مواضيع اليوم

إيران تجني ثمار دورها في إسقاط حسني مبارك

جوزيف بشارة

2011-02-21 14:22:48

0

قبل نحو شهر أعلنت إيران عن نيتها إرسال عدد من السفن الحربية التابعة لقواتها المسلحة إلى البحرين الأحمر والمتوسط مروراً بقناة السويس. وقال قائد القوات البحرية الإيرانية حبيب الله سياري في الثالث والعشرين من يناير الماضي أن السفن الحربية التي تضم المدمرة الإيرانية الصنع – الأولى من نوعها – التي أطلق عليها جاماران بالإضافة إلى وحدات عمليات سيتم نشرها في مياه البحر المتوسط والبحر الأحمر في عملية تدريبية واستخباراتية. كانت تلك هي المرة الأولى التي تعلن فيها إيران نيتها استخدام المعبر المائي المصري منذ عام 1979 الذي اندلعت فيه الثورة الإسلامية الإيرانية. لم يلتفت الكثيرون إلى الخبر. لم يتساءل أحد عندئذ عن كيفية مرور السفن الحربية الإيرانية بقناة السويس رغم حالة العداوة الشديدة بين نظام الملالي في إيران ونظام حسني مبارك في مصر. اليوم وبعد السقوط السريع للنظام المصري نتساءل عن مغزى التزامن بين إعلان إيران نيتها إرسال سفنها للمرور بقناة السويس قبل أيام قليلة من تنحي مبارك عن قيادة مصر.

هل لعبت الصدفة دوراً في مرور السفن الحربية الإيرانية بقناة السويس بعد تنحي مبارك عن رئاسة مصر، أم أن إيران كانت على دراية بالأمور وكانت تتوقع أن تمر سفنها بعد سقوط نظام مبارك أمام تظاهرات المصريين التي تحولت إلى ثورة شعبية جارفة؟ الإجابة على هذا السؤال صعبة ومعقدة لأن كل الأطراف التي شاركت في الثورة تنفي نفياً قاطعاً وجود أي دور لقوى خارجية في تنظيم تظاهرات الثورة التي أسقطت النظام. ولوحظ أن النفي لم يقتصر على من شاركوا في التظاهرات وإنما امتد ليشمل المرشد العام للثورة الإيرانية والأمين العام لحزب الله. من المهم هنا التأكيد على أن وجود دور إيراني في تنظيم الثورة لا يعني بأي حال من الأحوال التقليل من شأن الدور الذي لعبه المصريون الشرفاء بكافة اتجاهاتهم وألوانهم السياسية والاجتماعية لإنجاح الثورة. فالمصريون الذين أرهقهم وقيدهم وأفقرهم نظام حكم مبارك تشبثوا بالفرصة التي واتتهم لإسقاط من تسبب في معناتهم وألامهم من دون أن يبحثوا في طبيعة من أشعل الشرارة الأولى للثورة أو حتى من شارك بها.

بالطبع لم تكن إيران أبداً لتتزعم الثورة المصرية علانية، ولا كان رجالها في مصر سيقومون بتصدر صفوف التظاهرات لطمأنة المصريين والمحتمع الدولي. السيناريوهان المطروحان هنا بشأن دور رجال إيران في إسقاط نظام مبارك يتركزان في أولاً قيام الشباب المصري بالتخطيط للتظاهرات ثم اعتلاء رجال إيران للموجة، وثانياً قيام رجال إيران بالتعبئة غير المباشرة للشباب وتشجيعهم على التثورة ضد النظام. من المهم هنا الإشارة إلى أن الشباب المصري الشريف كان يدرك جيداً أن فرص نجاح الثورة عند اندلاعها في الخامس والعشرين من يناير محدودة جداً. كان أكثرهم تفاؤلاً يتوقع ربما استجابة النظام لبعض المطالب، ولكن لم يتوقع أحد منهم هزيمة قوات الأمن أمامهم. غير أن قسماً كبيراُ من المتظاهرين من الإسلاميين وأتباع إيران يبدو أنه أمن بقوة بالقدرة على إلحاق الهزيمة بقوات الأمن لأنه خطط مسبقاً بدقة وعناية لعملية الهجوم على السجون بغرض الإفراج عن مساجين الإخوان المسلمين وحزب الله حركة حماس.

لعل ما يدلل على اهتمام إيران بإسقاط نظام حسني مبارك هو أنها ظلت تحاربه طوال العقود الثلاثة الماضية عن طريق دعم وتشجيع التيار الإسلامي المتشدد المعارض في مصر. وقد حرص الإخوان المسلمون وأعضاء الجماعات الإسلامية من جانبهم على تعميق علاقاتهم بالدولة الشيعية، فقاموا يزيارات منتظمة لطهران للقاء الزعماء الإيرانيين. لم تنكر إيران أبداً رغبتها في خلع نظام مبارك وإحلاله بنظام إسلامي، وعملت على زعزعة استقرار نظام مبارك من خلال دعمها لعمليات إرهابية ارتكبتها إما خلايا إيرانية تم تسريبها إلى مصر أو مصريون تبنتهم ورعتهم طهران. وركزت إيران في السنوات القليلة الماضية على العمل في شبه جزيرة سيناء، فقام رجالها بعمليات إرهابية عديدة ضد السياح الأجانب وقوات الامن في شرم الشيخ وطابا ورفح، وحاولوا أيضاً القيام بعمليات استهدفت تهريب سلاح ومال لحركة حماس. كما سعت إيران لتهييج بدو سيناء ضد نظام مبارك.

بالطبع لم يكن اختيار إيران لشبه جزيرة سيناء اعتباطياً، ولكنه كان مقصوداً كون سيناء تقع على الحدود مع إسرائيل التي يعتبرها ملالي طهران الشيطان الأكبر. حاولت إيران إرسال عدد من رجالها إلى مصر لتجنيد شباب وقبائل وفلسطينيين بغرض تدريبهم على القيام بعمليات ضد إسرائيل، وكان تنظيم حزب الله الذي كشفت عنه قوات الأمن المصرية قبل نحو عامين أحد أهم تلك المحاولات. كان واضحاً أن إيران تريد تكوين ميليشا في سيناء على غرار ميليشيا حزب الله في لبنان ليكون شوكة جنوبية في ظهر إسرائيل. غير أن نظام حسني مبارك شكل حجر عثرة في طريق تنفيذ إيران لمخططاتها.

لم تكن عداوة إيران لنظام مبارك من دون رد فعل، فلم يخف الرئيس المصري السابق أبداً كراهيته الشديدة لإيران. كان مبارك يؤمن أن إيران تدعم التطرف والإرهاب وتعمل على زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وبخاصة في مصر. ورغم تأكيد إيران على محاربتها للإرهاب كان مبارك يشدد على أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تصديق الحكام الإيرانيين لأنهم يكذبون لتحقيق أهدافهم الكبرى. وقد أوضحت وثائق وكيليكس أن مبارك ورجاله كانوا يخشون بشدة الدور الإيراني المتزايد في منطقة الشرق الأوسط وأنهم كثيراً ما حذروا الدول الغربية من خطورة امتلاك إيران لأسلحة دمار شامل. وذكرت إحدى وثائق ويكيليكس على لسان عمر سليمان رئيس المخابرات المثرية قوله أن لمصر نشاط استخباراتي داخل إيران للرد على التدخل الإيراني في شئون بلاده. وأكدت وثيقة أخرى من وثائق ويكيليكس أنه في الوقت الذي كان نظام مبارك يرفض أي تدخل عسكري ضد إيران، فإنه كان يؤيد بشدة فرض عقوبات اقتصادية صارمة على إيران لدفع النظام الإيراني للانشغال بالقضايا الداخلية والكف عن تدخلاته في شئون الدول العربية.

انتقلت العداوة الشديدة بين نظامي مصر وإيران إلى خارج حدود دولتيهما وعمل النظامان على محاربة نفوذ أحدهما الأخر في العديد من المناطق وبخاصة في العراق وغزة. تحول العراق إلى مسرح كبير للانتقام والانتقام المضاد بين نظامي مبارك والملالي. دعّم الإيرانيون الشيعة بينما دعم مبارك السنة رغم إعلانه وقوفه على الحياد في الصراع الطائفي في العراق. وذكرت مصادر أن النظام المصري، بمساندة أنظمة سنية أخرى، دعّم متطرفين سنة بغرض التأثير على النفوذ الإيراني الشيعي في العراق، والمساعدة في خلق حالة من عدم الاستقرار تستدعي تدخل الجيش العراقي لعزل الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة. وبالنسبة إلى غزة فقد عمل مبارك على وقف كل مصادر الدعم الإيراني لحركة حماس وكان وقف النفوذ الإيراني في غزة من أهم أسباب الحصار الذي فرضته مصر على غزة.

ها قد رحل مبارك وحققت إيران حلمها بإسقاط النظام الذي وقف في وجه طموحاتها. وقد بدأت إيران على الفور في قطف ثمار دورها في رحيل مبارك عندما سمح المجلس العسكري الحاكم في مصر بمرور سفنها الحربية بقناة السويس. مرور السفن الحربية الإيرانية هو مجرد البداية ما لم تتعامل الدولة المصرية بحزم مع النفوذ الإيراني. من المؤكد أن للملالي مصلحة في إحلال نظام مبارك بنظام إسلامي يتعاون معها في تنفيذ مخططاتها التي تشمل محاصرة إسرائيل عبر فتح جبهات حربية جديدة ضدها في مصر والأردن. ولعل رجالها في مصر شرعوا فعلاً في تنفيذ المخطط الإيراني. يدّعي رجال إيران أنهم لا يسعون للحكم في مصر، ولكنهم يكذبون لأن الحكم هو طموحهم الأعلى الذي لن يتوقفوا عن العمل من أجله. لقد أراد المصريون الشرفاء للثورة أن تكون وطنية خالصة تحقق لهم الحرية والتنمية وتنقلهم إلى المستقبل، ولكن المتابع لما يحدث في مصر يدرك أن التيارات المدنية التي لعبت لعبت دوراً مهماً في الثورة وقدمت العشرات من الشهداء في سبيل نجاحها ترى حلمها يتبخر على أيدي رجال إيران. لم يعد يجدي إنكار وجود دور لنظام الملالي في إسقاط نظام حسني مبارك.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !