الكورد شعب حضاري متعطش للحرية والديمقراطية، مؤمن بالتعايش السلمي المشترك بين كافة اطياف المجتمع وألوانه، يحافظ على حدوده الوطنية، و مواطنته بقدر ما يعشق ويدافع عن هويته الكوردستانية. ويثق بمن يمنحه الثقة بقدر ماينبذ الخيانة، والغدر لطالما تعرض لها على مر التاريخ.
شعب لايتوانى عن الأرتقاء الدائم في عملية البناء الحضاري للمجتمع الكوردستاني من خلال رئيس اقليم كوردستان العراق الأخ مسعود البارزاني (الرمز القومي لدى الأغلبية الكوردية في شتى أصقاع العالم) ومن خلال حكومة الاقليم، وبرلمانه المنتخب الذي يمثل كافة الأطياف السياسية باختلاف مشاربها الفكرية، التي يقع على عاتقها مهمة تحديد ملامح المستقبل الكوردستاني بشكل خاص، والمستقبل العراقي بشكل عام، ومهمة حماية الأجيال الكوردية في الاقليم من اي اهتزاز لقيمها، وثوابت هويتها الكوردستانية، ومواطنتها للعراق الاتحادي في ظل العالم المحيط، والساعي الى افشال التجربة الكوردستانية، وإحباط العملية الديمقراطية والتجربة الفيدرالية في العراق الاتحادي.
ساهم الكورد بشكل مباشر، وغير مباشر بإرساء اولى دعائم إيديولوجية الديمقراطية في العراق الفيدرالي على الرغم من ما يحاك ضد الكورد من مؤامرات فكرية، سياسية، ثقافية، إعلامية لإقناع الرأي العام العربي، والعراقي بأن الكورد شعب انفصالي، معادي للقومية العربية، ولايبدو لي بأن من يحيكون هذه المؤامرات ضد شعب مسالم وعاشق للحضارة كالشعب الكوردي يعودون الى كتب التاريخ البعيد والقريب لأخذ العبر منها في كيفية التعامل مع الكورد بدبلوماسية الحوار والوفاق، لا بتشويه الحقائق والتضليل والقمع والترهيب والتذويب والإبادة المنظمة والتاريخ شاهد على فشل كل هذه المحاولات الشمولية.
وباعتقادي بان الذين يراهنون على إثارت النعرات القومية، وشحن عواطف أبناء القومية العربية بمفاهيم سلبية عدائية تجاه اشقائهم من أبناء القومية الكوردية... مجرد متطفلين على العقل، والفكر الديمقراطي، وقد يجدون لهم اذاناً صاغية في الوقت الحاضر نظراً للتشوهات الفكرية الموجودة حالياً في بعض المجتمعات التي لازالت تعاني من الأنظمة الشمولية الرافضة للمستقبل بما يحمله من ايديولوجية معاصرة لمسيرة التطور الفكري لدى الأنسان الطبيعي الخالي من التشوهات، والتي تحكم تطور الحياة على الأرض، وهذه العقول الشمولية لن تجد لها مكاناً في المستقبل لانها سوف تتهاوى نحو مزبلة التاريخ تباعاً، وبالتوازي مع تطور الفكر الانساني في المنطقة.
وما يمر به العراق الجديد الان خلال انتخاباته البرلمانية الجارية حالياً، والتي بدأت قبل أيام في 7 أذار2010، وما تشهده الساحة السياسية العراقية من صراعات سياسية، وحملات انتخابية، وتكتلات، وإئتلافات عراقية ليس إلا بداية التعامل الشعبي مع ايديولوجية الديمقراطية، والبدء بإزاحة الفكر السلفي الظلامي الذي زرعه النظام البائد وايتامه، وعملت الأنظمة الشبيهة به وتوائمه على إعادة انتاج هذا الفكر من خلال التطفل على الداخل العراقي، والعبث بشؤونه، وإغراق المرتزقة واللصوص والمجرمين بمال الارهاب السياسي لتسويق السُبات الفكري في محاولة فاشلة لايقاف التطور المعرفي، لعلها تكسب القليل من الوقت الضائع، لتواصل الهرب من مستقبلها المحتوم، الشبيه بمستقبل العفالقة المخلوعين، هذا إن حالفها الحظ ووجدت لها مكاناً في مزبلة التاريخ.
المشهد السياسي في العراق الأن مبشر بالخير، على الرغم من بقاء بعض الشوائب الطفيلية التي لازالت تقوم بوظيفتها في تمرير مخططات خارجية بهدف عرقلة عجلة التطور الفكري، والتأخير من عملية نمو ايديولوجية الديمقراطية في الوسط الشعبي العراقي....تأخير وليس منع الديمقراطية.... لأن ما لايعرفه الفطاحل في التخريب، وزعماء القمع والترهيب، أو بالاحرى لارغبة لهم في معرفته ان الحالة الديمقراطية هي بذرة تُزرع وتنمو وتتطور من خلال عملية الارتقاء التراكمي، بحيث تتراكم التجارب البرلمانية، وإرادة الجماهير هي التي تختار التجارب الأصلح لها، بحيث تحقق لها طموحاتها بما يتوافق مع واقعها الاجتماعي، ومراحل تطورها الفكري والثقافي.
فالديمقراطية ليست نظام اداري معد مسبقاً وينتظر التنفيذ بقرار اداري، كما إن اسقاطها على الواقع السياسي والإجتماعي لايكون بلمح البصر، او بلمسة للمصباح السحري فتقول له كن فيكون، بل هي علم، وايديولوجية خاضعة للتطور الطبيعي كما هي حالة التطور في مختلف المجالات المعرفية وعلوم الحياة، فمهما تم مناقشة هذا المفهوم بين المفكرين والفلاسفة، وتنوعت تطبيقاته العملية في المجتمعات الغربية، لايمكن تحديد الديمقراطية بمجموعة مبادئ ثابتة، بل هي مفهوم ينطلق من اساس واضح وهو تحقيق إرادة الجماهير الشعبية وطموحاتها، ولكن تطبيقها العملي يكتسب ملامحه واحكامه من المجتمع، ويتطور وفق تطور الواقع الفكري السياسي والمعرفي الاجتماعي، فنظرية تطور الديمقراطية من الناحية المنطقية شبيهة بنظرية تطور شجرة الحياة.
والواقع الكوردي يثبت تجاوز المراحل الاولى من نمو الحالة الديمقراطية في المجتمع الكوردي في اقليم كوردستان العراق....حيث ان مجرد وجود كتل سياسية متنافسة ومتصارعة على اغلبية مقاعد البرلمان في الحياة السياسية يعتبر بمثابة ضمانة للمواطن من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بحيث تصبح الاحزاب التي تمتلك اقلية الاصوات البرلمانية بمثابة رقيب ومتابع شرعي لاعمال احزاب الاغلبية.
وهذا الصراع السياسي المتمدن يسمح بتراكم التجارب التي تستند عليها عملية تحديد ملامح المجتمع الكوردي كمجتمع مدني، سياسي، مؤمن بتدوير النخبة داخل الحكومة من خلال العملية الديمقراطية، وبالصراع السياسي تحت قبة البرلمان في السعي الدائم والحثيث لتشريع قوانين تحقق طموح المواطن (الكوردستاني العراقي) في اقليم كوردستان العراق مهما كان انتمائه القومي، او الديني، او الطائفي.
وذات الأمر ينطبق على الصراع السياسي بين القوى السياسية الكوردستانية على مقاعد البرلمان في العراق الاتحادي، لكن لتكون صفاً كوردياً واحداً يمارس حقه السياسي تحت قبة البرلمان الأتحادي للدفاع عن القضايا المصيرية لحقوق الكورد في اقليم كوردستان العراق، وهذه القضايا لايجوز الأنقسام بشانها بأي شكل من الأشكال، وتحت اي ذريعة كانت.
faristemo
dostocan@gmail.com
http://www.elaphblog.com/dosto
http://www.facebook.com/home.php?ref=home
التعليقات (0)