رجوي: القائد البديل
لم ينظر التيار الديني في الثورة الايرانية الى زعيم منظمة مجاهدي خلق مسعود رجوي، مجرد نظرة عادية، وانما ميزه من بين کافة الشخصيات السياسية و الفکرية الايرانية، وقد کانت هنالك أسباب عدة تدفع التيار الديني لسلوك هذا المنحى أهمها:
ـ الکاريزما الخاصة له منذ إطلالته الاولى على الجماهير عندما أطلق سراحه من السجن بعد ذلك الفاصل التراجيدي غير العادي الذي مر به، حيث سرت بين الجماهير حالة من الانبهار و الاعجاب به تطورت فيما بعد الى تعلق شديد به خصوصا بعد المزيد من التعرف على جوانب شخصيته و الافکار النموذجية التي يحملها و يدعو إليها.
ـ الاعداد الکبيرة جدا التي کانت تندفع بحماس لحضور خطبه و کلماته المرتجلة و التي کانت تؤثر فيهم أيما تأثير، وهذه الاعداد الکبيرة التي يجب أن نشير هنا الى أن معظمها لم يکن بالضرورة منتميا لمنظمة مجاهدي، شکلت قلقا و توجسا للتيار الديني ودفعته لأخذ هذه الظاهرة على محمل الجدية و التفکير العميق بوضع حد لها.
ـ مسعود رجوي، الذي أطلق سراحه من السجن قبل فترة وجيزة من سقوط الشاه، کان قد مر بتجربة سياسية ـ فکرية ـ عقائدية فريدة من نوعها، وقد کان محملا بأمانة خاصة منحته زخما هائلا من الحماس و الاندفاع و الايمان المطلق بقضيته، و بالاضافة الى ذلك، فإن رجوي کان يمتلك خطابا سياسيا ـ فکريا ـ إجتماعيا ذو نبرة و طابع و إتجاه خاص مميز تماما عن کل الخطابات الاخرى السائدة في ذلك الوقت، وهو ماجعله نموذجا سياسيا ـ فکريا جديدا يبشر بأفکار فيها الکثير من المرونة و الشفافية على عکس معظم القادة الايرانيين الآخرين، حيث کانت خطاباتهم تقليدية و روتينية و لاتحمل شيئا جديدا، وهذا الامر قد دفع التيار الديني الى الاستعجال في الخطى و استباق الاحداث قبل اوانها لأنها تيقنت لو أن مسعود رجوي بقي في الساحة لفترة أطول فإن ذلك سيکون على حسابهم.
وقد کان رفض الخميني لترشيح مسعود رجوي لمنصب رئيس الجمهورية، ينطلق اساسا من الريبة و التوجس اللذين طغيا على معظم رجالات التيار الديني، إذ کان هؤلاء مقتنعين تماما بأن وصول رجوي الى هذا المنصب سيمنحه الکثير من الاسباب القوية جدا لکي يوسع من قاعدته الجماهيرية و يجعلها الاکبر و الاقوى، خصوصا وانه يمتلك کما أسلفنا جميع المقومات و العوامل التي تؤهله لذلك، وقد کان جل خوف التيار الديني من نقطة بالغة الاهمية و الخطورة و الحساسية تتجلى في طرح مسعود رجوي ليس کمجرد سياسي عادي او مرشح لمنصب رئيس الجمهورية او حتى زعيم منظمة مجاهدي خلق، وانما کان هؤلاء يدرکون أن النمط و النهج و الاسلوب السياسي ـ الفکري الذي يبشر به و يدعو اليه و الکاريزما الخاصة التي يمتلکها، کانت تؤله لکي يتبوأ منصب قائدا للشعب وبکلمة أدق و أکثر جلائا، فإن مسعود رجوي کان يسير في طريق وقوفه ندا و بديلا للخميني، والمسألة المهمة التي کانت تتجسد في موقف رجوي الرافض بشدة لمبدأ ولاية الفقيه، هي أنه کان يسعى و بکل ماأوتي من جهد و امکانية من أجل الحفاظ على الثورة الايرانية و الحيلولة دون إفراغها من مضامينها و محتوياتها النضالية و المبدأية الثرة، وعلى مايبدو فإن زعيم منظمة مجاهدي خلق و من خلال رؤيته الحصيفة و الثاقبة لنظام ولاية الفقيه، فإنه کان متيقن من أن الاقرار بهذا النظام يعني و بشکل جلي مصادرة الثورة و إفراغها من أهدافها و المبادئ التي قامت من أجلها، ذلك أن منح سلطة مطلقة لشخص الولي الفقيه(بموجب مبدأ ولاية الفقيه)، و حصر و إختصار کل النظام فيه، کان يعني أن يوقع رجوي بيده و عن سابق قصد و إصرار على نظام دکتاتوري شمولي آخر يکاد أن يبز نظام الشاه في سعة و شمولية قواعده الاستبدادية، وهو أمر أدرکه التيار الديني جليا و بصورة قاطعة بعد الرفض الکامل لمنظمة مجاهدي خلق و بشخص زعيمها مسعود رجوي لنظام ولاية الفقيه و رفضه لکل الحلول المختلفة التي طرحها التيار الديني أمامه لکي يعدل عن ذلك"ومن ضمنها لقائه بالخميني و المفاوضات المستفيضة التي أجريت مع أحمد الخميني"، و الواقع، أن نظام ولاية الفقيه و شخصية الخميني نفسه، کان بحد ذاته إمتحانا صعبا جدا و بالغ التعقيد و التبعات للمنظمة و زعيمها مسعود رجوي، وان الزعيم الشاب کان يدرك بأن إذعانه و قبوله بذلك المبدأ سيقود"شاء أم أبى"الى إنهاء منظمة مجاهدي خلق و کل التيارات و القوى السياسية و الفکرية المختلفة عن التيار الديني وان موافقته و مسايرته لهکذا مبدأ دکتاتوري يسلط ضلالا من الشك على النضال الذي خاضته المنظمة ضد دکتاتورية الشاه و الافکار التي بشرت و تبشر بها من أجل ذلك، من جانب، و استهانة واضحة بکل الدماء و التضحيات الکبيرة التي قدمتها المنظمة من أجل إسقاط النظام الدکتاتوري، من جانب آخر، ولذلك کان لامناص او خيار آخر أمام رجوي غير الرفض الحاسم لنظام ولاية الفقيه و خوضه ذلك الامتحان الصعب و المعقد الذي استمر لأکثر من ثلاثة عقود و لازال وأثبت للعالم أجمع و قبل ذلك للشعب الايراني، صواب الرأي و الموقف الحاسم الذي إتخذه من ذلك النظام الذي لم يکن في اساسه سوى عودة الدکتاتورية الملکية ذاتها ولکن و بدلا من وضع التاج على رأس الدکتاتور، يتم وضع عمامة عليها!
وقد کان إقدام الخميني على شطب اسم مسعود رجوي کمرشح لرئاسة الجمهورية(على الرغم من التأريخ النضالي العريق و الماضي المشرف له)، واحدة من الخطوات الاولية المهمة التي خطاها التيار الديني بإتجاه إعلان الحرب الشعواء على المنظمة من جهة، و ضد زعيمها من جهة أخرى، وقد أدرکوا بأن مجرد بقاء المنظمة و زعيمها في الساحة حتى لو لم يکن هنالك أي منصب او صفة سياسية خاصة بهما، فإنهما سيمضيان قدما في عملهما و برنامجهما السياسي ـ الفکري من أجل تغيير إيران نحو نظام سياسي ديمقراطي يعتمد على الحرية اساسا، ومن هنا، فإنه جدير بالمتابع أن يلاحظ ثمة نقطة مهمة جدا، وهي أن النظام وفي الوقت الذي کان يشد الخناق على المنظمة و زعيمها، فإن المنظمة وفي شخص زعيمها لم تکن تبادر بنفس النهج السلبي في التعامل وانما کانت تلتزم و تتمسك بالنهج السلمي و منطق الحوار و الاخذ والعطاء کأسلوبا و منطقا أمثلا لحل المشاکل مع التيار الديني، ولم يکن مسعود رجوي يرغب أبدا في أن يکون البادئ الى دفع الاوضاع بين التيارين الى عتبة المواجهة وکان يدرك بأن لذلك القرار مسؤولية تأريخية و اخلاقية کبيرة قد تجعل من الصعب جدا توضيحها و تبريرها للأجيال اللاحقة فيما بعد، ومن هنا، فقد نأى الزعيم الشاب بجانبه بعيدا عن إيصال الامور بينه و بين التيار الديني الى حافة الاشتعال، وکان يحرص دائما على التهدئة و سعة الصدر و صرف النظر، وهي أمور کان يجب أن يتحلى بها قائد في مکانة و سن الخميني، لکن، الذي حصل کان العکس تماما، وهذه نقطة بالغة الاهمية من الجدير أن يأخذها أي متابع لتأريخ الثورة الايرانية على محمل الجد و يتعمق فيها أکثر لکي يعي بأن مسعود رجوي کان الاکثر حرصا و الاکثر توجسا و خوفا على أمن و استقرار إيران و شعب إيران من الخميني، مسعود رجوي، کان يسعى و بهدوء و منهج سلمي و عقلاني الى حسم الامور و إنهائها بين الجانبين بدون إراقة قطرة دم واحدة و بدون تکليف الاقتصاد الايراني المزيد من الخسائر و الاضرار، الرجل کان في صدد طرح أفکار مقابل أفکار أخرى، طروحات مقابل طروحات مضادة، معالجات للواقع الايراني مقابل معالجات أخرى، لکن، لم يکن في وسع التيار الديني أبدا فهم و استيعاب و قبول هکذا منهج سليم و قويم ولذلك، فإنه لجأ الى نهج و اسلوب مغاير تماما لنهج مسعود رجوي، فقد کانت مقابل کل کلمة او رأي يطلقه مسعود، طلقة او إعتقال او إعدام! وکان مقابل کل طرح يعلنه رجوي لحل المشاکل والتصدي لها بروح الحرص و المسؤولية، المزيد من الخطط و البرامج الامنية الخاصة التي کان التيار الديني يضعها في الدهاليز و الاقبية الخاصة المظلمة، وکانت الحرب الشعواء و اسلوب القمع و التصفية و فتح أبواب السجون بوجه المنظمة، الجواب الحاسم الاخير للتيار الديني على کل الأفکار و الطروحات السلمية للمنظمة و زعيمها، وقد ظن التيار الديني من لجوئه الى هذا الخيار و تفعيله على أرض الواقع ضد کل مناوئيه و على رأسهم منظمة مجاهدي خلق، بأنه إختار الطريق الاصوب و الاصح، ولم يکن يدرك بأنه قد سلك ذات الطريق المظلم و النتن و الاعوج الذي سبق وان سلکته معظم النظم الاستبدادية و الدکتاتورية في العالم، وقد کان عزم هذا التيار على خوض خيار القمع و التصفية و الاقصاء