مواضيع اليوم

إيران والقاعدة: إكراهات السياسة..تناقضات المصالح..ودهاء التاريخ

ممدوح الشيخ

2009-11-12 13:57:24

0

إيران والقاعدة:
إكراهات السياسة..تناقضات المصالح..ودهاء التاريخ

بقلم/ ممدوح الشيخ

من المؤكد أن محاولة رسم صورة واضحة للعلاقات "الدولية" لتنظيم سري أمر بالغ الصعوبة، وفي حالة تنظيم القاعدة فإن الصعوبات تكون مضاعفة، فهناك من ناحية الجنسيات المتعددة لقاعدة التنظيم وقمته، وهو عامل لا شك ترك بصماته على توجهات التنظيم بفعل الأجندات والولاءات المختلفة. ومن ناحية أخرى فإن التنظيم، ومنذ نشأ، تقاطع مساره مع مصالح وأجندات قوى إقليمية ودولية كانت لها مصالحها في أفغانستان منذ الاحتلال السوفيتي. يضاف إلى ذلك تأثير تحالف التنظيم مع حركة طالبان المتشددة، والتأثيرات التي تفرضها التركيبة العرقية والمذهبية في أفغانستان (وخارجها).
وتعد العلاقات بين تنظيم القاعدة وإيران الملف الأكثر إثارة وغموضا وبخاصة بعد تحالف القاعدة مع حركة طالبان، فالتعارض الظاهري بين هويتين مذهبيتين متطرفتين (شيعية وسنية) لم تكن العامل الوحيد في صياغة العلاقة، وبخاصة بعد أن صنع الوجود العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان معادلات جديدة لم تخل من التناقضات، كما لم تخل من تقاطعات المصالح بين الطرفين.
ومن العوامل الداخلية التي أثرت في العلاقات الخارجية لـ "القاعدة" على وجه القطع، العلاقة مع الشيعة في أفغانستان، وقد دخلت طالبان عاصمة الهزارة الشيعة "باميان" عام 1998 بعد معارك ضارية واعتقل المئات من الهزارة وأعدموا وأحرقت سوق باميان التي يرجع عمرها لبضعة قرون وفر الآلاف لباكستان أو إيران.( )
تقارب النقيضين:
مثلت العلاقة مع إيران أحد أهم الأسئلة الإشكالية في سجل تنظيم القاعدة، في ضوء عاملين: الأول، أن إيران لم تكن في أي وقت مضى هدفا للعمليات التي قام بها هذا التنظيم، رغم الاختلاف المذهبي والإيديولوجي بين الطرفين رغم تعرض معظم الدول المجاورة لإيران لمثل هذه العمليات. والثاني، أن قادة القاعدة في الخارج، وعلى رأسهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، لم يتطرقوا، حتى وقت قريب، لهذه الإشكالية في خطابهم إلا من باب التلميح، بخلاف "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" الذي بادر قادته إلى النقد والإدانة وصولا إلى إعلان الحرب على "المشروع الصفوي" الذي تقوده إيران في العراق.
ورغم أم الاتجاه السائد في تقييم العلاقة يذهب إلى أن نقطة التلاقي بين الأجندة السياسية الإيرانية وتنظيم "القاعدة" عندما بدأ في تغيير توجهاته بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان ثم انهياره، لتصبح أمريكا العدو الأول للتنظيم، وهو ما يمكن التأريخ لتبلوره العلاقة بإنشاء "الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبين" (1998). وإن كان الرابط الأول بين إيران والقاعدة حدث عام 1991، حينما استقر أسامة بن لادن في السودان مع بنية تحتية من عناصر تنظيم القاعدة، بعد أن خرج من المملكة العربية السعودية وجرد من جنسيته، وقد سهل السودان الاتصال والتفاهم طبيعة الوضع في السودان الذي تولى الحكم فيه منذ عام 1989 نظام إسلامي متشدد بقيادة الدكتور حسن الترابى والرئيس عمر البشير.
وقد جرت لقاءات عدة بين مسؤولي القاعدة وبعض ضباط الحرس الثوري الإيراني أسفرت عن الاتفاق على قيام الحرس الثوري بتنظيم تدريبات تكتيكية للقاعدة، ولم يمض وقت طويل، حتى ذهبت عناصر من القاعدة لطهران لتلقى التدريبات كانت تمثل تقدما حاسما في مجالات المتفجرات، والاستخبارات، والتدريب الأمني. وفي نهاية عام 1993 زار وفد آخر من القاعدة وادى البقاع في لبنان للتدريب على التفجيرات ووسائل الاستخبارات( ).
