"الثورة البيضاء"، التي لم تعدو في واقع أمرها عن أکثر من فصل مسرحي فاشل منذ عرضه الاول، أردفها الشاه بفصل ثاني کان أکثر إخفاقا و هزالة من الاول عندما أسس حزب"رستاخيز"، أي نهضة الشعب، والذي کان بمثابة حزب مفروض على معظم الشعب الايراني إذ کان الانتماء إليه من جانب کل ابناء الشعب فرضا مبرما لامناص منه، وقد کان الامران حاصلي تحصيل واقع مفتعل و غير واقعي و يجري فرضه بمنطق القوة و نير الاستبداد لکن، هذا الوضع الغريب المرکب على بعضه کجسم مشوه، بقدر ماکان له تأثير سلبي عميق و کبير في المشهد الايراني، لکنه في نفس الوقت کانت له إنعکاسات و ردود فعل تحريضية دفعت الشارع الشعبي الايراني للتحرك بإتجاه رد فعل جديد يتجاوز حالة المظاهرات والاضراب، يضاف الى ذلك أن نفي الخميني و التحجيم النسبي لدور رجال الدين الاخرين من جراء الاسلوب القمعي و العنيف الذي مارسته الاجهزة الامنية للشاه، کان لها أبلغ الاثر في دفع الشباب الايراني للبحث عن ثمة مخرج أو حل ما للاوضاع المزرية التي يمر بها الشعب الايراني.
وقد طرحت ولأول مرة قضية الکفاح المسلح ضد نظام الشاه کمخرج وحيد للأزمة بعد ان رأى الجميع انه لاخلاص من نظام الشاه إلا بالنزول عند رغباته و الخضوع لها من دون أية مقاومة، ومن هنا نشأت رويدا رويدا تجمعات و منظمات و إتجاهات سياسية أغلبها ذات طابع يساري، تدعو الى خوض طريق الکفاح المسلح لتغيير النظام ولم يأت إختيار هذا الطريق عبثا او من دون طائل، حيث أن العالم في ذلك الوقت کان يغص بأنباء حرکات التحرر و حرب العصابات التي تخوضه العديد من حرکات التحرر و الاحزاب و المنظمات اليسارية من أجل نيل حقوقها، ويمکن هنا الاشارة الى کل من: مجموعة فلسطين، منظمة مجاهدي خلق، منظمة فدائيي الشعب، رغم أن الاولى لم تحقق شيئا مهما على الارض أکثر من تلك الضجة الاعلامية التي أثارتها بعد إلقاء القبض على کافة أعضاء المجموعة وهم يريدون العبور عبر الحدود العراقية في البصرة عام 1970، بقصد التوجه الى المنظمات الفلسطينية لتلقي التدريبات العسکرية اللازمة ومن ثم العودة الى إيران لمقارعة نظام الشاه، إذ أقتيدوا جميعهم"کان عددهم 18فردا" الى طهران حيث حوکموا هناك في محاکم عسکرية بتهمة(المساس بأمن و استقلال البلاد)، وحکم على معظمهم بالسجن المؤبد، لکن مجئ منظمة مجاهدي خلق و من بعدها منظمة فدائيي الشعب"التي تشکلت من بعد إندماج مجموعتين"، قد منح للواقع الايراني شکلا و طابعا آخرا مختلفا کل الاختلاف عن المراحل السابقة، خصوصا وان المنظمتان قد تم تأسيسهما من قبل مجموعة من الشبان المثقفين الذين کانوا مرتبطين بهموم و آلام و مشاکل شعبهم، وعلى الرغم من البلاء الحسن و التضحيات الکبيرة التي قدمتها منظمة فدائيي الشعب، لکنها و عقب تعرضها للعديد من النکب و النکسات على يد الاجهزة القمعية لنظام الشاه، فإن دورها قد بدأ رويدا رويدا بالتلاشي و الاضمحلال على الساحة الايرانية، مما فتح المجال واسعا أمام منظمة مجاهدي خلق لکي تأخذ زمام المبادرة و تکون بمثابة القوة الطليعية الفتية التي بمقدورها لفت أنظار الجيل الايراني الجديد و جذبهم بإتجاه الانخراط في صفوفها، وعلى الرغم من وجود قوى و احزاب سياسية تقليدية في الساحة الايرانية لکن أي منها لم تکن بذلك الشکل و النحو الذي بمقدوره جذب إهتمام الشباب الايراني و التأثير على قناعاتهم الفکرية و المبدأية.
منظمة مجاهدي خلق، التي تأسست عام 1965، على يد محمد حنيف نجاد و أصدقائه سعيد محسن و علي أصغر بديع زادکان، وکان ثلاثتهم مهندسون من إختصاصات متباينة، وقد طرحت هؤلاء رؤيتهم بخصوص النضال الذي خاضه الشعب خلال الفترات الماضية و استنتجوا بأن:( العلة الاساسية لإخفاق النضال هو إفتقاد قائد ذو رؤية ثورية مجهز بعلم النضال و يمتلك نظرية ثورية و مستعد للنضال و العمل الثوري)، ويطرح مؤسسوا مجاهدي خلق وجهة نظرهم بخصوص مرحلة مابعد فشل إنتفاضة 15 خرداد التي شارك فيها الخميني بقولهم:( بخصوص الاوضاع المحددة بعد قمع إنتفاضة 15 خرداد، فإن کل أشکال النضال الاصلاحي قد وصلت الى طريق مسدود وان النتيجة التي تم توصل إليها أن عصر النضال الاصلاحي قد إنقضى و لمواجهة النظام الدکتاتوري للشاه ليس هناك من طريق سوى النضال المسلح)، وقطعا لم يکن طرح مسألة الکفاح المسلح ضد نظام الشاه وقتئذ بمعزل عن الاجواء الاقليمية و الدولية السائدة والتي کانت تدعو و تحث الشعوب لإلتزام طريق الکفاح المسلح لنيل الحقوق المغصوبة من جانب الانظمة المستبدة و القمعية، وکان واضحا و جليا ومنذ بدايات النشوء، أن منظمة مجاهدي خلق ليست کأي إتجاه او تيار سياسي إيراني آخر، وانما کان نمطا جديدا يحمل في ثناياه فکرا و رؤية و نظرية سياسية جديدة للتصدي للواقع الايراني و تغييره نحو الافضل، وقد جعلت المنظمة من الشعب معيارا وفيصلا مهما للنضال الذي تخوضه عندما جعلت واحدة من رکائزها الفکرية تربط مابين"طريق الله و طريق الشعب"، ذلك أهم کانوا قد أعتقدوا بأن:( طريق الله هو نفس طريق المستعضعفين)، کما أنهم وفي خطاباتهم التي کانوا يوجهونها للشعب، کانوا يذکرون اسم الشعب مرادفا لاسم الله تعالى(بسم الله و بأسم شعب إيران البطل)، وهذا الجمع مابين الخالق و المخلوق، کان بمثابة طرح فکري جديد على الاذهان و قريب للقلوب، کما أن الخطاب السلس و الواضح و الشفاف و المنطلق من أعماق وجدان ثلة مؤمنة و ملتزمة بقضية شعبها لتستقر في شغاف قلوب شعب متعطش لفجر صادق جديد، منحت لهذه المنظمة حضورا ميدانيا غير مسبوقا في الساحة السياسية الايرانية وفي الوقت الذي شهدت هذه الساحة أفول و غياب او إقصاء و تلاشي العديد من القوى و الاحزاب و الاتجاهات السياسية الايرانية، فإن منظمة مجاهدي خلق وعلى الرغم من تلك الضربات و النکسات و الهزات العنيفة التي تعرضت لها منذ تأسيسها ولحد اليوم"والذي سنأتي لاحقا لإستعراض أهمها و أخطرها"، لکنها على الرغم من ذلك ترسخ وجودها و دورها في الساحة أکثر فأکثر خصوصا وان الاصالة الفکرية في طروحاتها النظرية و عصرنة وآنية تعاملها مع الاحداث و القضايا منحها قوة هائلة لم تکن متکفلة لغيرها.
ان ترکيزنا الحديث على الخلفية التأريخية و الفکرية لمنظمة مجاهدي خلق الايرانية، له علاقة وثيقة جدا بالمشهد الايراني منذ عام 1965 عام تأسيس المنظمة ولحد اليوم، ومخطأ من يظن بأن المنظمة قد إنقطعت ولو ليوم واحد فقط من أجل النضال من أجل مستقبل أفضل لشعب إيران، ومخطأ أکثر من صدق بکل تلك الطروحات و الاراجيف المختلفة التي حيکت و تحاك ضد هذه المنظمة للحط من شأنها و التقليل من دورها و حضورها على الساحة الايرانية، ففي الوقت الذي يؤکد فيه النظام الايراني للعالم أجمع و طوال العقود الماضية أن منظمة مجاهدي خلق لم يعد لها من أي وجود فعلي على أرض الواقع، لکنها و بنفسها تعود لتؤکد و تعترف بقوة دور المنظمة"ومحوريتها" في مختلف حرکات الاحتجاج و الانتفاضة بوجهها وهو أمر حري بأن يدفع کل المثقفين و الاوساط السياسية الى التفکير بدقة و تأن حول حقيقة ماجرى و يجري في الساحة الايرانية ليس منذ تسلط رجال الدين و استلامهم لمقاليد الحکم وانما منذ المواجهة الفعلية مع نظام الشاه و اسقاطه و نجاح الثورة و ماجرى في أيامها و سنينها الاولى، فذلك التفکير کفيل بوضع العديد من النقاط على الحروف و توضيح الکثير من علامات الاستفهام بخصوص ماجرى من تراجع و تخبط و أمور أخرى غريبة بالثورة الايرانية في 11 شباط 1979.
ان الکثير من الامور التي حدثت و تحدث في المنطقة من جانب النظام الايراني، هنالك إجابات او تفسيرات محددة و شافية لها من جانب المنظمة وقد طرحتها في أدبياتها و نشراتها الدورية الى جانب المئات من الوثائق و المستندات المهمة و الخطيرة جدا والتي تشير الى الدور التخريبي للنظام الايراني و تورطهم على أکثر من صعيد في شؤون و الامور الداخلية في بعض من دول المنطقة و التي سنأتي و نسلط الاضواء عليها لاحقا.
ان تسليط الضوء مجددا على خلفيات ماجرى من"تصادم"و"إختلاف"و"مواجهة"عنيفة بين الخميني و رجال الدين المؤازرين له من جهة، وبين منظمة مجاهدي خلق من جهة أخرى، ان تلك الضريبة الباهضة جدا و التي دفعتها المنظمة و قادتها عن طيبة خاطر يتجسد اليوم بکل معانيه البشعة ليوضح للعالم أجمع ضد أي نظام إستبدادي قمعي کانت تناضل هذه المنظمة کم عانت و قدمت من تضحيات جسام حتى تظهر هذه الحقيقة بجلاء للعالم کله ولاسيما وان"الثورة" التي دائما کانوا يهددوا جيرانهم بتصديرها إليهم صارت اليوم بمثابة کابوس يقض من مضجعهم و يقلقهم أيما قلق، فأي ثوار هؤلاء الذين يرتعبون من الثورة؟ انه سؤال سنجيب عليه خلال قرائتنا المستفيضة هذه للمشهد الايراني بمختلف أبعاده و مراحله، وللحديث صلة.
التعليقات (0)