ضد منظمة مجاهدي خلق من القوة بحيث انها لم تستمع الى لغة العقل و المنطق حتى من جانب رجل کآية الله منتظري والذي کان يشغل وقتئذ منصب"نائب الخميني"وکان تطلق عليه صفة"أمل الامام"، إذ ان المنتظري وعندما رأى أن التيار الديني قد عقد العزم و النية على مواجهة منظمة مجاهدي خلق بلغة الحديد و النار نصحهم مخلصا بقوله:( منظمة مجاهدي خلق، مدرسة فکرية لاتنتهي بالقتل وانما تنمو)! هذا الموقف العقلاني البناء، يمکن إعتباره بمثابة القشة التي قصمت ظهر هذا الرجل و جعلته يدفع الثمن غاليا، إذ أن التيار الديني لم يکن يرغب او يود أبدا في التصدي لمنظمة مجاهدي خلق من حيث الماهية و القيمة و الاعتبار الفکري و النضالي الذي تمثله في فکر و جدان الشعب الايراني، وانما کانت تريد طرح الامر من زاوية رؤيتها و فهمها للمنظمة، وهو يعکس النهج الاستبدادي تماما في فهم و تقييم القوى المخالفة معها، ومنذ تلك اللحظة التي تم فيها إقصاء آية الله المنتظري من منصب نائب الخميني، بدأت مرحلة جديدة تماما في إيران، مرحلة ظهور و تجسد نظام ولاية الفقيه بوجهه الحقيقي و من دون أي رتوش، وهي مرحلة مليئة بالتناقضات و الممارسات الصارخة للتيار الديني الذي تبلور اخيرا ضمن نظام ولاية الفقيه. وعلى الرغم من أن أعداء و مناوئي و خصوم نظام ولاية الفقيه داخل إيران کثيرون، لکن لم يتخوف ذلك النظام من أي من خصومه کما تخوف من منظمة مجاهدي خلق، ولم يأبه لأي سياسي إيراني معارض کما هو الحال مع إيلائه إهتماما بالغا بمسعود رجوي، وقد بدأ نظام ولاية الفقيه في برمجة خططه و مشاريعه التصفوية ضد المنظمة و قائدها على أرض الواقع و التي کانت تسعى لإنهاء دور المنظمة و زعيمها بشکل قاطع على الساحة الايرانية. وقد کانت خطط النظام الديني ترتکز و بقوة على السعي بإتجاهين هما:
ـ إتجاه يعمل على عزل تراث و ماضي المنظمة النضالي عن الحاضر، من خلال الزعم و الايحاء"کذبا و بهتانا"بأن منظمة مجاهدي خلق قد إنحرفت عن مبادئها و أفکارها في الوقت الذي کانت تجسد بموقفها الحدي من رفض نظام ولاية الفقيه تراثها و ماضيها النضالي بأنصع الصور.
ـ إتجاه آخر يعمل من أجل إظهار منظمة مجاهدي خلق وکأنها منظمة إرهابية تقوم على أساس القتل و التصفيات الدموية و هي تعارض الافکار الاسلامية و تقف ضدها.
وقطعا أن النظام الايراني قد وظف إکمانيات مادية و سياسية واعلامية و أمنية هائلة من أجل تحقيق و إنجاح خططه ضد منظمة مجاهدي خلق و زعيمها بإتجاهيها الآنفين، وهي إمکانيات ظل النظام يحرص على ضمان توفيرها على الرغم من أزماته و مشاکله على مختلف الاصعدة، أما بخصوص الطرق و الوسائل التي إعتمدها النظام الايراني في کيفية إظهار المنظمة بصورة إرهابية فقد کانت متباينة ولم تترك مجالا أو صعيدا او معترکا إلا و قد قامت بإستغلاله من أجل ذلك الهدف، و ان ترکيزها على هذا الموضوع و عبر مختلف وسائل الاعلامية قد تجاوز کل الحدود و الاعتبارات المتعارف عليها حتى يمکن القول و بسهولة أنها قد کانت بصدد عملية غسل دماغ ليس لأفراد وانما لشعب بأکمله، فهو کان يريد محو تأريخ و تراث نضالي عريق للمنظمة و يسعى بإستماتة من أجل جعل مايرنو إليه من هدف مبيت، أمرا واقعا. وللموضوع صلة.
التعليقات (0)