ومع بداية عام 1996، حدث تحول في السياسة الإيرانية تجاه تنظيم القاعدة، على خلفية التطورات السياسية التي شهدتها أفغانستان، حيث استولت حركة طالبان على الحكم، وانتقل أسامة بن لادن إلى أفغانستان، بعد أن طلب منه السودان مغادرة أراضيه على خلفية الضغوط الدولية التي فرضت عليه. لكن علاقة حركة طالبان (السنية) مع إيران توترت بشكل كبير، خصوصا أن إطلاق طالبان على قاعدة توافقية باكستانية أميركية، تزامن مع انتهاج الولايات المتحدة لسياسة "الاحتواء المزدوج" تجاه إيران والعراق، وتسليط الضوء على الصناعات العسكرية الإيرانية فوق التقليدية، واعتماد واشنطن قانون "داماتو" لمحاصرة طهران اقتصاديا( ).
ومع التوسع العسكري الذي حققته طالبان في السنوات اللاحقة وسيطرتها على معظم الأراضي الافغانية، كانت حدة الخطاب الإيراني تشهد ارتفاعا ملحوظا، ووصل الأمر الى ذروته بعد مقتل الدبلوماسيين الإيرانيين في مدينة مزار الشريف عام 1998، وإرسال إيران ما يقارب مائتى ألف جندي إلى الحدود الأفغانية، ووقوف الطرفين على حافة الحرب. وعلى خلفية هذه التطورات، بدأت إيران في انتهاج سياسة مغايرة تجاه تنظيم القاعدة اعتمدت نهجا براغماتيا، تحكمت فيه معادلة توازن القوى الداخلية بين الإصلاحيين والمحافظين.
هجمات الحادي عشر من سبتمبر وتداعياتها:
جاءت أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، لتشكل تحولا إشكاليا في العلاقات بين الأطراف الرئيسة في المعادلة التي نحن بصددها: إيران – تنظيم القاعدة – أمريكا. فإيران واجهت معضلة حقيقية في بلورة موقفها من هذه الأحداث، فهي من ناحية كانت ترغب في التخلص من نظام طالبان، لكنها من ناحية أخرى كانت تخشى من استمرار الوجود العسكري الأميركي سواء في أفغانستان أو الدول المجاورة لها في الشمال والمطلة على بحر قزوين.
واتخذت إيران، التي كان يحكمها الإصلاحيون آنذاك، قرارها بمجاراة السياسة الأميركية في المنطقة بعد أحداث سبتمبر، ومن ثم كانت من أولى الدول التي نددت بالتفجيرات التي طالت المؤسسات الاقتصادية والعسكرية الأميركية، ووصفتها بـ"العمل الإرهابى الشنيع".وكان للصدمة التي هزت المجتمع الأميركي انعكاس مباشر على أقدم عدو للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، حيث غابت الهتافات المعادية للولايات المتحدة وأهمها "الموت لأميركا" من شعائر صلاة الجمعة في لأسبوعين بعد وقوع الأحداث، خشية أي رد فعل أميركي ضد إيران، وسرعان ما عادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل أحداث 11 سبتمبر بعد أن اطمأنت إيران لأنها ليست هدفا لأي هجوم أميركي آنذاك، وأن الأولوية هي لضرب أفغانستان( ).
وانتهجت إيران سياسة براغماتية في التعامل مع الحرب الأميركية على أفغانستان، فأغلقت الحدود مع أفغانستان، وهو ما بدد قلق الإدارة الأميركية من قدرة إيران على إحكام قبضتها على الحدود وعدم السماح بتسلل مجموعات من حركة طالبان أو تنظيم القاعدة إلى إيران، كما أن ذلك القرار، الذي سمي بـ"الحياد الإيجابي"، شكل ضمانة لمنع تهريب الأسلحة وتقديم الدعم لتلك المجموعات عبر الحدود الإيرانية، وفي خطوة أكثر تقدما أقدمت على التعاون مع الولايات المتحدة لضرب عدوهما المشترك: حركة طالبان وتركز تعاونها في مجال الاستخبارات والمعلومات.
وبعد سقوط كابول تكشفت بعض الحقائق عن تعاون إيران مع الولايات المتحدة ضد طالبان وتنظيم القاعدة، حيث قامت إيران بتدريب مقاتلين من "التحالف الشمالي" الذي شارك في إسقاط نظام طالبان، كما أن عددا من ميليشيات "الهزارة" الشيعية تدربوا في معسكرات الحرس الثوري، وكان هؤلاء ضمن القوات التي دخلت كابول بعد انسحاب طالبان، وتمثلت أقصى درجات التعاون في أن بعض الخبراء العسكريين الإيرانيين خططوا لبعض العمليات العسكرية في أفغانستان، بل شاركوا فيها.
وكان هدف إيران النهائي من ذلك منع الولايات المتحدة من الانفراد بالساحة الأفغانية وبالتالي محاولة الإمساك بعناصر التأثير في السيناريوهات المستقبلية، ومن هنا كان حرصها على عدم قطع العلاقات مع أي طرف، حتى لو كان تنظيم القاعدة في أفغانستان. وهذه التحركات الإيرانية المضادة، دفعت الرئيس الأميركي جورج بوش لتحذير طهران من أي محاولة لزعزعة الاستقرار في أفغانستان، ودعوتها لإعلان الحرب على الإرهاب وتسليم أعضاء القاعدة الموجودين على أراضيها، وبعد أيام من إدراج الرئيس بوش إيران في "محور الشر"، وجهت واشنطن، على لسان وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد في (23 فبراير 2002)، اتهامات جديدة لإيران بالسماح لأعضاء تنظيم القاعدة بالعبور إلى أراضيها.
لكن ذلك لم يؤد لتغيير في الموقف الإيراني بل على العكس ازداد الموقف تشددا مع وصول المحافظين الأصوليين إلى السلطة في إيران، وبدت إيران حريصة على استثمار وجودها في أفغانستان، عبر إقامة علاقات قوية مع الحكومة الأفغانية برئاسة حامد كرزاي، مع الاحتفاظ في بمستوى معين من العلاقات مع فلول حركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان، لخدمة ملفات أخرى لاسيما الملف النووي. وقد كان ذلك أحد أهم أهداف زيارة الرئيس أحمدي نجاد لأفغانستان في 2007، النفي العملي للاتهامات الأميركية بتدفق أسلحة إيرانية الصنع لطالبان والقاعدة في أفغانستان، مؤكدا تأييد بلاده للعملية السياسية التي تشهدها أفغانستان( ).
وكان لإيران موقف في الأزمة العراقية مر بمرحلتين: وفي كليهما كان تنظيم القاعدة حاضرا. في المرحلة الأولى التي سبقت الحرب، كانت إيران حريصة على مهادنة الولايات المتحدة وإرسال إشارات تكشف عن حرصها على التقارب، بعد أن تأكدت أن الحرب واقعة لا محالة، ولذلك أعطت إيران الأولوية للتنسيق مع الولايات المتحدة، بالقدر الذي يحمى المصالح الإيرانية، ولا يضر السمعة والمكانة الإيرانية، وبالقدر الذي يحقق التوازن بين مطلب المصلحة الوطنية والاعتبارات الإيديولوجية الإسلامية، وأخذ التيار الإصلاحي زمام المبادرة بالدعوة للتقارب مع الولايات المتحدة، أو على الأقل إظهار حسن النوايا والتبرؤ من إيواء أو حماية الإرهاب وبالتحديد عناصر تنظيم القاعدة.
وكانت الأهداف الإيرانية بهذا الخصوص واضحة ومحددة وهي: إبعاد فرص أو احتمالات وضعها على أجندة الحرب الأميركية ضد "الإرهاب" بعد انتهاء الحرب على العراق، والحد من فرص الاحتكاك مع الولايات المتحدة، والتطلع لمجئ نظام حكم جديد في بغداد يحرص على نهج سياسة تعاون وصداقة مع طهران، وبمعنى آخر كانت إيران تسعى لدرء المخاطر بقدر سعيها لتعظيم المكاسب، وعبرت إيران عن هذا التوجه عبر مواقف أبرزها قيامها بتسليم المملكة العربية السعودية 16 فردا من أعضاء تنظيم "القاعدة"، ممن يحملون الجنسية السعودية، كانت قد قبضت عليهم خلال عبورهم الأراضي الإيرانية هروبا من الحرب الأميركية على أفغانستان.
