مواضيع اليوم

االفساد والصحافة واشياء اخرى

زين الدين الكعبي

2009-04-14 18:38:30

0

بعد ثلاثين عاما من القهر والرعب والأنتهاك السافر لكرامة المواطن العراقي على يد ازلام صدام وحزب البعث جاء التغيير رغما عن النظام وعن الشعب العراقي ايضا على يد الأحتلال , وبدأ العراقيون يعيشون نوع من انواع الحرية لم يذوقوا طعمها ربما منذ ايام النظام الملكي اللذي اطاح به الجيش عام 1958 . وأخذ المواطن العراقي يحلم بالوصول الى مستويات الحرية والديمقراطية في دول العالم المتقدمة حتى صدم بالأحتلال وهو يمارس كل ماكان نظام  صدام  يمارسه من زيارات الليل الى قتل الأبرياء على الظنة  وسجن وتعذيب . ثم عاد المواطن العراقي ليصدم مرة اخرى بصور مرعبة من سجون عراقية ( حكومية وغير حكومية ) وبأجراءات تعسفية وغير قانونية واحيانا اجرامية بمعنى الكلمة تقوم بها اجهزة الأمن العراقية واحزاب السلطة وحتى احزاب المعارضة المشتركة في العملية السياسية . ولقد برر الكثير من هؤلاء المسؤولين والسياسيين اخطائهم وجرائمهم بوجود فوضى امنية وادارية كانت ( ولا زالت ) تضرب اطنابها في كل انحاء البلاد واللتي تحتم على المسؤول  متعمدا احيانا وغير عامد في بعض الأحيان الى تجاوز القانون لتحقيق مصلحة عامة على حساب حقوق خاصة لبعض المواطنين . ولقد قبل الكثير من العراقيين هذه الحجج املا في الخلاص العاجل من الأرهاب والفساد مستشهدين بالمثل العراقي العامي ( العافية تجي بالتداريج ) فيما رفض الكثير من العراقيين الآخرين هذا المنطق وانا منهم .

في رأيي المتواضع ان كل التجارب الأنسانية السابقة الموثقة في كتب التاريخ الأنساني اثبتت بما لايدع مجالا للشك ان التعود على ممارسة الأخطاء من قبل اي دولة يؤدي الى ادمانها لهذه الأخطاء , ونتيجة هذا الأدمان بالتأكيد ستكون امراض سياسية واجتماعية واقتصادية تجعل من اعلان حالة الوفاة للدولة برمتها امرا محتوما في نهاية الأمر . ولعل العراقيين هم اكثر من يعي هذا الدرس التاريخي بعد ان شاهدوا بأم اعينهم وفاة نظام صدام اللذي ادمن الأخطاء حتى الثمالة .

كلنا نرى كيف تهتم الحكومات والأنظمة الديمقراطية اهتماما بالغا بالصحافة وكيف تحرص على مخاطبة وسائل الأعلام والأعلاميين . حتى ان هذه الدول اخترعت مناصب  ووضائف خاصة تكون مهمة شاغليها شرح المواقف والسياسات الحكومية للصحفيين وقلدتهم فيما بعد باقي البلدان في اختراعهم هذا , حتى باتت الصحافة في هذه الدول الديمقراطية المتقدمة سلطة حقيقية مضافة الى السلطات الثلاث القضائية والتنفيذية والتشريعية لما لها من تاثير مباشر على الرأي العام الأمر اللذي سينعكس حتما على اي انتخابات تجرى في هذه البلدان . ومن هنا جائت تسمية الصحافة بصاحبة الجلالة . وكلنا رأينا كيف استطاع صحفييان عاديان من اسقاط الرئيس الأمريكي نيكسون بعد ان كتبا عدة مقالات فضحوا فيها تجسسه على اعضاء الحزب الديمقراطي المنافس له . وهناك وقائع مشابهة كثيرة ادت الى اقالة او استقالة حكومات ومسؤولين كبار في دول ديمقراطية عديدة نتيجة اخطاء ارتكبوها قامت الصحافة بكشفها للرأي العام .

