عندما إندلعت الثورة الايرانية بوجه نظام الشاه ولاسيما في بداياتها عام 1978، کان لمنظمة مجاهدي خلق حضورا إستثنائيا قويا على طول و عرض الساحة الايرانية وکانت تکاد ان تکون اللولب و المحور و العامل الاساسي في تحريك الجماهير و حثهم على الخروج ضد النظام، إذ کانت منظمة مجاهدي خلق ومن خلال أدبياتها و بياناتها المتواصلة التي تصدرها بالاضافة الى النشاط الفعال و الاستثنائي الذي کانت تقوم به خلاياها المنتشرة في مختلف أرجاء إيران، بمثابة زيت يصب على نار الغضب للشعب، لقد کانت المنظمة تبين و توضح وتؤکد للشعب بأن المواجهة الفعلية مع النظام لن تنتهي إلا لصالح الشعب، لکن، وفي نفس الوقت لم يکن ذلك يعني أن المنظمة القوة الوحيدة المشارکة فيها، لکنها کانت من أهم القوى الفعالة، إذ أن مختلف القوى السياسية و الفکرية قد ساهمت بشکل او بآخر في الثورة، وکانت لکل واحدة منها قسطها من المساهمة و المشارکة المحددة طبعا بعامل حضورها الجماهيري و دورها بين صفوفها. لقد نجح نظام الشاه في شراء ذمم الکثير من المؤسسات الاعلامية و الکتاب و الصحفيين على مختلف الاصعدة"ومن بينها العربي طبعا"، ونجح من خلال ذلك في نقل صورة مشوهة و ضبابية و غير واقعية عن الذي جرى و يجري في الواقع الايراني، وعندما إنفجرت الاوضاع و لم تعد تحت سيطرة نظام الشاه، بدأت تطرح اسماء إيرانية جديدة في وسائل الاعلام رغم ان التأکيد کان ينصب على الخميني بإعتباره قائدا و رمزا للثورة، ولم يکن من السهل وقتئذ معرفة واقع الامر عن کثب وانما کانت تنقل صورة عامة و حصيلة عامة لمجريات الاحداث من دون الترکيز على العوامل و المسببات التي صنعت ذلك، صحيح ان الندائات التي کان يصدرها الخميني من منفاه الى الايرانيين و يحثهم فيها على الثورة کانت موجهة لجميع الايرانيين، لکن، في نفس الوقت کان هنالك عملا متوازيا لذلك تنجزه المنظمة من خلال بياناتها المنظمة و نشرياتها الدورية الصادرة التي کانت تهدف الى توعية و توجيه الشعب بإتجاه اسقاط النظام، فهم وان لم يکونوا يتفقوا مع الخميني في العديد من الامور، لکنهم کانوا يتفقون معه"أي مع الخميني" على اسقاط النظام و يصرون عليه أکثر من أي طرف آخر من الاطراف المتباينة للمعارضة الايرانية. ولاريب من أن المواجهة العنيفة جدا بين نظام الشاه من جانب، و بين منظمة مجاهدي خلق منذ تأسيسها، وتلك التضحيات و ذلك العدد الکبير جدا من الشهداء و المعتقلين و المسجونين و تلك الصور المأساوية من عمليات التعذيب البربرية التي کانت تتم في سجون السافاك والتي تقشعر منها الابدان، دفعت هذه المنظمة لکي تمضي بإتجاه احادي الجانب يتجلى في في إسقاط نظام الشاه من دون أي بديل او صيغة حل أخرى. .