المرحلة الثانية انتهت بسقوط بغداد وفيها بدأت إيران في انتهاج سياسة مغايرة تجاه الولايات المتحدة، لاسيما بعد التحركات الأميركية لفرض عزلة وعقوبات دولية على إيران على خلفية أزمة الملف النووي الإيراني، سعت لاستثمار نفوذها في العراق لخدمة الملفات الأخرى، لاسيما الملف النووي، وبالتالي استغلت إيران "ورقة" تنظيم القاعدة للمساومة بينما الولايات المتحدة تسعى جديا لتحقيق الاستقرار في العراق، وكانت العمليات التي يقوم بها التنظيم، فضلا عن النفوذ الواسع الذي تحظى به إيران على الساحة العراقية بعلاقاتها المتميزة مع الميليشيات الشيعية وعلى رأسها "فيلق بدر" التابع للمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عبد العزيز الحكيم، و"جيش المهدي" التابع للتيار الصدرى بزعامة مقتدى الصدر، أهم التحديات في هذا السياق.
وتزامن التحول في السياسة الإيرانية مع حدوث فرز داخل تنظيم القاعدة حول الموقف من إيران، حيث برز اتجاهان مختلفان: الأول: تبناه القادة الكبار في تنظيم القاعدة، وعلى رأسهم أسامة بن لادن وأيمن الطواهري، وقام على أساس محاولة استمالة إيران للاستفادة من وجودها في العراق لمواجهة الاحتلال الأميركي، باعتباره عدواً مشتركاً للطرفين، وتحاشي مواجهتها التي يمكن أن تنتج تداعيات سلبية على التنظيم، والثاني: تبناه قادة "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" وعلى رأسهم أبو مصعب الزرقاوي، وقام على أن المشروع الإيراني "الصفوي" في العراق لا يقل خطورة عن المشروع الأمريكي، حيث تسعى إيران للسيطرة على القرار السياسي العراقي اعتمادا على الحلفاء السياسيين العراقيين الشيعة سياسيا، واستخدام الميليشيات الشيعية مثل "فيلق بدر" في تصفية المناوئين للنفوذ الإيراني في العراق.
ورغم أن هذا الاتجاه قد بدأ بالفعل في تنفيذ سلسلة من العمليات الانتحارية ضد القوى والميليشيات الشيعية المتحالفة مع إيران، كان أبرزها عملية اغتيال محمد باقر الحكيم زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، ومهاجمة بعض المراقد والمساجد والأحياء الشيعية، إلا أن الاتجاه الأول أخذ المبادرة بعد ذلك، فساد نوع من المهادنة بين التنظيم وإيران، وأصدر الرجل الثاني أيمن الظواهري تعليمات لأبي مصعب الزرقاوي، قائد "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" آنذاك، بعدم مهاجمة إيران، أو انتقاد وجودها في العراق، وكان الظواهري يهدف من ذلك إلى عدم استفزاز إيران التي احتفظت ببعض عناصر التنظيم الذين فروا من أفغانستان.
هذه المعادلة المزدوجة عززت الفرض القائل بأن إيران شاركت في عملية تصفية الزرقاوي (يوليو 2006)، وبالفعل تلا ذلك خفوت ملحوظ في درجة حدة الانتقادات الأميركية لإيران، وغني عن البيان هنا ترحيب إيران بمقتل الزرقاوي، الذي وصفته بـ"النبأ السعيد الذي أثار ابتهاج العراقيين وسعادة إيران"( ).
ومع حلول الذكرى الخامسة للغزو الأميركي للعراق، بدا جليا أن ثمة انعطافة ملحوظة في موقف تنظيم القاعدة من إيران، انعكست في رسالة أيمن الظواهري بمناسة ذكرى الغزو، التي نشرت على الإنترنت وقال فيها: "إن إيران أهدافها واضحة ضم جنوب العراق وشرق الجزيرة والتمدد للتواصل مع أتباعها في جنوب لبنان، فإذا تم التفاهم معها على أساس تلبية كل أو بعض أهدافها، في مقابل غض الطرف عن الهيمنة الأمريكية عن المنطقة، فسيصب هذا التفاهم الزيت على النار المشتعلة أصلا، وسيفجر الأوضاع في المنطقة المتفجرة فعلا".( )
ومع التحول في موقف القاعدة من المهادنة للمواجهة يمكن تلمس آثار عوامل عديدة كمحاولة القاعدة تبرئة ساحتها من الاتهامات التي تواجهها من العديد من العشائر والقوى السُّنِّية في العراق، بالتحالف مع إيران، التي غدت العدو الأول لهذه القوى، وهو عداء أدى إليه طموح إيران ودعمها للقوى الشيعية. وبدا الظواهري مستاء من تزايد النفوذ الإيراني في العراق فحاول دفعها لوقف تداعياته ويبدو وكان موقفه تعبيرا عن قناعة يمكن استنتاجها ببساطة هي أن الدور الإيراني أكثر وضوحا وتأثيرا.
القاعدة موضوعا للجدل الداخلي:
وقد تحولت القاعدة "كنموذج" لموضوع سجال داخلي ساخن فجرته تصريحات للرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي (2 مايو 2008)، فخلال اجتماعه مع طلبة جامعيين قال خاتمي: "ما الذي قصده الإمام الخميني بتصدير الثورة؟ هل نحمل السلاح ونتسبب بانفجارات في بلدان أخرى؟ هل نشكل مجموعات للقيام بعمليات تخريب في بلدان أخرى؟". وأضاف خاتمي أنه يريد التحذير من "تشويه أفكار الإمام الخميني"، وقال إن "الإمام كان يعارض بشدة أعمال الإرهاب، ويدعو في المقابل إلى نموذج يقوم على وضع اقتصادي جيد، واحترام البشر، ومجتمع يتجه إلى الرخاء وتحسين ظروف الجميع"( ).
هذه التصريحات اعتبرها المحافظون الأصوليون اتهاماً ضمنياً للسلطات الإيرانية بالتشجيع على زعزعة الاستقرار في العراق ولبنان، ولذا دعا حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة "كيهان" ذات التوجهات المحافظة إلى "محاسبة خاتمي على تصريحاته غير الوطنية، التي لا ينجم عنها سوى تلطيخ سمعة الجمهورية الإسلامية، وتأكيد اتهامات لا أساس لها يطلقها الاستكبار العالمي"( ).
وتجاوز النقاش حول "القاعدة" حدود التحليل والسجال إلى توجيه اتهامات فعلية لإيران بدعمها، وفي العراق، اتهم مستشار الأمن القومي موفق الربيعي إيران بدعم كل الأطراف حتى تنظيم القاعدة للسيطرة على العراق مؤكدا أن ما يقرب من مئة من قيادات التنظيم موجودون في طهران، ويسمح لهم باستخدام الهواتف النقالة وغيرها للاتصال بقواعد التنظيم في العراق، وأن إيران ترفض تزويد الحكومة العراقية بالمعلومات التي تساعدها على تتبع عناصر القاعدة داخل العراق. وواجهت إيران اتهامات أخرى بالسعي لتأسيس تنظيمات مسلحة على غرار "حزب الله" اللبناني وتنظيم القاعدة، في دول مجلس التعاون الخليجي، يمكن استخدامها في حالة تعرضها لضربة عسكرية أميركية أو إسرائيلية على خلفية أزمة ملفها النووي.
واتسعت دائرة الاتهام فقالت قيادات سنية عراقية إن تحالفا سريا تم بين القاعدة وإيران، وجرى تسريب بعض الوثائق من قبل أجهزة مخابرات عراقية، تؤكد وجود هذا التعاون. ويبدو أن هذه الاتهامات، إضافة إلى عوامل أخرى، هي التي دفعت الظواهري، وربما تنظيم القاعدة بصفة عامة، إلى إعادة ترتيب أوراقه وحساباته مرة أخرى، وتعديل سياساته تجاه إيران من المهادنة إلى التهديد والتلويح بشن هجمات ضد مصالحها. ففي تسجيل صوتي بمناسبة الذكرى الخامسة لغزو العراق اتهم أيمن الظواهري إيران بالتخطيط لضم جنوب العراق والجزء الشرقي من الجزيرة العربية، وهددها بالوقوف في مواجهة طموحاتها.( )
إطار جديد لحل اللغز:
وقد وفرت معلومات جديدة كشف عنها منذ 2008 إطارا جديدا لفهم العلاقة بين الطرفين، أولا في ضوء الكشف عن معلومات جديدة، وهي معلومات أضافت ساحة جديدة لتلاقي المصالح بين القاعدة وإيران هي اليمن. كما أنها من ناحية أخرى أدت إلى للمرة الأولى إلى فرض عقوبات رسمية أمريكية ما قد يعزز – بدرجة أكبر – مصداقية المعلومات.
الدايلي تلجراف البريطانية كشفت في 23 نوفمبر 2008 عن رسالة للدكتور أيمن الظواهري تم اعتراضها تشيد بالدور الإيراني في دعم لدعم الهجوم على السفارة الأمريكية في اليمن. وكشفت الرسالة أيضا اتساع نفوذ سعد نجل أسامة بن لا دن (هناك معلومات حديثة تشير لمقتله) كوسيط بين التنظيم وإيران، وهو كان يعيش في إيران منذ سقوط نظام طالبان في أفغانستان عام 2001، ويفترض أنه قيد الإقامة الجبرية.
وأهم ما في محتوى الرسالة الشكر الموجه من الظواهري للحرس الثوري الإيراني لدوره في تقديم المساعدة لتنظيم القاعدة للتمركز في اليمن. والظواهري في الرسالة يشيد بسخاء إيران، التي من دون ما قدمته من "المساعدات النقدية والبنية التحتية" ربما لم تكن لهذه الجماعة لتنفذ عملياتها.( )
وشهد مطلع العام 2009 حدثا يمثل تحولا نوعيا هو إصدار وزارة الخزانة الأمريكية قرارا بمعاقبة ثلاثة من كبار قادة القاعدة قضوا فترة في إيران هم: سعد بن لادن ومصطفى حامد وصلاح علي حسين، بسبب دورهم في تمويل التنظيم. وهو ما وفر للمرة الأولى دليلا على ثلة لإيران بتنظيم القاعدة. وحسب وزارة الخزانة كان حامد الوصلة الرئيسة بين القاعدة والحكومة الإيرانية وكان يعيش في إيران في حماية الحرس الثوري الإيراني. أما صلاح علي حسين فكان "مسؤولا عن تهريب أعضاء القاعدة والمرتبطين بها عبر إيران". وفي تعقيب على القرار قال وكيل وزارة الخزانة الأمريكية ستيوارت ليفي إن "من المهم محاسبة إيران على كيفية تعامل مع الوفاء بالتزاماتها الدولية لتقييد القاعدة".
وحسب ماثيو ليفيت (مدير مكتب برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات بمعهد واشنطون لسياسات الشرق الأدنى ومايكل جاكوبسون المسئول السابق بوزارة الخزانة الأمريكية) فإن الصلات بين القاعدة وإيران ليست جديدة وتطورت على مر الزمن. .
بعد 11 سبتمبر ، وتحول المجتمع الدولي في استخدام القوة ضد تنظيم القاعدة وايران بدأت في تصوير نفسها على أنها عدو للمنظمة إرهابية ، وكثيرا ما يسلط الضوء على أفعالها ضد بن لادن. ومع ذلك ، يبدو أن هذا الموقف المتشدد بمثابة غطاء لطهران مستمرة في التعامل مع المنظمة ؛ النظام الدعم لتنظيم القاعدة واستمرت طوال هذه الفترة ، ثم حتى في ظل الرئيس محمد خاتمي ، قبل وقت طويل من منمق محمود نجاد تولى هذا المنصب. وهناك أيضا أدلة على أن إيران ربما لا تزال تسمح لعناصر القاعدة بالسفر عبر أراضيها للوصول لأفغانستان فمثلا، سافر القيادي عادل محمد محمود عبد الخالق إلى إيران خمس مرات بين عامي 2004 و 2007.
خاتمة:
لقد فرضت الاعتبارات المتداخلة سالفة الذكر في مجملها صعوبات عديدة أمام محاولة استكشاف الخيوط الغامضة لعلاقة بين طرفين، وتقف الخلفية الدينية لكل منهما على النقيض من الآخر، جمهورية لا تخفي خلفيتها القائمة على زواج كاثوليكي بين الدولة والمذهب الشيعي من جهة، وتنظيم سلفي يستقل بفهم ديني يضيق بمن يصفهم بـ"الروافض" ودولتهم، لكنها أكدت في الوقت نفسه أن ثمة علاقة من نوع ما بين إيران والقاعدة، وإن لم ترتق إلى مستوى التحالف الإستراتيجي بين الطرفين، فإنها أنتجت، في رؤية الطرفين، تداعيات إيجابية عديدة، فقد استخدمت إيران "ورقة" تنظيم القاعدة لخدمة ملفات أخرى في تفاعلاتها مع الولايات المتحدة الأميركية وعلى رأسها الملف النووي، بينما سعى تنظيم القاعدة إلى عدم استفزاز إيران بشكل كان يمكن أن يدفعها إلى العمل ضده، بل إنه حاول استمالتها لمساعدته في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية، لاسيما في ظل نفوذها الواسع في كل من أفغانستان والعراق.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !