إنها الثامنة مساءا ... نشرة الأخبار على شاشة التلفاز .... كلنا مجتمعون "نتفرج" ... كلنا نحب الأخبار ...كلنا صامتون ... كلنا مبتسمون ... أبي يكمم أفواهنا، وإذا تكلم أحدنا وسط النشرة فسيحرمه من وجبة العشاء ... يسمي الأخبار سياسة ... ويأمرنا بالصمت وقت السياسة ... فعلَّمنا منذ نعومة أظافرنا أن نصمت وقت السياسة ... .
النشرة تجود علينا بأخبارها ... ماهذا ؟!! ابن عمي في النشرة !!! لقد عُين وزيرا !! كيدارلها ؟؟؟ غي البارح وهو ضد كلشي ؟؟!!! تفاجأ الجميع في بيتنا - حتى هرة أخي - ... لأول مرة أرى أبي يخرج قبل انتهاء النشرة ... غير ملابسه وتوجه إلى مقهى الحي ... كيف لا وابن أخيه أصبح وزيرا ؟؟...لم تنته النشرة حتى امتلأ بيتنا بالضيوف والجيران ... يباركون لنا ... – ابن عمي أصبح وزيرا– جاءت كريمة التي كانت تمزق كراتنا البلاستيكية كلما قذفها سمير إلى شرفتها ( سمير واحد الدري صاحبنا)، جاء بوعزة البقال الذي كلما رآني يطلب مني أن أخبر أبي بأن يزوره – يمكن كايتوحشو – جاء كل من يحبنا وكل من يكرهنا ... وكل من يغتابنا وكل من ينافقنا. ...
إنه منتصف الليل ... هاتف أبي يرن ... غير نغمة هاتفه من أغنية لنانسي عجرم إلى أغنية وطنية ... أسمع أبي يتحدث في الهاتف ... مرحبا بالسيد الوزير ... إنه يتكلم مع ابن عمي ... يتحدث إليه بأدب ..بالأمس كان لا يكف عن نهره وطرده من البيت ،لأنه كان يتكلم كثيرا في السياسة ... .
إنه اليوم الموالي الثامنة صباحا ... استيقظت على صوت المذياع والتلفاز وصوت أبي أيضا... أبي يطلب من أمي أن توقظنا بسرعة لأن ابن عمي قادم ... لماذا كل هذا ؟؟؟ كان بالأمس يأتي ويجدنا نائمين ... ما الفرق بين الأمس واليوم ؟؟ ... أُرغمنا على الاستيقاظ ... وغيرنا ملابسنا ... ذكرني هذا اليوم بعيد الأضحى.
وقفت سيارة فخمة بالباب ... إنها سيارة ابن عمي ... الوزير ... تجمهر السكان أمام باب بيتنا ليسلموا على ابن عمي ... الوزير ... – الواليد ماقاداهش الأرض ..شحال ولا فيه ديال التفلعيص !!! ...إيوا عندو علاش ... حيث ولد خوه ولاَّ وزير - ... دخل ابن عمي ... ماشاء الله !!! تغير شكلا ومضمونا ... لو كنت أعرف ذلك لكنت دعوت الله أن يصبح وزيرا منذ تخرجه من الجامعة .... أصبحت الابتسامة لا تفارق محياه ...وأصبح كل شيء جميل في نظره ... هو كذلك غير نغمة هاتفه بنغمة وطنية ...وأصبح له هاتفان من النوع الممتاز ... إحساس جميل ينتابني لأن ابن عمي وزير ... أولا، لأني ضمنت مستقبلي رغم كسلي في الدراسة ... وضمنت زواج أختي التي تعدت الأربعين سنة .. وضمن أبي وأمي حجة وعمرة .. وضمنا الرحيل من الحي الذي نسكنه ... لأنه حي فقير ... ولايليق بعائلة الوزير أن تسكن في سكن غير لائق ... .
شهرين بعد التعيين :
تزوجت أختي ... توظف أخي وسبعون من عائلتنا ... أصبحنا نسكن في سكن لائق ... أصبح لي أنترنيت مجاني وهاتف باشتراك ...أصبح أبي حاجا قبل ذهابه إليه وأصبحت أمي تستحم مجانا، وأصبحنا عائلة محترمة...وأصبح الكل يناديني : ابن عم الوزير .
التعليقات (0)