لقد دفعت مجاهدي خلق ثمنا باهضا في طريق مقارعتها للنظام الدکتاتوري الشاهنشاهي، وقد کانت إستهلال تلك التضحيات بتقديم نخبتها القيادية التي أسست المنظمة لساحات الاعدام، رغم ان النظام سعى جاهدا لکي يحرف او يلين من عزم و مبدأية تلك الثلة المؤمنة بمبادئها لحد التضحية بأرواحها و تروي العديد من المصادر کيف أن السلطات الامنية حاولت دفع اولئك القياديين ولاسيما"محمد حنيف نجاد"، للإقرار بأنهم يرتبطون بالخارج او للإقرار بأن هناك"تضارب و تضاد مابين المارکسية و الاسلام"، من أجل خلق حالة فوضى و مواجهة بين مختلف أجنحة المعارضة الايرانية و التي کانت في الاساس تتشکل من هذين التيارين الفکريين السياسيين، وقد کان محمد حنيف نجاد و سعيد محسن و اصغر بديع زادکان، يرفضون ذلك بکل اباء وانهم کانوا يلقمون جلاديهم حجارة عندما کانوا يصرون على موقفهم المبدأي و تحمل التعذيب الوحشي من أجل مستقبل إيران و شعبها، وهنا، من المفيد جدا الاشارة و التوقف عند بعض من صنوف التعذيب التي کانت تجرى بحق مؤسس منظمة مجاهدي خلق محمد حنيف نجاد، إذ کان يتعرض لوجبات منتظمة من الکي بواسطة مکواة على جسده حيث کانت توضع قطعة مبللة بالماء على جسمه ومن ثم تمرر المکواة عليه حتى انه وکما کان ينقل رفاقه و اخرون کانوا شهودا عيان على تلك المأساة المروعة بأنه لم يبق مکان من جسده لم يتغير لونه، هذا بالاضافة أنهم کانوا يجلسونه على طباخ کهربائي وفي الوقت الذي کان تتصاعد رائحة شواء جسده، کانوا يطلبون من الاعترافات او على الاقل تلبية تلك المطالب التي تخدم النظام و مصالحه و امنه، وقطعا لم تجد کل تلك المحاولات حتى غدا هؤلاء المناضلين مجرد هياکل عظمية باقية بقوة إيمانها الراسخ وعندئذ لم يبق أمام النظام سوى إعدامهم رميا بالرصاص في عام 1973، ظنا منه بأنه سوف ينهي المنظمة او يشلها و يبعثرها، لکن، لم يعلم بأن استشهاد هؤلاء کان النبراس و القبس و الحافز الذي ساهم بقوة في إرساء الدور الطليعي للمنظمة في الساحة الايرانية وإنطلاقها مرة أخرى وعلى أسس و رکائز أقوى و اکثر رسوخا من السابق، وعلى الرغم من أن المنظمة و لأسباب متباينة قد تعرضت لهزات و نکبات و مآس متعددة أخرى، لکنها ظلت متماسکة و لم تفقد زمام المبادرة رغم تزلزل الارض تحت اقدامها، وبهذه الروح و هذه المبدأية تواجدت منظمة مجاهدي خلق في الساحة و ناضلت و قدمت التضحيات تلو التضحيات ولم تتوقف عن النضال ولو في ظل أصعب و أعقد الاوضاع وهذا الامر الذي ميزها دوما عن الاتجاهات و الاحزاب و المنظمات السياسية الاخرى. ان مناضلي هذه المنظمة التي أبليت بلائا حسنا قل نظيره في تأريخ القوى و الحرکات السياسية في المنطقة، قضى الکثير منهم رميا بالرصاص او تدلى مشنوقا او حکم عليه في غياهب السجون او کان مطاردا لايستقر على حال، وان زعيم منظمة مجاهدي خلق أبان الثورة الايرانية"مسعود رجوي"، کان يقضي حکمه الابدي في السجون الايرانية ولم يطلق سراحه إلا بعد أن أتت الثورة ثمارها، وعليه، فإن سعي أطراف و جهات متعددة لإتهام المنظمة بالعمالة و التبعية الخارجية هو إتهام باطل