وبعد الأحتلال استبشر العراقييون خيرا بالكم الهائل من الصحف والمجلات والقنواة التلفزيونية والفضائية اللتي خرجت الى اللوجود بصورة انفجارية تعللها عقود من السيطرة المحكمة للنظام المقبور على وسائل الأعلام اللتي كانت موجودة في العراق والمتمثلة بعدد لا يتجاوز اصابع اليد من الجرائد والمجلات والقنواة التلفزيونية الأرضية , حيث كانت اجهزة التقاط البث الفضائي من المحرمات ان ذاك اسوة بنظام طالبان وكوريا الشمالية من بين كل دول العالم . ولكن وفيي نفس الوقت اصبح العراق من اخطر بقاع الأرض على حياة الصحفيين و وبتنا نرى كل يوم سقوط اعداد من الصحفيين من مختلف الجنسيات والتوجهات اما على يد جنود الأحتلال او بيد قوى الظلام والأرهاب اللتي عاثت في ارض العراق فسادا . الا ان الكثير من اعضاء منظمات المجتمع المدني وحقوق الأنسان وحتى من المسؤولين العراقيين نشروا تقارير بعضها موثق بالأدلة على ان عددا لايستهان به من شهداء الصحافة سقطوا بيد افراد تابعين لأجهزة حكومية عديدة او افراد ميليشيات تابعة لأحزاب مشاركة في العملية السياسية بضمنها احزاب الأتلاف الحاكم والأحزاب الكردية .

ليس من الصعب على المتابع للشأن العراقي ان يصدق صدور تصريحات تصدر من هنا وهناك عن تورط اجهزة الدولة في قتل الصحفيين كما هو الحال في البيان اللذي نشرته اليوم قناة الشرقية العراقية الفضائية واللذي قالت فيه ان الناطق الرسمي بأسم قيادة عمليات بغداد المدعو قاسم عطا وهو برتبة لواء قد وجه تهديدا صريحا الى القناة عبر احد مدرائها بقتل اعضاء كادر الشرقية ورمي جثثهم مقطوعة الرأس في الشوارع بعد ان اذاعت القناة خبرا منقولا عن صحيفة الحياة اللندنية حول عزم قوات الأمن العراقية اعتقال السجناء المفرج عنهم من سجون الأحتلال لعدم ثبوت الأدلة على ارتكابهم اي جريمة . واقول من السهل تصديق مثل هذه الأتهامات الموجهة الى الأجهزة الأمنية لعدة اسباب . منها التعالي الواضح في ردود الكثير من المسؤلين العراقيين على اسئلة الصحفيين والنبرة الهجومية الواضحة على هذه الردود خاصة اذا ما اكتشف المسؤول ان الصحفي يحاول في اسئلته كشف الفساد المستشري بصورة سرطانية في اجهزة الدولة العراقية , حتى باتت  جمل قبيحة مثل ( الكلاب تنبح والقافلة تسير ) امرا متكررا في ردود العديد العديد من المسؤولين في الدولة العراقية اللتي احتلت عن جدارة وأستحقاق المرتبة الثالثة في العالم من حيث الفساد الأداري بعد الصومال ومينمار . هذا الفساد اللذي اصبح منظما الى درجة عالية وله ادوات متمرسة تنفذ اوامره دون كلل , وسيكون السكوت عنه من قبل اي حكومة عراقية قادمة من الأخطاء المميتة اللتي ستدمر الدولة .

ان حرية الصحافة اس لا يختلف عليه اثنان لبناء اي دولة حديثة قائمة على الديمقراطية والشفافية , وان اي دولة تصف الصحفيين بالكلاب النابحة هي بالتاكيد دولة متجهة الى الهاوية , الا اننا لازلنا نتوسم خيرا بأن تزول هذه الغمة وان نتعلم من اخطائنا ونمنع انفسنا من ارتكابها كي لاندمنها فتدمرنا .

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات