توضيحات لحقائق
[1]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه ، وبعد؛
فأود أن أوضح حقائق قد تغيب عن الكثير رجاء معرفتها اهتماما بخطرها في المعتقد أو العبادة أو السلوك ،
وأسأل الله التوفيق ،
وكانت الحقيقة الأولى حول القرآن الكريم تحت عنوان :
[ من الذي يقول بحدوث القرآن؟! ]
وهو مقال من
( موقع روض الرياحين )
أحببت أن ينفع الله به من أراد الوصول إلى الحق وعمل للنجاة في اليوم الحق ، مؤملا أن تتطلعوا عليه للانتفاع ، وتقارنوا بينه وبين ما يشاع ومطلوبنا هوالوصول إلى رضوان الله لا الغلبة في الحجاج ،
أو شغل الأحبة بالصخب واللجاج ،
وهذا هو المقال ( بتصرف يسير ) :
[ بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القديم الباق، والصلاة والسلام على إنسان العيون وسيد الأخلاق، والمبعوث بالنور والإشراق، وعلى آله الذين آتاهم الله أجرهم مرتين، وأذهب عنهم الرجس والشين، وعلى أصحابه الذين آووه ونصروه واتبوعوا النور الذي أنزل معه، أولئك الذين هدى الله وأولئك هم أولو الألباب .
وبعد...
أيها القارئ السني الكريم ..
اعلم بارك الله فيك أن مسألة خلق القرآن من المسائل التي شاعت في القرن الثالث الهجري، وتولى كبرها زمرة من أهل الضلال والاعتزال، حتى أمالوا إليهم الخليفة أبا عبدالله المأمون سامحه الله وغفر له، فنصر بدعتهم، وأيد فرقتهم، وامتحن علماء أهل السنة والجماعة، ودعاهم إلى القول بأن القرآن مخلوق، وعرضهم على السيف، فمات منهم من مات، ونطق منهم بخلق القرآن من نطق مكرها، وصبر إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل ونفر معه، فأبوا أن يقولوا بخلق القرآن، واستمرت هذه المحنة في أيام المعتصم ثم الواثق حتى جاء جعفر المتوكل فرفعها وطرد المعتزلة وقرب أهل السنة..
وقد صار قدم القرآن الكريم وأنه غير مخلوق ـ لأنه صفة الله القديمة ـ صار عقيدة لأهل السنة ينصون عليها في كتبهم جيلا بعد جيل، فما صنف إمام من أهل السنة مصنفا في الاعتقاد إلا ونص على قدم القرآن وأنه غير مخلوق .. حتى جاء ابن تيمية فابتدع بدعة عظيمة وزعم أن القرآن ليس بقديم وأنه لم يقل أحد من السلف بقدمه !! فنص على بدعته هذه في غير موضع من كتبه متأثرا بأقوال المعتزلة والفلاسفة إذ قال مثلا:
[والمقصود هنا أن الامام أحمد ومن قبله من أئمة السنة ومن اتبعه كلهم بريئون من الاقوال المبتدعة المخالفة للشرع والعقل ولم يقل أحد منهم أن القرآن قديم ]
مجموع الفتاوى 7/661
ثم رجع فتاب سنة 707هـ
وكتب بخط يده:
((الحمد لله ، الذي أعتقده أن القرآن معنى قائم بذات الله ، وهو صفة من صفات ذاته القديمة الأزلية ، وهو غير مخلوق ، وليس بحرف ولا صوت، كتبه أحمد بن تيمية))
.. اهـ0
ولكن لا يزال على قوله الأول خلق من أهل الضلال، فأنكروا قدم القرآن الكريم فزعموا أن كلام الله تعالى
( قديم النوع حادث الآحاد )
والقرآن عندهم من آحاد الكلام لأن كلام الله ـ عندهم ـ متعدد فقد كان الله ولا قرآن وكان قبل القرآن الإنجيل وقبله التوراة، فظنوا أن قيام كلام الله بالله حادث يحدث شيئا بعد شيء، وما فهموا أن قيام القرآن بالله كقيام علمه به كان أولا قائما به ولا يزال، فابتدعوا القول بأن :
( كلامه تعالى قديم نوعا فقط بينما آحاده ـ كالقرآن والتوراة .. ـ حادثة) ،
وعلى هذا الاعتقاد اليوم كبار و رؤوس
واليوم أيها الإخوة الكرام لا أشك أن القارئ يتمنى أن لو تيسر له أن يقابل الإمام أحمد إمام أهل السنة أو يقابل أبا عبدالله المأمون ناصر المعتزلة، ليعرف منهما ما هو مذهب أهل السنة في ذلك الوقت، وما هو مذهب المعتزلة، لأن ابن تيمية وأتباعه لبسوا على الناس وخلطوا عليهم الأمور بحيث صار كثير من أتباع ابن تيمية اليوم يعتقدون عقيدة المعتزلة وهم يظنون أنهم على طريقة السلف الصالح00
وبعد فقد أحببت أن أقدم للقارئ الكريم وثيقة هامة توضح له ما هو موقف أهل السنة والجماعة وما هو اعتقاد المأمون ومن معه من المعتزلة، هذه الوثقية أنقلها لكم من كتاب مؤرخ الإسلام الإمام محمد بن جرير الطبري وهي عبارة عن النسخة الخطية لرسالة المأمون إلى إسحق بن إبراهيم يأمره بامتحان أهل السنة وجبرهم على القول بخلق القرآن00
قال الإمام محمد بن جرير الطبري
في تاريخه 5/186 في أحداث سنة 218هـ ما نصه:
((وفي هذه السنة كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم في امتحان القضاة والمحدثين وأمر بجماعة منهم إليه إلى الرقة وكان ذلك أول كتاب كتب في ذلك ونسخة كتابه إليه:
أما بعد فإن حق الله على أئمة المسلمين وخلفائهم الاجتهاد في إقامة دين الله الذي استحفظهم ومواريث النبوة التي أورثهم وأثر العلم الذي استودعهم والعمل بالحق في رعيتهم والتشمير لطاعة الله فيهم والله يسأل أمير المؤمنين أن يوفقه لعزيمة الرشد والإقساط فيما ولاه الله من رعيته برحمته ومنته وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم من حشو الرعية وسفلة العامة ممن لا نظر له ولا روية ولا استدلال له [ إلا بقدرة ] الله وهدايته والاستضاءة بنور العلم وبرهانه في جميع الأقطار والآفاق أهل جهالة بالله وعماية وضلالة عن حقيقة دينه وتوحيده والإيمان به عن واضحات أعلامه وواجب سبيله وقصور أن يقدروا الله حق قدره ويعرفوه كنه معرفته ويفرقوا بينه وبين خلقه لضعف آرائهم ونقص عقولهم عن التفكير والتذكر وذلك أنهم ساووا بين الله تبارك وتعالى وبين ما أنزل من القرآن فأطبقوا مجتمعين على انه قديم أول لم يخلقه الله ويحدثه ويخترعه وقد قال الله عز وجل في محكم كتابه الذي جعله لما في الصدور شفاء وللمؤمنين رحمة وهدى إنا جعلناه قرآنا عربيا فكل ما جعله الله فقد خلقه وقال الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور وقال عز وجل كذلك نقص عليك من انباء ما قد سبق فأخبر أنه قصص لأمور أحدثه بعدها وتلا به متقدمها وقال آلر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير وكل محكم مفصل فله محكم مفصل والله محكم كتابه ومفصله فهو خالقه ثم هم الذين جادلوا بالباطل فدعوا إلى قولهم ونسبوا أنفسهم إلى السنة وفي كل فصل من كتاب الله قصص من تلاوته مبطل قولهم ومكذب دعواهم يرد عليهم قولهم ونحلتهم ثم أظهروا مع ذلك أنهم اهل السنة والجماعة وأن من سواهم أهل الباطل والكفر والفرقة بذلك على الناس وغروا به الجهال حتى مال قوم من أهل السمت الكاذب والتخشع لغير الله والتقشف لغير الدين إلى موافقتهم عليه على سيء آرائهم تزينا بذلك عندهم وتصنعا للرياسة والعدالة فيهم فتركوا الحق إلى باطلهم واتخذوا دون الله وليجة إلى ضلالتهم فقبلت بتزكيتهم لهم شهادتهم ونفذت أحكام الكتاب بهم على دغل دينهم ونغل أديمهم وفساد نياتهم ويقينهم وكان ذلك غايتهم التي إليها أجروا وإياها طلبوا في متابعتهم والكذب على مولاهم وقد أخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه أولئك الذين الله وأعمى أبصارهم افلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها فرأى أمير المؤمنين أن أولئك شر الأمة ورؤوس الضلالة المنقوصين من التوحيد حظا من الإيمان نصيبا واوعية الجهالة واعلام
الكذب ..] إلى آخر ما قاله
.. وكتب في شهر ربيع الأول سنة ثمان عشرة ومائتين )) اهـ .
وقد نقل الحافظ الذهبي ذلك في سير أعلام النبلاء 10/287 وصورته:
فهذا أبو عبدالله المأمون المبتدع الضال سامحه الله ينقل ويحكي مذهب أهل السنة والجماعة في القرآن ويعيب عليهم فيقول بأن أهل السنة والجماعة
.. ((أطبقوا مجتمعين على انه قديم أول،
لم يخلقه الله ويحدثه ويخترعه ))اهـ ..
فهذه حكاية لإجماع أهل سنة على قدم القرآن ممن ناوأهم وخالفهم والفضل ما شهدت به الأعداء00
بل إن المعتزلة الذين يقولون بأن الله كلم موسى بكلام لم يكن قبل هذا ولا كان بعد هذا ـ يعني الكلام المعين الذي يسميه الحشوية اليوم آحادا ـ هؤلاء المعتزلة يصرحون بمذهبهم في كتبهم ويحكونه فلا ترى فرقا بينه وبين قول الحشوية قيد شعرة وهذا الدليل00
هذه طبقات المعتزلة صنفوها على مذهبهم وهم يذكرون فيها مناظرة المعتزلي ابن أبي دؤاد للإمام أحمد على هذا النحو:
فانظروا إلى تصريح المعتزلي بمذهبه الذي ينافح عنه حينما قال:
((أرأيت لو كلمه أليس كان يكلمه بكلام كائن بعد أن لم يكن ))اهـ0
وهذا بعينه مذهب الحشوية إذ يقولون بأن كلام الله لموسى حادث وأن كلامه تلك الساعة كائن بعد أن لم يكن وهذا المذهب الاعتزالي الكرامي ما صرح به ابن تيمية قبل توبته فقال:
وثم طائفة كثيرة تقول : أنه تقوم به الحوادث وتزول ، ))
وأنه كلم موسى بصوت وذلك الصوت عدم ، وهذا مذهب أئمة السنة والحديث من السلف وغيرهم ، وأظن الكرامية لهم في ذلك قولان 00))اهـ
فلبس ابن تيمية على الناس وخلط عليهم الأمر وافترى على أهل السنة شيئا ما فاهوا به ولا قالوه فألبسهم مذهب الكرامية والعياذ بالله وأهل السنة إنما قالوا ضده وخلافه، وتبع ابن تيمية على هذا غيره مثل ما ورد في الشرح الذي يعزى لابن أبي العز الحنفي إذ قال فيه:
((وبالجملة : فكل ما تحتج به المعتزلة مما يدل على أنه كلام متعلق بمشيئته وقدرته ، وأنه يتكلم إذا شاء ، وأنه يتكلم شيئا بعد شيء ، فهو حق يجب قبوله))
ثم إنه زاد الطين بلة والبلاء آفة فزعم أن هذا الذي يحدث شيئا بعد شيء قائم بذات الله تعالى !!
فركب من مذهب المعتزلة في حدوث الكلام ،
ومن مذهب أهل السنة في قيام الكلام بالذات مذهبا ثالثا نتيجته أن الحوادث تقوم بذات الله
!!! وهذا بعينه مذهب الكرامية المجسمة
أما الإمام أحمد رضي الله عنه فقد كان قائما بحجته عليهم ،
فقد ورد وصح عنه أنه لما كان في المحنة قالوا له ما تقول في القرآن قال ما تقولون في علم الله ؟؟
فحجهم بأن جعل الكلام في القرآن كالكلام في صفة علم الله تعالى،
والحشوية اليوم لا يفهمون هذا ولا يقرون بهذا ويفرقون بين كلام الله وبين علم الله من جهة قيامهما بالله كتفريق المعتزلة بل والكرامية،
وأما الإمام أحمد فلما قالوا له ما تقول في القرآن أحالهم على علم الله تعالى وكأنه يقول: أقول في كلام الله ما أقول في علم الله تعالى .. نقل ذلك الذهبي في السير 11/245 وغيره بأسانيد صحيحة:
روى عبدالله بن احمد في السنة ص9
واللالكائي 1/291،391 والآجري 81 وغيرهم :
(( سمعت أبي يقول : من قال القرآن مخلوق فهو عندنا كافر لأن القرآن من علم الله وفيه أسماء الله ))اهـ
والنصوص التي كان الإمام أحمد دائما يحتج بها على قدم القرآن وعدم خلقه بأن القول فيه كالقول في صفة العلم القديم الأزلي كثيرة0
ولهذا قال اللالكائي في شرح السنة:
((وهو قرآن واحد غير مخلوق وغير مجعول ومربوب ، بل هو صفة من صفات ذاته لم يزل به متكلما ، ومن قال غير هذا فهو كافر ضال ، مبتدع مخالف لمذاهب السنة والجماعة))اهـ0
فانظر كيف جعل القرآن نفسه صفة لله لم يزل به متكلما
aوصرح بهذا الحافظ قوام السنة الإصبهاني
فقال في الحجة في بيان المحجة 1/:396
اهـ0 ( القرآن تكلم الله به في القدم ))
وهؤلاء الحشوية ينكرون هذا.
فاعتبر أيها السني واحذر من أن يجرك هؤلاء الحشو إلى عقيدة المعتزلة فتكون من الخاسرين]]0
التعليقات (0)