الحياة الحب ... والحب الحياة
بقلم : حسن توفيق
5 - ابن زيدون يمتعض ويعترض
على قيادة حبيبته للمظاهرة النسائية
تجمعت المتظاهرات الحسناوات حول الأميرة الشاعرة الأندلسية ولادة بنت المستكفي استعداداً للخروج إلى الشارع، وأخذت كل منهن تجري بروفات على أدائها الصوتي، فأخطأت إحداهن وقالت لا للحب نعم للحرب وهنا جذبتها امرأة عريضة الأكناف، وقالت لها يا روحي ماذا تقولين؟ قولي لا للحرب نعم للحب أو فاخرسي تماماً وإلا قطعت لسانك.. ولما هدأت المشاجرة التي بدأت قبل أن تنطلق المظاهرة، قال عمر بن أبي ربيعة ونزار قباني للمتظاهرات: إننا كما تعرفن جميعكن شاعران كبيران، ولسنا من الجبناء، وسنسير في المظاهرة معكن إذا تأكدت كل منكن أن الشرطة لن تتعرض لنا بالهراوات أو بالغازات المسيلة للدموع .
ضحكت امرأة فارعة، وبنبرة سخرية لاذعة قالت : ما أعجب هذا الزمان.. الرجال يتجرعون كؤوس الهوان .. ويطلبون الحماية من النسوان .. لمجرد أننا اقترحنا على اثنين منهم أن يقولا نعم للحب لا للحرب.. بدلاً من أن يظل كل رجل منهما يتفرج على وجوهنا وخصورنا .. يا سيد عمر يمكنك أن تـمتطي حصانك وتخرج آمناً من أحد أبواب الحديقة .. وأنت يا سيد نزار باستطاعتك أن تعود لكازينو الأخطل الصغير لتشرب وتطرب إلى أن تكتب قصيدة ثورية، تندد فيها بما تتعرض له أمتك العربية من الكوارث والمآسي والأخطار .. المهم أن تبقى أنت شخصياً بعيداً عن خط النار .
احتج الشاعران على ما سمعاه، وامتطى عمر بن أبي ربيعة حصانه، فأسرع نزار قباني ليركب خلفه، وليخرجا معاً، وفي نفس لحظة خروجهما على ظهر الحصان الذي لم يشارك أبداً في أية معركة حربية منذ العصر الأموي إلى الآن، دخل الحديقة رجل وسيم، تبدو عليه آثار النعمة، وهو يرتدي ملابس مزركشة من طراز العصر الأندلسي، ووقف الرجل لحظات ساكتاً، ثم صرخ بأعلى صوته : يا ولادة بنت المستكفي .. لن أسمح لك بقيادة مظاهرة حتى لو كانت سلمية، فالسجون قاسية، والجلادون لا يرحمون، وأنت تعرفين تماماً أني قد جربت السجن من قبل، لأني كنت أحبك ..
ردت ولادة بنت المستكفي بصوت يفيض بالدلال والكبرياء في آن واحد : لا شأن لك بما أفعله، فأنت دخلت السجن لأسباب سياسية، وليس لأنك كنت تحبني، ويكفي أني أنا ولادة بنت المستكفي قد ضبطتك وأنت تغازل جاريتي السوداء، ولعلك تتذكر أني قد قلت لك
لو كنت تُنصف في الهوى ما بيننا
لم تَهْوَ جاريتي ولم تتخيِّرِ
وتركتَ غصناً مثمراً بجماله
وجنحتَ للغصن الذي لم يثمرِ
ولقد علمتَ بأنني بدرُ السما
لكنْ سُحِرْتَ لشقوتي بالمشتري
على الفور رد ابن زيدون قائلاً : إن الحب يحتاج بين حين وآخر إلى تسخين، كما يفعل لاعبو كرة القدم .. وحتى لو كان كلامك صادقاً بشأن عشقي لجاريتك السوداء، فإن لكل حصان كبوة، ولكل رجل نزوة، ولا تنسي أنك كنت تـمطرينني بالوعود وبأنك ستقومين بزيارتي ليلاً .. ألست أنت القائلة :
ترقبْ إذا جنَّ الظلامُ زيارتي
فإني رأيتُ الليلَ أكتم للسرِّ
وبي منك ما لو كان بالشمس لم تَلُحْ
وبالبدر لم يطلعْ وبالنجم لم يَسْرِ
- ارتفع صوت ولادة : يا بن زيدون كن عاقلاً ولو مرة واحدة .. هل تريد أن تفضـحـني الآن أمام هؤلاء المتظاهرات الحسناوات؟ أسكت أيها الأحمق
= لن أسكت فقد جئت إلى هنا لأعلن أني ممتعض وسأظل أعترض على قيادتك أنت للمظاهرة النسائية ضد الحرب
- وكيف عرفت؟
- أرسل لي أحد أصدقائي القدامى رسالة عن طريق الحمام الزاجل، كما تلقيت رسالة من أحد شبان هذا الزمان عبر الإيميل العاجل، وكان لابد أن أفعل ما يفعله كل عاقل، كان لابد أن أركب بساط الريح الذي يسمونه الآن طائرة لكي أبعدك عن وجع القلب يا ساحرة
نظرت المتظاهرات الحسناوات إلى وجه ولادة فأدركن أنها ستتركهن، لتعود مع شاعرها العاشق المتيم من حيث جاءا من زمان الوصل بالأندلس أما هي فقالت لهن بهدوء : أنا آسفة حقاً .. لابد أن أعود وقد يكون لنا لقاء فيما بعد .. أما الآن فلابد أن أمشي برفقة هذا الرجل الذي عذبته طويلاً عندما هجرته، فكتب عني قصيدة رائعة، لم يقل مثلها عمر بن أبي ربيعة ولا نزار قباني .. ما زلت أتذكر أبياتا مما قاله عني ولي
أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا
غيظ العدى من تساقينا الهوى فدعوا
بأن نغص، فقال الدهر آمينا
فانحل ما كان معقوداً بأنفسنا
وأنبتَّ ما كان موصولاً بأيدينا
ما حقنا أن تقروا عينَ ذي حسدٍ
بنا، ولا أن تسرُّوا كاشحاً فينا
بنتم وبنَّا فما ابتلتْ جوانحنا
شوقاً إليكم ولا جفتْ مآقينا
نكاد حين تناجيكم ضمائرنا
يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
حالت لفقدكمو أيامنا فغدت
سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا
إنا قرأنا الأسى يوم النوى سوراً
مكتوبةً وأخذنا الصبر تلقينا
أَمَّا هواكِ فلم نعدل بمنهله
شرباً وإن كان يروينا فيظمينا
عليك منيِّ سلام الله ما بقيتْ
صبابة منك نخفيها فتخفينا
التعليقات (0)