إيران لن تحمي المالكي . للكاتب/ إبراهيم أبو عواد . جريدة العرب اللندنية 2/5/2012
إن المراهقة السياسية التي تتفشى في أوساط النخبة الحاكمة في العراق تعكس حجم الانهيار في المجتمع العراقي على كافة الصعد . فالهروبُ من الأزمات صار سمةً لازمة لفلسفة الحُكم ، وأضحى البحثُ عن غطاء سياسي خارج الحدود فلسفةً مكرَّرة . فها نحن نجد رئيس الوزراء نوري المالكي حريصاً على موسم الحج إلى طهران لنيل مباركة مرشد الثورة خامنئي ، وكأنه هو الحاكم الفعلي للعراق الذي يُحدِّد الحقوقَ والواجبات للساسة ، ويرسم المواقف السياسية الواجب اتباعها .
وقد أراد المالكي من وراء هذه الزيارة بعث رسالة إلى خصومه في العملية السياسية بأن له ظهراً يحميه ويسنده ، ويمنحه شرعيةَ الاستمرار ، ويبارك خطواته . لكنَّ المالكي ينبغي أن يدرك أن الكرة ليست في ملعب إيران على الرغم من النفوذ الإيراني الهائل في العراق . فمشكلاتُ العراق لا يمكن حلها خارج الحدود ، وإنما في الداخل . فعلى الفرقاء السياسيين بحث كل الملفات العالقة على الطاولة بكل صراحة وبدون مجاملات مبتعدين عن سياسة " تبويس اللحى" . فهذا هو الحل الوحيد لانتشال العراق من المستنقع العميق . ولا يمكن لأية قوة خارجية _ مهما بلغ تأثيرها _ أن ترسم مستقبل الشعب العراق بكل تنوعه المذهبي والعِرْقي . إذ إن الشعب هو صاحب الكلمة العليا لأن الأمر متعلق بمصيره . وأصحاب الأرض هم _وَحْدَهم _ القادرون على إنقاذ العراق أو إغراقه. وكما يقال : أهلُ مكة أدرى بشعابها . أما المراهنة على القوى الخارجية من أجل تثبيت سياسة الأمر الواقع في الداخل فقد ثبت فشله عبر مراحل التاريخ . والتاريخُ مفتوحٌ أمامنا ، وهو سِجِل لا يَكذب .
فإذا انقسم العراق ، وصارت كردستان دولةً مستقلة ، وقام العرب السُّنة بإعلان الأقاليم في محافظاتهم أو تكوين دولتهم الخاصة أًُسوةً بالأكراد . فهل سَيَقدر خامنئي على إعادة تجميع شظايا العراق ؟ . وما موقف المالكي عندئذ ؟ . بالطبع سيجد نفسه مسيطراً على محافظات الجنوب ضمن رُقعة جغرافية ضيقة تتنازعها الصراعات بين المرجعيات الدينية والسياسية ولديه بعض آبار النفط . وما الفائدةُ حينئذ من احتكار السُّلطة وقد انتهت الدولةُ العراقية وذهبت إلى الأرشيف ؟ . وما الفائدةُ إذا حقَّق الساسةُ أرباحاً شخصية وخسروا العراقَ بأكمله وذهبت الحضارة العريقة إلى غبار الماضي ؟ .
وإذا كان المالكي سعيداً بالسيطرة على وزارتي الداخلية والدفاع ، والقواتِ المسلحة ، والبنك المركزي ، وعقود النفط ( المال السياسي ). فعليه أن يعلم أن باقي الأطراف لها أوراق ضغط . وإذا زال الولاء والانتماء من نفوس العراقيين ، وتعاظم الإقصاء والتهميش ، وساءت الخدمات أكثر فأكثر ، فإن الثورة الشعبية قادمة لا محالة ، وعندئذ يختفي الفرقُ بين السُّني والشيعي ، والعربي والكردي . فاحتكارُ السُّلطات لا يمكن أن يحميَ الحاكم من صوت الشعب ، والأدلة على ذلك ماثلة للعيان ، ولا تحتاج إلى عبقرية البحث والتقصي . أمَّا فكرة ( القائد الرمز الملهَم / والزعيم الضرورة / والحزب الأوحد ) فقد أكل عليها الزمنُ وشرب . وكانت نتائجها كارثية بامتياز .
ومن تجليات المراهقة السياسية أن المالكي يزيد أعداءه، ويُقلِّل من أصدقائه . فنراه يهاجم تركيا ويذهب إلى إيران . وهذا يدل على ضيق الأفق السياسي . فإذا كانت إيران تملك النفوذ في المشهد العراقي ، فإن تركيا تسيطر على نهرَي دِجلة والفرات . والعراقُ يعاني من حالة جفاف خصوصاً في المحافظات الجنوبية . وإذا عطش العراقيون فلن يَشربوا من آبار النفط ، وإذا أرادوا تكوين نهضة زراعية فلن تنفعهم تعليمات الولي الفقيه . بل هُم في أمس الحاجة للموارد المائية التي تتحكم بها تركيا . فلا مصلحة للعراق المهيض الجناح أن يزيد من خصوماته الإقليمية ، فهو الطرف الأضعف .
وينبغي إدراك أن ماهية الحضارة أكبر من البندقية وبرميل النفط . فإيرانُ تواصل الغرق في غرور القوة ، وتنتهج أسلوب المكابرة وعدم الاعتراف. والأَوْلى أن تحل مشكلاتها الاقتصادية المتفاقمة نتيجة العقوبات الدولية، وتعالج أزمات البطالة والعنوسة التي تعصف بالمجتمع عامةً ، وأحلام الشباب خاصة. فالانفجارُ الداخلي أخطر من التهديد الأمريكي والإسرائيلي. أمَّا سياسة الإنكار فلا تجدي نفعاً ، فالمريضُ ينبغي أن يعترف بمرضه أولاً إذا أراد العلاج .
وما يثير الاستغراب هو حالة التخبط في مراكز صنع القرار في إيران . فنجد الرئيس الإيراني يزور جزيرة " أبو موسى " ، ويُسبِّب أزمةً مجانية مع دولة الإمارات مع أن الإمارات هي المتنفَّس الاقتصادي لإيران . ونرى إيران تنفق أموالاً هائلة على التسلح في حين أن الفقر والمشكلات الاجتماعية في ازدياد مطَّرد في المجتمع الإيراني . فَحُكام إيران يعتقدون أن مجد الحضارة الفارسية لن يعود إلا بالقوة العسكرية . وهذه القوةُ غير كافية لصناعة حضارة . فالاتحادُ السوفييتي قد انهار وهو يملك ترسانةً مرعبة من الأسلحة النووية وغيرها . وها هي كوريا الشمالية تملك جيشاً يزيد تعداده عن المليون ، أما الاحتياط فعِدَّة ملايين ، ومع هذا فالشعبُ يعاني من مجاعة غذائية حقيقية ، ويعيش تحت المساعدات من الصين وغيرها . وإننا لنجد دولاً إفريقية عديدة لديها النفط ومناجم الذهب والمعادن الثمينة ، ومع هذا فالشعبُ يعيش في فقر مدقع .
فعلى الساسة أن يعيدوا حساباتهم إذا أرادوا بناء دول عصرية وقوية ، ويوازنوا بين القوة الروحية والقوة المادية ، أمَّا اللهاث وراء السراب فلا يبني مجتمعاتٍ متماسكة . فالسفينةُ إمَّا أن تنجوَ بكل ركابها أو تغرق بهم جميعاً .
http://ibrahimabuawwad.blogspot.com/
http://www.facebook.com/ibrahimabuawwad
التعليقات (0)