مواضيع اليوم

ابني فين يا بحر

مجدي المصري

2009-09-24 16:39:52

0



"أم محمود" حقيقه لا أعرف اسمها الحقيقي لأن في مجتمعاتنا يستحب أن تنادي المرأه باسم ابنها البكر وكان "محمود" بكريها ووحيد عمرها في نفس الوقت ولم تنجب أم محمود غيره فلم تسعدها الدنيا سوي أيام معدودات فعندما كانت شابه صغيره أحبت "أبو محمود" من كل قلبها وجوارحها ولكن في صمت .. فهو الشاب الوسيم المفتول العضلات المكافح المؤدب الذي تتمناه كل فتاه صغيره لنفسها …
ظلت تحبه في صمت لم تبوح بحبها له ولا لأي مخلوق أخر كان حبا طاهرا عذري حتي جاء اليوم الذي أحست بأن السماء استجابت لدعائها بأن يكون من نصيبها عندما فوجئت يوما به هو ووالده يطرقون بابها طالبين يدها …
وبسرعه تم كل شيئ من جهاز العروس وحتي الفرح والذي كان فرحا للحي بكامله وليس لها وحدها .. وكأنها كانت تسابق الريح .. لأنها كانت علي موعد مع القدر .. انتقلت الي داره وأصبحت زوجته علي سنه الله ورسوله أيام كثيره لم تعدها ولكن كانت كلها هناء وفرح .. لم تكن بطيبتها وجهلها تصدق أنها تحيا في علم بل كانت كثيرا ما توخذ أصبعها بدبوس لتتأكد أنها لا تحلم …
كانت تستيقظ في الصباح الباكر لتعد الحمام وتعد الافطار والشاي وتوقظ حبيب عمرها من نومه وبعد الافطار تودعه بالباب بقبله كلها عاطفه تلقائيه جياشه علمتها لها فطرتها التي فطرت عليها ثم تبدأ بأعمال المنزل اليوميه واعداد الطعام لتنتهي من كل شيئ قبل عودته من عمله وعندما يعود يجدها في أبهي زينتها وكل الطعام معد والبيت نظيف وكأنها التشريفه التي يستقبل بها الملوك ..
كانت تأخذه في حضنها في لهفه وشوق كما لو كانت قد مرت سنين لم تراه نعم فهو حب العمر وهو رجلها التي لم تعرف غيره وهو الرفيق والونيس والأب والأخ والزوج هو عمرها كله …
وبدأت ثمره هذا الحب تتحرك في أحشائها جنينا وكم كانت سعادتها لا توصف عندما اختلطت لديها مشاعر الامومه بمشاعر حبها الفطري لحبيب العمر فهي سوف تنجب منه ولدا …
ولكن الأقدار استكثرت عليها كل هذه السعاده والفرحه ففي ذات يوم خرج زوجها ولم يعد ..أطاحت به سياره يقودها شاب أرعن اشتراها له والده كما لو كانت خصيصا ليطيح بكل أحلامها ويوئد فرحتها وسعادتها ويحولها في لحظه من أسعد زوجه في الدنيا الي أرمله ثكلي تواجه الدنيا بمفردها وفي أحشائها جنين لا يعرف له رب ولا أب وهي في ريعان الشباب…
أطلقت صرخات مدويه صادره من أعماق أعماق روحها عندما جاؤا لها بجثمان زوجها وكشفت عن وجهه الملطخ بالدماء .. ها هو حبيب العمر جثه هامده لا حراك فيها ولا روح ..نادته .. كلمته حاولت أن تستنطقه ولو بكلمه واحده ولكن هيهات روحه الأن عند باريها ..
أصيبت بسهتيريا جنونيه عندما حاولت النساء ابعادها عن جسد حبيبها المسجي بائت كل محاولاتهن بالفشل حتي خمد صراخها عندما راحت في غيبوبه تامه لم تعرف مقدارها ولكنها مكثت بالمستشفي أيام طوال .. ترفض روحها الافاقه تطلب الانطلاق و اللحاق به حيثما ذهب فهناك مكانها بجواره …
ولكن المشيئه الالهيه أبت موتها لأن في أحشائها جنين وهبته الحياه ينبض قلبه ويشعر بالام أمه ورفضها للحياه ولكنه يصر علي الحياه يرفض أن يموت الأن لأن أوانه لم يحن بعد …
لم تتمكن من أن تذهب مع الجثمان الي المقابر حتي تواريه الثري بنفسها لأنها كانت جسد ينبض وروح يهيم يريد الانطلاق واللحاق به …
خرج "محمود" الي الحياه صوره طبق الأصل من أبوه وكأن الأقدار استحت منها وأعطتها بعض العوض .. وأسمته محمود علي اسم أبيه ومنذ لحظه ولادته خرجت أم محمود من نطاق الزمن لم تعد تحيا الا بابنها ولابنها فقط مرت الايام بحلوها ومرها .. كانت امرأه جميله بحق لديها مسحه هادئه من الجمال والتناسق الجسدي والشعر الناعم الطويل ولكنها أخفت كل هذا خلف السواد الذي لفت به نفسها ما بقي لها من العمر .. رفضت أكثر من مائه عريس تقدموا لها طالبين يدها وكانت دائما تقول أنا متزوجه من محمود ومحمود معي حي يرزق "محمود مماتشي عايزني أتجوز عليه حرام عليكم" لكل من يفاتحها في أمر الزواج …
أفنت زهره شبابها علي محمود الصغير وفاءا لمحمود الكبير حتي شب شابا يافعا يحمل ملامح أبوه وتركيبته الجسمانيه بل وكل صفاته وطباعه من شهامه ورجوله ونخوه ..وأحست بأن الاقدار سلبتها محمود الكبير وأعاضتها عنه بصوره منه هي محمود الصغير …
وعندما أحست بأن الأوان قد أن بدأت في مفاتحته في أمر الزواج وتشير عليه بالكثير من بنات الحي الجميلات ثم ازداد الامر بها ووصل للالحاح فهي تريد أن تري زريته قبل أن تموت وتريد أن يملأ البيت بالأطفال حتي لا يشعر بأنه وحيد وأن له عزوه والدار فسيح وخالي سوي منه ومنها ولكن محمود كان لديه حلم أخر فهو يريد أن يركب البحر الي ايطاليا ليلحق بصديق عمره الذي فعلها ووصل الي ايطاليا ويعمل هناك واستطاع جمع مبلغ جيد من المال في فتره قصيره وهو من يشجع محمود بل ويحرضه علي السفر ولكن رفض أمه القاطع كان هو الحائل بينه وبين حلمه بالسفر …
مع الوقت الحلم يكبر لدي محمود والام ترفض سفر محمود وهو لا يستطيع أن يسافر بدون موافقتها فحزن وانزوي بالمنزل لا يريد أن يأكل ولا يشرب حتي شحب لونه فانزعجت أم محمود انزعاجا شديدا وحاولت اثناءه وبكت بل وانحنت تقبل قدميه وترجوه أن يعود اليها والا يحرق قلبها عليه فهي لم تعد قادره علي أن يقصم الدهر ظهرها مره أخري ولكن كان محمود كمن مسه الشيطان أغلق عينيه وسد أذنيه حتي كاد أن يهلك فاذعنت له مجبره …
بدأ في الاستعداد والتجهيز للسفر ودفع النقود لمقاول التسفير الغير شرعي والذي حدد يوم السفر وفي اليوم الموعود ودع محمود أمه التي أخذته في حضنها وكان قلبها ينفطر و يقطر دما وينبئها بأنها أخر مره ستراه بأعينها وان هذا هو الوداع الاخير حاولت أن تصرخ لكن الكلمات أبت احتراما لمشيئه القدر وأخيرا رضخت .. ماذا هي فاعله فللقدر مواعيد لا تتبدل ولا تتغير الأقدار ؟؟
ركب محمود البحر مع الكثير من الشباب وانتظر أهاليهم خبر وصولهم الي شواطئ ايطاليا ولكن لم تصل أخبار وصولهم علي الاطلاق فقط كل يوم يحمل خبر عن غرق مركب محمله بالشباب في عرض البحر …
أما "أم محمود" فقد توقفت عن سؤال الناس وتركت منزلها وتركت الدنيا كلها وتوقف بها الزمن وجلست علي شاطئ البحر تنظر اليه وتسأله ..
ابني فين يا بحر ؟؟
مجدي المصري




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات