مواضيع اليوم

إيديولوجية السوط.

محمد مغوتي

2011-07-21 19:11:56

0

   أقدم أربعة شبان مسلمين في أستراليا على تطبيق حد شرب الخمر في شخص اعتنق الإسلام حديثا، حيث هاجموه في شقته، و كمموا فمه ثم جلدوه أربعين جلدة... هذا السلوك يعيد مشكلة التطرف الديني إلى الواجهة، و يؤكد أن مشاريع الإسلام السياسي لا تقوم إلا على الوصاية و الإكراه و السوط.
   صحيح أن هذا السلوك هو حالة منعزلة لا يمكن القياس عليها، و لا يمكن أن نضع بموجبها جميع المسلمين في سلة واحدة، لكنها مع ذلك تستحق وقفة ما. ففي الوقت الذي يحتاج فيه المسلمون إلى تلميع صورتهم أمام الرأي العام العالمي بعد التشوهات المزمنة التي لحقتها خلال السنوات الأخيرة بفضل أمراء الإرهاب، يأبى التطرف إلا أن يفرض نفسه كصفة أصبحت لا تفارق الإسلام في مخيلة المجتمعات غير الإسلامية. فهؤلاء الذين نفذوا الحكم بهذه الطريقة لا يقيمون أي وزن للقوانين و الأنظمة التي تفرض نفسها في الدولة التي يعيشون فيها. و تأسيسا على الخلفية الفكرية التي ينتمون إليها، فإنهم ينصبون أنفسهم أوصياء على الإسلام و المسلمين. و ما يساهم في تنامي هذا النوع من التفكير هو غياب التجديد في الخطاب الإسلامي الذي مازال يشتغل بأدبيات القرون الوسطى. لذلك تجد القوى المتشددة الفرصة سانحة أمامها لتمرير قراءتها الخاصة و فرضها كنموذج صحيح يجب أن يحتذى من أجل تطبيق شرع الله... و في ظل الإخفاقات السياسية التي عرفتها المجتمعات الإسلامية تزايدت أرصدة الأحزاب الدينية لدى الشارع الإسلامي، و هي ترفع شعار " الإسلام هو الحل". لكن الواضح أن الحل الذي تبشر به هذه الجهات هو " السوط الإسلامي ".
    ماذا لو نجحت هذه التيارات الفكرية في الوصول إلى السلطة؟. من المؤكد أن النموذج الطالباني في أفغانستان كان قد قدم الإجابة الكافية عن السؤال. ذلك أن المرجعية التي يتأسس عليها تفكير" الإسلام السياسي" هي تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية دون امتلاك القدرة على مواكبة مقتضيات العصر أو تحقيق التجديد في الخطاب الإسلامي من خلال تفعيل آلية الإجتهاد. و بما أن المسلمين غير قادرين على تحقيق التجديد الديني المنشود الذي يؤهل الإسلام ليتكيف مع متغيرات و مستجدات هذا العصر في كل الميادين، فإن أي نجاح لدعاة " الإسلام السياسي" يمثل تراجعا خطيرا نحو الماضوية و انتصارا مدويا للتطرف و الأحادية و التعصب. فما أقدم عليه هؤلاء الشبان في أستراليا يندرج تبعا لقناعاتهم الخاصة ضمن بند إقامة شرع الله. و هم بفعلهم هذا يكونون قد غيروا المنكر بأيديهم، و ذلك يعبر عن قوة إيمانهم... و بما أن أستراليا دولة كافرة في عرف هؤلاء فإنهم مجندون لتنزيل الشريعة الإسلامية. ما ذا يعني هذا إذن؟. إن الذين يصدرون عن هذا النوع من التفكير لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقدموا حلولا ناجعة لمعضلات المجتمعات الإسلامية، فهم لا يؤمنون بالاختلاف و لا يعترفون بالآخر. و في الوقت الذي استطاعت فيه المجتمعات الغربية بناء نموذج سياسي متقدم وحداثي يتأسس على الديموقراطية و الحرية، نجد في أدبيات جماعات التطرف الديني تكفيرا تاما للدولة المدنية و الديموقراطية. و من تم فإن هذه الجماعات تشكل خطرا حقيقيا على النظام العام و تهدد أمن الناس و حريتهم. لذلك علينا أن نتخيل النتيجة لو نجحت مثل هذه التيارات في الوصول إلى السلطة في مجتمعاتنا.
   إن الحل الوحيد لقطع الطريق أمام هذه الجماعات و حماية حرية الإنسان في المعتقد و الاختيار هو تبني خيار الدولة المدنية و تحقيق الديموقراطية و سيادة القانون و إعادة النظر في كثير من المفاهيم الموروثة عن القراءات الوسيطية للخطاب الديني و من بينها مفهوم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
     محمد مغوتي.21/07/2011.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !