إيلاف .. والوقوف بين حجري الرحى
و دوجماطيقية الحقيقة المطلقة
وتساؤل يبدو في الأفق :
هل لنا أن نتحكم في سرعة تغيير عاداتنا قبل فكرنا ؟؟
جاءت الحضارة الحديثة إلينا بأفكار ومبادئ ومفاهيم تناقض عاداتنا الاجتماعية المولودة من رحم بيئتنا المحلية وبالتالي ترعرعنا نحن في كنف تلك البيئة معتادين تلك العادات .. وبما أن العادات تميل بطبيعتها للجمود والتعلق بالماضي .. فلا يمكن تغيرها بسهولة ويسر في ليلة وضحاها ولا سيما أن هناك دوافع لهذا الجمود وحوافز تزيد التعلق بالماضي .. وما بالك لو كانت تلك الدوافع تحت سيطرة نوازع دينيه .. فبمجرد سماع الناس لخطبة رنانة تتكلم بلسان الله عز وجل .. تعالى عما يصفون .. نجد تأثر الناس بها تأثيرا ً ليس بهين بل تجد الغالب منهم حفظ ما ألقي على سمعه عن ظهر قلب لأنه وبحكم عاداته المكتسبة تملكه ظن بأن تلك الأقاويل هي التي تستأثر بالحقيقة ، أو إنها الوحيدة التي تحمل معنى الصواب .. ومن ثم .. تجده يتحول لواعظ أو مرشد للناس يتفوه ويتقول بما سمع لتتسع دائرة الانتشار الفكري .
والتساؤل هنا :
هل لنا أن نتحكم في سرعة تغيير عاداتنا قبل فكرنا ؟؟
وهو ما نسميه صراع البداوة والحضارة
أو بالأحرى
تطاحن القوى المتصارعة على السيادة في ظل منهجية التعصب وقيم التنظيمات العشائرية ذو الميول الغريزية للغزو والثأر وغسل العار وما أشبه
وإن كنا نبدو مظهريا ً في مظهر مختلف عن مظاهر البداوة من حيث المسكن أو الملبس إلا إننا وفي أعماق نفوسنا لازلنا نحتفظ بتلك العادات
ولذلك يبدو النشوز واضحا ً جليا ً
وخصوصا ً عندما جاءت الحضارة الحديثة ونشأ جيل جديد ينتمي من بعيد لتلك الحضارة
وهنا يبدى على الساحة العالمية مدى اتساع الفجوة في النظرة العامة للحياة بين الفكر الديني الدوجماطيقي والفكر الحديث وعلمانيته
ولهذه الفجوة أسبابها .. وانفتاح العالم إعلاميا ً أسرع لاكتشافها
وهو ما تؤكده لنا نتائج .. نتاج تضارب الفكر على الساحة المحلية والعالمية من نزاعات وحروب و محن و فتن و.. و .. ظهرت وبدت بوضوح خلال العقد الأخير الذي نحن نتعايشه
فالموقف المتزمت المتشدد الذي يقفه رجال ذوي صبغة فكرية دينية تجاه ما جاءت به الحضارة الحديثة من أفكار ونظم و.. و .. هو أهم مسببات تلك الحالة المتردية التي نبدو عليها (( لو عندنا للماضي القريب قليلا ً سنجد تحريما ً كان قائما للعلم ولأي جديد ، بل ولكل علم مخالف لتعاليم الدين وصل لتحريم القول بكروية الأرض , ولا زال للآن قائما ً بيننا عادات تحريم حلق اللحية وارتداء بعض الملابس والأزياء , و .. و .. و .. ) وشاغلهم الشاغل هو التفريق بين الحلال والحرام ، الطهر والنجاسة .. راجع بنفسك مجلدات الفقه الضخمة في تراثنا ومناهج تعاليمنا
ومشكلة هؤلاء القوم اليوم أن التيار الحديث ، تيار قوي ويجرف في طريقه العديد من أصحاب العقول اللذين باتوا في غير حاجة إلى مثل تلك القضايا التي كان آباؤهم يتساءلون عنها وعن أصل تفرعها وكيف تتفرع ، وكيف يستنبط من فروعها فروع وأحكام تتوه بالناس وتأخذهم بعيدا ًعن الواقع
هكذا طرف يرى في الكحول مطهرا ً للجراثيم ويبح استخدامه ، وطرف يحرمه ويحرم التعامل به ومعه أو حمله .. لأنه ببساطة .. مسكر
نعم :
إن للدين أهمية كبرى لا يستهان بها في حياتنا نحن الشرقيين وخصوصا ً العرب .. مهما كانت تلك الديانة سواء الإسلام أو المسيحية أو اليهودية … وبالرغم من تلك الأهمية ، إلا إنه يبدو أن الوضع الحالي يتسم بالالتباس الناجم عن تطاحن القوى المتصارعة على السيادة قوى التطرف وقوى العلمانية أو لنقل قوى الاعتدال حيث لا مقر ثابت الآن للعلمانية فيما بيننا وخصوصا لأننا درسناها فكريا وتلقفناها ثقافيا وعلمناها علميا وشاهدناها وقرأناها إعلاميا على إنها قوى تتصرف في حياتها وكأن الله عز وجل غير موجود ، ولا يبدو في الأفق من حاول أو يحاول تفهم الوضع الحالي بمميزاته وعيوبه أو حتى يجرأ على التلميح عن تلك العيوب أو تعديل تلك المميزات حتى ولو للأحسن إلا قلة قليلة .. ولكن لنترك قوى الاعتدال تجابه معركتها بنفسها وندلف إلى دهاليز فكر قوى التطرف التي تنكر وجود الإنسان وأحقيته في حياة بسيطة سلسة مسالمة مطمئنة آمنة .. قوى التطرف التي تتفهم الدين حسب فهمها وفهم فقهائهم السابقون وتعلمت منهم تعاليم شكلية مظهرية رمزية .. حولت الدين فيها لرموز ورمزيات ، أعلام وهتافات ، بيارق وعُصابات ، تحدد ملامح تلك الجماعة عن رفيقة دربها ، أي الانغلاق على نظام قيمي بعينه غالبا ً ما يكون متجمد الملامح .. ومن هذا المنطلق تبدأ كل جماعة في تحديد طرق التسلط وأساليب فرض الرأي التي يجب إتباعها مع الغير المخالف خصوصا وإنهم وحدهم من يمتلكوا الحقيقة ويستأثروا بها وأغلقوا باب الحوار ب .. (( الضبة والمفتاح )) .. وأغرقوا الأرضية المشتركة بينهم وبين أهاليهم بدماء بعضهم البعض
وهذا كله في مجمله تعريف لدوجماطيقية الفكر
فلا تحزني .. يا إيلاف
فهذا الحال من المحال
وهذا المحال من السجال
وهذا السجال من طبعنا
و من عاداتنا التشظي
ونشوز الفكر
وللموضوع باقيه
فانتظروني
محمد عابدين
التعليقات (0)