجرؤ ان نقول ان عملية الحفاظ على العروش قد لا تكون سببا كافيا للاندفاع مع الحكم السعودي في مثل هذه المخططات الغرائبية المحكومة بالفشل المسبق بسبب بنائها على قراءات خاطئة وعوراء للمتغيرات السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية التي تعصف بالمنطقة..ونجرؤ ايضا ان نتوقع سقوطا سريعا لهذه المشاريع قد يؤخره لبعض الوقت عامل التطفل الاقتصادي الذي من المنتظر ان يغري الحكم البحريني لابقاء الباب مواربا امام الطموحات السعودية..
ان الاكثر الحاحا الآن..هو الوعي بان هناك الكثير مما يستدعي اعادة النظر في السياسة الخارجية السعودية..واهمها آليات اتخاذ القرار والاسس التي ترتكز عليها الدبلوماسية السعودية في ذلك,وان هذا الارتباك هو الامر الذي يقلل من فرص المملكة في طرح نفسها خارجيا في دور القائد المؤثر على الاحداث في المنطقة..
التعليقات (0)