أخيرا حسم السيد المالكي الجدل المستمر منذ انتخابات مجالس المحافظات السابقة حول أنضمامه للأئتلاف الوطني..فقد أعلن في بغداد عن تشكيل قائمة أئتلاف دولة القانون وهو التجمع الأنتخابي الذي يقوده المالكي ويحمل نفس أسم التحالف الذي دخل فيه أنتخابات مجالس المحافظات وحقق فيه نصرا انتخابيا في المناطق الجنوبية وبغداد على حلفائه السابقين في الائتلاف العراقي الموحد..تحالف المالكي الجديد ضم العديد من اعضاء الأتلاف القديم الذين تركوا الأتلاف وأنضموا للمالكي كما انه ضم وجوه عشائرية لم تدخل مضمار الأنتخابات سابقا كما ضمت قائمته ليبراليين عراقيين وممثلين عن العديد من الفئات العراقية.
الأعلان عن الأتلاف الجديد ليس سوى بداية الطريق الى الأنتخابات بالنسبة للمالكي الذي تنتظره اختبارات صعبة خاصة اذا تمكن من تحقيق الفوز في الأنتخابات.
على ماذا يراهن المالكي؟؟
المالكي يحسب له اتخاذه خطا مغايرا لخط حلفائه التقليديين وخروجه عن المسار الضيق الذي ميز مسيرة حزبه منذ تأسيسه حتى ما بعد التحرير.
فهو بدء بالخروج من القوقعة الطائفية التي لازمت الأئتلاف العراقي الموحد منذ الأيام الأولى لتوليه السلطة فأنفتح (بتنسيق مع الجانب الأمريكي) على الجماعات المسلحة في المناطق الغربية والشمالية رغم المعارضة الشديدة التي ابدتها قوى مؤثرة في الأئتلاف على تلك الخطوة.
الا ان الرهان الأمريكي-العراقي على تلك الجماعات والعشائر قد نجح فعلا بتوجيه ضربات موجعة لتنظيم القاعدة جعلته يخسر الأنبار قاعدته الرئيسية كما خسر احياء بغداد الغربية والجنوبية مما خفف حدة التوتر الطائفي وسحب البساط من تحت أقدام المليشيات التي استغلت جرائم القاعدة وأرهابها لتبرير وجودها و"أرهابها المضاد".
كما يحسب للمالكي تطهيره الأجهزة الأمنية (بالأخص في وزارة الداخلية) من عناصر فرق الموت وعناصر المليشيات التي زرعت في الوزارة أيام حكومة الجعفري حين تولى بيان الزبيدي تلك الوزارة حيث استمر تأثير تلك المجاميع لفترة تقرب أو تزيد عن سنة من حكم المالكي الا أن الحزم الأمريكي والتشدد الذي ابداه المالكي واوزير الداخلية جواد البولاني تجاه تلك العناصر ساهم في أقصاء العديد (وليس كل) من عناصر تلك المجاميع وحيد تواجد العناصر الباقية.تلك الخطوة ركزت احدى دعائم الأستقرار الأمني كما انها كانت عاملا أساسيا لتطمين العديد من المجاميع المسلحة كي تتحرك ضد القاعدة فيما اغضبت حلفاؤه الصدريين والمجلس الأعلى اللذان كان لعناصرهما حصة الأسد من عملية التطهير.
يحسب للمالكي أيضا معالجته بحزم (ولو بعد حين) قضايا التسيب الأمني في المحافظات الجنوبية التي عاثت فيها المليشيات فسادا فوجهت لتلك المليشيات ضربات متتابعة ومتدرجة في شدتها بدءا من عمليات كوماندوز محدودة القوة - لكن فعالة - في بابل والديوانية مرورا بعمليات كبيرة كما في وثبة الأسد في الديوانية وصولا الى الهجوم الشامل الذي ابتدء في عمليات صولة الفرسان في البصرة وأمتدت معاركها لتشمل معظم المناطق الجنوبية (بحدة مختلفة من منطقة لأخرى) حيث تم تثبيت سلطة الدولة نسبيا وسحقت قوة المليشيات وتأثيرها في الشارع مما انعكس ايجابا على الحالة الأمنية ووضع الحريات العامة التي تحسنت نوعا ما بعد تلك الحملات الأمنية.
يحسب للمالكي أيضا رغبته في قيام دولة قوية ذات سلطة مركزية تملك سلطات واسعة وكيانا واضحا وهو الأمر الأهم –بعد الأستقرار الأمني- الذي راهن عليه المالكي لكسب أصوات الناخبين.
رهان خصومه..
من جانب آخر سيستغل خصوم المالكي نقاط ضعف واكبت مسيرته في الحكم ليقللوا من حظوظه بالفوز.
حيث سيستغل خصوم المالكي الفساد الأداري المستشري في دوائر الدولة والذي لم يستطع المالكي الأيفاء بوعده بمحاربته وهو ينخر المؤسسات العراقية ويعرقل الأستثمار وأعادة البناء.
كما يؤخذ عليه عدم النهوض بالأقتصاد العراقي وأبقاءه اقتصادا أحاديا لا يعتمد الا على النفط في سد أحتياجاته وعدم دعمه للقطاعات الأقتصادية الأخرى كالزراعة والصناعة وعدم قدرته على جلب استثمارات ضخمة للبلد.
يؤخذ عليه ايضا عدم النهوض بواقع الخدمات في البلد فلازالت الكهرباء والماء الصالح للشرب يؤرقان المواطنين كما ان أغلب مدن العراق لاتزال بدون شبكات صرف صحي أو شبكات تعاني من عجز وتقادم.
يؤخذ على المالكي أيضا تقربه للعديد من عناصر حزبه ووضعهم في أماكن حساسة رغم عدم كفائتهم خصوصا من مستشاري رئيس الوزراء الذين صاروا واجهة للبطالة المقنعة في قمة الهرم السياسي العراقي.
يؤخذ عليه احيانا قلة الحزم في التعامل مع الأمور الخارجية وخاصة مع التدخل الأيراني الذي يتحاشى السيد المالكي الحديث عنه كثيرا.
كما أن وجود بعض التنظيمات ذات الميول المتشددة (حزب الدعوة /تنظيم العراق-جناح هاشم الموسوي) يسئ لخط القائمة ولبرنامجها السياسي الذي يؤكد على ضمان الحريات الشخصية حيث من الواضح أن جناح الموسوي ورغم قربه فكريا من المجلس الأعلى الا أنه فضل خوض الأنتخابات الى جانب المالكي لغايات الفوز وليس تطابق الرؤى والمناهج السياسية.
توجهات الشارع العراقي الأولية ترجح كفة المالكي وقائمته للفوز بالأنتخابات خصوصا مع توقعات بتوسع ائتلافه ليشمل قوى أخرى تشارك دولة القانون نفس الأفكار..كما ان البعض قد يتحالف معه بعد الأنتخابات.
المطلوب من للمكون الفائز هو تشكيل حكومة استحقاق انتخابي لا حكومة وحدة وطنية..كي يستطيع المواطن تشخيص الجهة المفسدة ويسقطها من خلال صناديق الأقتراع وليس كما درجنا عليه في تجربتينا السابقة والحالية بأن تلقي كل جهة اللوم على جهة اخرى للقصور الذي يرافق عمل الهيئات الحكومية وأيضا لكي تبتعد القرارات الحكومة عن التوافقات السياسية التي عرقلت كثيرا من القوانين والمشاريع كما عرقلت محاسبة المفسدين من رجال الدولة.
المالكي أمام أختبار عسير في المرحلة التي تسبق الأنتخابات فعليه أن يحافظ على المكتسبات التي حققها كما ان عليه ان يبذل المزيد لمعالجة اخطاء حكومته.المالكي اليوم نجح في كسر القيد الطائفي الذي عاشه العراق منذ التحرير ونجح في كسر الجمود السياسي الذي كاد يصيب العملية السياسية من جديد فيما لو دخل المالكي ضمن الأئتلاف القديم كما ان ألوجوه الليبرالية المعروفة التي أنضمت لقائمته (مهدي الحافظ،مالك دوهان،صفية السهيل..) تعطي انطباعا بأن الخط الجديد لأتلاف دولة القانون سيميزه الأنضمام الى خط القوى الوطنية بعيدا عن شعارات الطائفية والاسلام السياسي،كما أنها بادرة جيدة (الى جانب مبادرة طارق الهاشمي الذي ترك التوافق وشكل قائمة مستقلة عن الجبهة) قد تشجع اطرافا اخرى على ترك التخندق الطائفي-السياسي والأتجاه الى مجال العمل الوطني.
قد يقول البعض ان هذه التغيرات طرأت أستجابة لمتطلبات الشارع العراقي الذي ابتعد عن التوجهات الطائفية بعد أن نزعت الأقنعة وكشفت الوجوه القبيحة التي تدفع بأتجاه هذا الطرح وهي بالتالي براغماتية من تلك القوى وليس تغييرا ناتجا عن قناعات جديدة...ربما ذلك صحيح لكنه يؤشر الى بادرة أمل اخرى هي الأتجاه العام الى العمل الوطني الذي أن دل على شئ فيدل على زيادة وعي الناخب العراقي والذي هو الحكم الأول والأخير وهو من سيوصل تلك الجهة أو ذلك الحزب عبر أصواته وبالتالي فالتغير في افكار الناخب بحد ذاته تغير كبير مفرح في مسار العراق الجديد وهو أهم من التغيير لدى القوى السياسية..
بأمكان المالكي أن يصنع لنفسه تاريخا أذا استمر في نهجه الحالي وترك النهج الطائفي خاصة اذا ما نجح في الأنتخابات وأستفاد من نجاحه لترسيخ هذا النهج في العملية السياسية بعد ان بدء بالترسخ في الشارع الذي يتجه شيئا فشيئا نحو الطروحات الوطنية العلمانية بعد فشل طروحات الأسلام السياسي في تحسين أوضاع الناس..
لست هنا أدعو الى انتخاب المالكي لكنني اراه فعل امرا صائبا يستحق الأشادة به وتهنئته عليه..
عندما أكتب هذا فأنا لا اقول ان العملية الأنتخابية ستكون مثالية..نحن لازلنا نتلمس الطريق الى الديمقراطية وكل خطوة بأتجاه الطريق الصحيح هي نصر للعراق الجديد..والأنتخابات تجربة تراكمية لابد من خوضها وتذوق مرارة الخذلان فيها كي يتعلم المواطن كيف يختار ومن يختار وبمرور الوقت تتراكم لديه الخبرة في التمييز بين البرامج السياسية وأختيار ما يناسبه منها..
التعليقات (0)