تلك هي الأغراض التي لم تستحق النظر وبالتالي لم تكن تستحق الرسم باتت الان في منتهي الأهمية في منتهي الجمال علي منوالها، بحيث لم يعد في مقدوركم رفع أعينكم عنها، فهي موجودة وجديرة بالوجود(غاستون باشلار)الفن دائما يبدأ وأنا من هنا سأبدأ وأقول إن عمر جهان فنان صاحب اللمسة السحرية لا بل صاحب الضربة السحرية (ضربة الفرشاة) القوية والسريعة التي تخلع عن الأشياء قبحها ورداءتها وتضفي عليها جمالها وحيويتها، فهو بالإضافة إلي الرسم والتلوين علي الخامات المعروفة مثل القماش والورق يحول الأشياء المهملة والمتروكة التي لم ينتبه إليها احد إلي أعمال فنية بديعة مثل استخدام الحديد والصفيح والصحون والملاعق القديمة وغيرها.فنان مسكون بالشاعرية والابتكار والتجدد، يندفع تارة نحو الرسم والتخيل وتارة أخري نحو الكتابة أو اللجوء إلي الواقع اليومي المعاش.بدأ الرسم منذ نهاية الستينات فأتقن الرسم الواقعي وكان أساسه سرياليا ويظهر ذلك جليا في لوحات البدايات الأولي التي كان يرسمها في فترة السبعينات، تنقل في عدة محطات من تاريخ فن الرسم، فرسم الواقعية والتأثيرية والسريالية والتكعيبية و التجريد والتعبيرية التجريدية.يعتمد علي الاستنباط الفوري المباشر في تأليف أعماله الفنية من لوحات ومنحوتات وأعمال مركبة، يستمع إلي إيقاعه الداخلي (الإحساس والشعور) ولا يركز علي النظريات الأكاديمية والعلمية، فوعيه الباطن هو الذي ينسق ألوانه وأشكاله ويحددها علي سطح اللوحة، وأهمية العمل عنده إظهار الحساسية العالية في الأداء وكذلك إظهار الشعور والإحساس فاللون عنده حالة تعبيريه تحمل شحنات عاطفية ووجدانية عميقة.منذ قدومه من ليبيا وإقامته في مصر قدم عدة معارض في إتيله القاهرة كانت ممتلئة بالشاعرية ويتضح ذلك من عناوين هذه المعارض: ـالسكون المشمس 1983 ـ التحولات 1987 ـ إشارات وشواهد 1991 ـ كهفيات الحبر والشمع 1992 ـ بورتريه الحجرة 1994 ـ الأقنعة 1996 ـ لوبيات 1998 ـ موتيفات عابرة 2002. تجربة كهفيات الحبر والشمع من أهم المحطات الفنية للفنان حيث اعتمد في خلق محسناته التشكيلية علي تقنية جديدة في الرسم وهي استعمال مواد متنافرة مثل الحبر والشمع علي أرضية الورقة مما أضفي معان تشكيلية جديدة قام بتوزيع مفرداته المستوحاة من رسم الكهوف في الفراغ الأبيض فأصبحت سابحة في الفضاء متحررة من كل سيطرة (بخلاف ما كان في العمل التقليدي العادي بان يكون الثقل للوحة في الأسفل وغيرها من القيود التقليدية) وهي تحمل أنفاس الماضي بكل ما فيه من عفوية وطهرانية لتلتقي مع حداثوية النص التشكيلي المقدم بكل ما فيه من دلالات ورموز (الأجساد الهشة والثيران والطيور والخيول....) والمحسنات الفنية الأخري مثل نور /عتمة، كتلة /فراغ، سماء /ارض، ابيض /اسود، شر/خير، قوة/ضعف.فقراءة العمل الفني عنده تستدعي إيقاظ الحواس جميعا لان المتلقي لن يجد مرجعية سابقة لخبراته البصرية (تراكمية المشاهدة) المكتسبة يقارن بها أعمال الفنان وربما يقف ويلتزم الصمت امامها أو يتحسس مهارة تلك الخطوط والأداء لتلك الأجساد التي تظهر تارة ثم تختفي.مصادر الإلهام عنده لوحات تسيلي، كهوف تدرارات (ليبيا) معجزة اللون والبناء الصرحي عند الفراعنة، الأقنعة الأفريقية، ملامس الحصر والحيطان الجيرية، العباءات المملوءة بالرياح والذكريات، وأغاني فيروز،جوية، عبد الهادي الجزار، بي كاسو حامد ندا، فنسيت فان غوغ.عمر جهان فنان يحتفي بالكلمة المكتوبة كما هو دائما يحتفي بالخط واللون، في كل الكتيبات المرفقة في معارضه كانت من كتاباته هو كإشارة إلي تلك اللوحات المعروضة والحالة التعبيرية الموجودة فيها، هذه مقتطفات من النص المكتوب والخاص بمعرض كهفيات الحبر والشمع :(تجاذب وتنافر مدُ وجزر وضوح خفي وغموض جلي، من ترُي يحفر ذلك المسرب المجهول الذي يماثل خطا أحمر يشق ضباب الأدخنة ويفضي إلي عتبة بيتنا كهفنا القديم.((برهة من صمت وتأمل، شحذ للذاكرة واستحضار للقدرات التكتيكية المكتسبة وقبل وبعد إيقاظ الحواس جميعا لقراءة واعية في كتاب الذات والطبيعة، تلك الذات المنفتحة علي عوالم الآخرين وشجونهم).(ورقة بيضاء لطالما شعرت أنها أصغر من صرخاتي وابلغ من خطوطي والواني وكلماتي واقدر مني علي اختزال المسافة ما بين العين واللوحة).وأخيرا هذه إشارات إلي بعض شواهد الفنان الذي يستحق الوقوف عندها ودراستها والبحث في مراحل حياته الفنية والأدبية فهو أيضا من مؤسسي إضاءة 77 وهي جماعة أدبية تضم مجموعة من الشعراء والأدباء والفنانين التشكيليين، قام بتصميم عدة كتب لكل من الكتاب والأدباء والشعراء الليبيين والمصريين والعرب، قام بتنظيم معرض (للأدباء فقط) في إيتيليه القاهرة وضم محاولات في الرسم والتلوين لأهم الأدباء المصريين ومن بينهم الكاتب الكبير ادوارد الخراط
التعليقات (0)