من أساسه و کذب فاحش لايصدقه أي لبيب، وعلى هذا الاساس کان الوجود الجماهيري للمنظمة قبل و اثناء و بعد سقوط الشاه کبيرا و قياديا و لايمکن تجاهله، وبديهي ان الاتجاه الآخر الذي شارك في الثورة"ونقصد الاتجاه الديني"من خلال الخميني الذي شارك في قيادة و تزعم واحدة من أکبر عمليات التغيير في المنطقة بعد ان قام بتهيأة ظروفها الذاتية و الموضوعية قوى سياسية إيرانية متباينة الاتجاهات و المشارب، تأتي منظمة مجاهدي خلق في طليعتها. ومنذ الايام الاولى لإنتصار الثورة، کان واضحا جدا أن هنالك ثمة إختلاف واضح و کبير بين الجانبين، فالخميني و رجال الدين من خلفه، کانوا قد عقدوا العزم و النية على إقامة دولة دينية الشکل و المحتوى واعدوا العدة لذلك، فيما کانت منظمة مجاهدي خلق تفکر بسياق آخر مختلف تماما، إذ أنها لم تضع طرفا محددا في الحسبان وانما کانت مؤمنة بأن جميع الاطراف و التيارات و الشرائح الفکرية و الاجتماعية و السياسية و الدينية و الطائفية قد شارکت و ساهمت في صنع الثورة و نجاحها، وان شکل و مضمون النظام السياسي الذي سيقام لابد من أن يستوعب الجميع و يفي بحاجاتهم، ومن هنا، فقد أطلقت منظمة مجاهدي خلق و خلال الايام الاولى من الثورة أهدافها الثلاثة من أجل رسم و تحديد شکل و محتوى ذلك النظام، وتلك الاهداف کانت تتحدد في:
1ـ الفصل بين الدين و السياسة.
2ـ حقوق المرأة.
3ـ حقوق الاقليات العرقية و الدينية في البلاد.
وقطعا فإن هذه الاهداف الثلاثة لم تکن أبدا موضع ترحيب من جانب التيار الديني المتزمت خصوصا وانه کان هناك اتجاها مبکرا جدا بين الاتجاه الديني في الثورة يذهب الى فرض الحجاب قسرا على النساء، وهو أمر عارضته المنظمة بشدة وأصدرت بيانا شديد اللهجة ضده قالت فيه: ان الفرض الاجباري لأي نوع من الحجاب هو غير معقول، ولم تقف المنظمة عند هذا الحد وانما خرجت مع النساء الايرانيات المتظاهرات ضد فرض الحجاب قسرا، وهو مااوحى بأن مستقبل العلاقات بين طرفي الثورة الايرانية"مجاهدي خلق و الاتجاه الديني"، سوف يکون متوترا للغاية و سوف يمر بظروف اسثنائية.
وهنا، تجدر الاشارة، أنه وفي الوقت الذي کان الاتجاه الديني يمضي قدما للعمل من أجل الاعلان عن دولته الدينية والتي کان قد أعد لها مسبقا من خلال"نظرية ولاية الفقيه"التي تستند في اساسها على جملة أفکار متناثرة جمعها الخميني في کتاب"الحکومة الاسلامية"، ولاتلقي اساسا قبولا او إجماعا من الفقهاء بشأنها، لکن، وفي نفس هذا الوقت بالذات، کانت منظمة مجاهدي خلق تعمل على النقيض من ذلك تماما، انها کانت تعمل و تعد من أجل دولة علمانية ديمقراطية بإمکانها ان تستوعب و تشمل مختلف الطبقات و الشرائح الاجتماعية في إيران، وکانت في نفس الوقت، لاتخفي توجسها و ريبتها من إعلان نظام دکتاتوري ديني لايختلف من حيث المضمون مع نظام الشاه، وإنطلاقا من ذلك، فإنها رفضت نظام"ولاية الفقيه"جملة و تفصيلا واصرت على موقفها و خلال مختلف مراحل التفاوض و التشاور التي جرت مع الاتجاه الديني إذ وصل الامر لحد إستقبال الخميني لزعيم منظمة مجاهدي خلق و قائد آخر کان يرافقه أيضا وهو موسى خياباني، تلك المقابلة التي لم يشأ الاتجاه الديني وللتغطية و التمويه على کل الامور المتعلقة بالمنظمة من الترکيز عليها و نشر الصور الخاصة بها في وسائل الاعلام، والصورة المتعلقة بذلك اللقاء التأريخي والذي کانت بحوزة عائلة الخميني، قد تم نشره بعد وفاته وهو أمر جدير بالملاحظة و التدقيق لبيان حجم الحقد و التضليل الذي کان الاتجاه الديني يمارسه ضد تيار منظمة مجاهدي خلق. کما أن الاتصالات و المفاوضات المسهبة التي أجراها أحمد الخميني مع المنظمة حيث عرض التيار الديني من خلالها عروض مغرية للمنظمة مقابل قبوله بمبدأ ولاية الفقيه، لکن، المنظمة و إنطلاقا من موقفها المبدأي الواضح و إيمانا منها بأن إذعانها و رضوخها لهذا المبدأ الغريب يعني فيما يعني أنها ستضحي بالدماء و التضحيات الکبيرة التي قدمها الشعب الايراني من أجل اسقاط النظام الملکي وانها بذلك ستقدم على خيانة واضحة و جلية لأهم رکن من أرکان الثورة وهو رفض الدکتاتورية في إيران و إنهائها للأبد، ولذلك فقد رفضت کل العروض و أصرت على موقفها الصريح بعدم موافقتها على نظام ولاية الفقيه، وهو أمر لم تستوعبه حينها معظم الاوساط السياسية و الفکرية في المنطقة و أعتبروه بمثابة إنتحار سياسي ـ فکري للمنظمة مجاهدي خلق و قادته او على اقل تقدير محاولة للسباحة ضد التيار الجارف الذي کان يقوده وقتئذ الخميني، لکن منظمة مجاهدي خلق التي لم تکن بمعزل عن المشهد العام حينئذ، وکانت تدرك و بيقين کامل خطورة تبعات موقفها المتشدد من نظام ولاية الفقيه و تعي بأنها ستدفع ثمنا باهضا جدا في سبيل ذلك، غير أنها و لتعودها على النضال و التضحية من أجل الشعب الايراني و لإيمانها بأن المستقبل کفيل بإظهار مصداقية و اخلاقية موقفه المعلن من ولاية الفقيه، فقد مضت قدما في رفضها وهو أمر تجلت مصداقيته في مسيرة نظام ولاية الفقيه منذ بدايات تأسيسه و إقراره ولحد اليوم وماجرته و تجره من مآس و ويلات و مصائب ليس على شعب إيران لوحده وانما على المنطقة و العالم بأسره.
لقد جسد موقف منظمة مجاهدي خلق من نظام ولاية الفقيه، إلتزاما و ثباتا فکريا و سياسيا رائعا و شعورا إستثنائيا بروح المسؤولية الوطنية و الاخلاقية أمام الشعب الايراني اولا و أمام شهداء المنظمة ثانيا، و ليس بالامکان إکتشاف نظير او حتى شبيه له طوال التأريخ خصوصا من ناحية عدم تهاونه او مساومته لرجال الدين على حساب الافکار و المبادئ التي ناضل و قدم التضحيات الکبيرة من أجلها، وان ما فعله و يفعله النظام و کل الذي بذله من جهود جبارة من أجل تشويه سمعة هذه المنظمة و قادتها و تأريخها المجيد، کان اساسا جزئا من تراجيديا تأريخية غريبة و فريدة من نوعها ضد هذه المنظمة التي عقدت العزم على النضال من أجل غد مشرق أفضل لإيران حرة أبية تلعب دورها الانساني و الحضاري في المنطقة و العالم، وان الاوضاع القلقة و غير المستقرة التي تعيشها المنطقة اليوم و تمتد بتأثيراتها السلبية لمختلف ارجاء العالم، هي اساسا حاصل تحصيل قيام نظام ولاية الفقيه و مانجم عنه، وللموضوع صلة.
التعليقات (0)